الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث في سلسلة طويلة... أنا رجل (الحلقة 5)

سعد الغالبي

2009 / 8 / 16
الادب والفن


في زمن من حياتي ، كانت لي أيام قد منحتني غلفة صفة الإنسان ، أو كما كنت أظنها قد فعلت ذلك ... وهي أيام استطاعت أن تحمي نفسها ولم تتسلل اليها الظلمة بعد أو يغتصبها الشر ؛ ولكن كم كان عدد تلك الأيام ؟ ولكن لا توجد غرابة لو قال أحدنا - ممن عاش في ذلك الزمن المسروق – لا ادري !! فقد كان زمن مسروق لأجل التفكيرالهامشي في الأشياء ، دون الولوج في التفاصيل ، لكني لازلت أتذكركيف سُرقت من حياتنا ، تلك التي نسينا عددها ، ودون أن نعلم .
فأنا أتذكر ومنذ زمن كان بعيد ، قد غفوت مع أقراني في مدينة صغيرة ، مدينة تشبه الحلم في المنام ، لاتعرف متى تستيقظ، وإن إستيقظيت لا تتذكر حلمها لذلك فهي كانت مدينةالمتناقضات ، فإسمها لا تشبه كنيتها فالإسم مشتق من طبيعة تكوينها ، والكنية من أفعال سكانها ، فهي تسمى " شطرة " , ولك أن تتمادى في التفكير لماذا سميت بهذا الإسم ، ولكن دعني أحاول وأنا ألملم أفكاري لأقول لك لماذا تكنت مدينتي بـ "موسكو الصغيرة " .
هل علمت معنىً آخر للتناقض غير هذا !؟ فمديني التي تنتمي الى مدن الجنوب في العراق ، قد أخذت كنيتها من عاصمة دولة تنتمي لعالم آخر لا يشبه عالم مدينتي ، ولكن لتلك الكنية اسبابها ...
كان الشيوعيون ، وهم ممن إنتموا الى الحزب الشيوعي العراقي ، يمثلون الأغلبية من سكان المدينة مما جعلوا الحياة الإجتماعية والثقافية تختلف عن باقي المدن المجاورة ، لذلك كنت وأنا صغير أرى منظر الصحف وهي تباع في المكتبات ، او أرى الرجال وهويحملون (جريدة طريق الشعب) ملفوفة بأيديهم ، أو أنظر وأنا أمر بالقرب من مقاعد المقهى على أحد رواد المقهى وهو يفرد جناحي الجريدة لأجد عنوانها الأحمر يشير الى طريق الشعب .
كان فعلاً طريق قد سلكه هولاء الرجال ، ليجدوا فيه ضالتهم التي قادتهم الى الهدوء والإنصياع الجميل لمعرفة كيف يكون غدهم الذي أراده أن يكون .
كما لازلت أتذكر كيف كانت مدينة الشطرة ذات يوم .. فقبل أن تشرق الشمس ويستيقظ البعض الباقي من سكان المدينة ، كانت هنالك صيحات أطفال فرحة ـ وهم ينادون على آبائهم ـ تمتزج مع هدير محركات السيارات المتوقفة طابور على إمتداد النهر الذي شق المدينة الى نصفين ، ولو سألت أحدهم الى اين الذهاب ؟
سيكون الرد : الى (البر )... الى الجانب الاخرمن أرض العراق ، قرب حافات الأهوار حيث يقام هناك مهرجان للفرح .
كان المهرجان بمثابة تعميد لولادة جديدة للحزب الشيوعي العراقي ، أو حزب الشيوعيين كماكانوا يسمونه في مدينتي ،(مدينة الشطرة ) ، ولكوني كنت صغيراً ، لازالت خيوط الذاكرة تحمل أجواء ذلك المهرجان .
في ذلك المهرجان قد سمعت كلمات أغاني لم أسمع بها من قبل ، كلمات تجعل الفرح حقيقة في متناول الجميع ، وحلم باستطاعة أي إنسان أن يحلم به .
في ذلك المهرجان ولأول مرّة شاهدت أطفالاً يتصرفون كالكبار حين يعتلون مكان المسرح المقام هناك لتأدية ما كلفوا به ، ولوا تركتوا أولئك الأطفال لاعمارهم تكبر مع الزمن لكانوا وكنّا غير ما هو عليه الآن من الضياع ... ولكن زمن الضياع قد إبتداً ، ودون أن نعلم أعلن ساعة الصفر .
لم أكن أعرف إن الموت يأتي خلسة حتى أدركت ما آل اليه حالنا ، فعالم الموت يمهد كثيراً لإستضافة مدعويه ، لأن مانعيشه اليوم هو عالم الموت بحد ذاته .
ثمة بوادر لظواهر بدأت تظهر ، وقد بدت للوهلة الأولى إنها مفيدة ،ففي ظاهرها حب الوطن والأرض وباطنها كان أمراً قد دبر بليل حالك الظلمة ، لأن الزمن في هذا الوقت ، كان زمن السبعينيات ، والبادرة التي بدأت تتكون هي (الأتحاد العام لشباب العراق ) ، وتلك البادرة سرعان ما نمت وأثمرت طلائع وفتوة ، وأطفال منبهرين بالملابس الزرقاء وأحذيتهم الرياضية .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي