الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخليج الغريب

جمال مهدي صالح

2009 / 8 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


----------------------------
( جلس الغريب , يسرح البصر المحير في الخليج
ويهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج )
(أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج
صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى ؛ عراق ,
كالمد يصعد , كالسحابة , كالدموع إلى العيون)
-----------------------------------------
ارتأيت أن ابدأ بهذا المقطع المؤثر لقصيدة ( غريب على الخليج ) لشاعر العراق العظيم بدر شاكر السياب لكونه ابلغ صورة تعبيرية عن علاقة العراق بالخليج العربي وقد تفوق على أي خطاب سياسي تناول هذا الموضوع والقصيدة بكاملها لها من الوقع تستثار له الأنفس وتختلط به المشاعر بين الحزن والغربة والوطن , ولست في هذا المقال انوي أن استعرض البلاغة الشعرية للسياب أو أنحو بذلك اتجاه النقد الأدبي لأني لست من أهل الحرفة (اللغويين ) فالقصيدة خطاب يمتلك من التأثير المهم أن تمكن من تجاوز نرجسية الشاعر وذاتويته ونقصد , ان استطاع مشاطرة الاخرين بالوجدان العام , وعندما تمتلك القصيدة هذه الميزة تكون خطابا تاريخيا لايقل عن أي اثر تاريخي ذا بعد حركي ومعياري يتخذه العقل الجمعي ولذلك عبرت القصائد الخالدة عن هوية الشعوب للشعراء مثلما فعلت قصائد هوميروس, ودانتي , وت س اليوت , وعزرا باوند , وطاغور, والمتنبي وآخرين والسياب لايقل أهمية عنهم في هذا المنحى أن لم يكن يتفوق على بعضهم .
أن الأدب في وضعه الإبداعي (( شعر, قصة, رواية , مسرحية........الخ )) تجربة فردية من حيث الشكل والمظهر ولكنها تجربة جماعية في العمق لان الفرح والمعاناة والحياة بصيغة عامة لايتأتون إلا داخل هذا الإطار الإنساني الذي تميزه العلاقات الإنسانية بما يقودها من معتقدات وطقوس وما ينتج عنها من مشاعر وأفكار . والمبدع لايستطيع أن يجرد نفسه عن وعي منه أو بدونه من الذاكرة الجماعية والمعرفة الخارجة عن الأنا التي تجر القلم وتصوغ الجمل وتقدم العمل كأنه مجهود فردي خاص جدا .
وفي قصيدة ( غريب على الخليج ) عبر السياب عن الهوية العراقية المحضة وطبيعة اختلافها النوعي عن الهوية الخليجية وبهذا كانت قصيدته خطابا يفصح عن عدم التوائم بين العمق الحضاري لكلا الطرفين وكان السياب قد ارتقى إلى الذروة البلاغية في استقراءه لعلاقة هذه الغربة, هذا الخليج الذي لم يتقبل العراق العثماني ولا الملكي ولا الجمهوري ولا الدكتاتوري ولا الديمقراطي واعتقد انه سوف لن يتقبله بأي شكل من الأشكال وربما من يذهب إلى كوني أبالغ في هذا ولذلك سوف استوضح تاريخ العلاقة بين العراق والخليج على وجه موجز وعشوائي لكي لا أحمل الخطاب أكثر من طاقته ومن خلاله سنكتشف دقة وأهمية شعر السياب ودوره في التعبير عن الهوية العراقية والتي فشل في التعبير عنها الخطاب السياسي والديني والقومي وحتى العلماني وهو أن دل على شيء فإنما يدل على القطيعة بين الإنسان (العراقي) العام وبين السياسي والديني والقومي والعلماني ولا أريد بالقطيعة هنا انقطاع التبعية بين الطرفين وإنما ضمور في التمثل وعدم القدرة في التعبير عن الوجدان العام , وعودة على مسار بحثنا لكي نتبين كيف أن العراق والخليج ينتميان إلى حيزين ثقافيين مختلفين , فمنذ هجمات الوهابيين على كربلاء والنجف والاتفاقية البريطانية التي أبرمت مع آل الصباح في نهاية القرن التاسع عشر وحتى قيام الدولة العراقية الحديثة رافقه صراع بين آل سعود وال الرشيد وصراع مماثل بين آل الصباح و آل السعد ون والذين تم إقصائهم ونفيهم إلى العراق (آل الرشيد و آل السعد ون ) وكذلك الخلاف بين آل سعود وحكام الحجاز والذي انتهى باستيلاء آل سعود على الحجاز وترتب عليه تنصيب فيصل ملكا على العراق , كان العراق يمثل المنفى للأعداء من وجهة نظر الخليج وعندما حاول نوري السعيد تشكيل نواة الاتحاد الهاشمي بالضد من مشروع الوحدة بين مصر وسوريا سعى إلى ألحاق الكويت بالحلف من اجل تعزيز أمكانية الحلف المادية وكان هذا السعي قد جلب الويلات على الحكم الملكي في العراق حيث كانت احد الدوافع التي أسقطته .
والعلاقة في العهد الجمهوري حتى 1980 اتسمت بالتشنج والرفض وكان تحسنها نتيجة للحرب العراقية الإيرانية حيث قاتل العراقيين بالنيابة عن الخليج في واحدة من أطول وأسوء الحروب بعد الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين وذلك نتيجة المخاوف التي راودتهم من شعار تصدير الثورة الإيرانية ولا أريد أن أطيل في السرد التاريخي ولكننا يجب أن نؤشر إن السعودية وقطر والكويت كانت قد شكلت المثابات لانطلاق الجيش الأمريكي في احتلال العراق وربما هناك من يجد العذر لمثل هذا الموقف جراء حماقات النظام السابق وتهديده لدول الخليج خاصة بعد غزوه لدولة الكويت رغم إن الأخيرة قد ساعدت في تهيئة الكمين الذي استدرج إليه صدام , ولكن موقف هذه الدول يبدو في غاية الغرابة بعد سقوط نظام صدام فنلاحظ السعودية ودعمها الغير الرسمي للمجموعات الإرهابية وعدم اعترافها الرسمي بدولة العراق الجديدة وقطر صاحبة اكبر قاعدة عسكرية أمريكية ساهمت في الاحتلال وهي نفس الدولة التي تدعم اكبر المجاميع التي لعبت دورا دمويا في أحداث العنف في 2006 -2007 والكويت التي دفعت بكل جهدها من اجل التغيير وكانت المستفيد الأكبر من نتائج هذا التغيير تقف اليوم ضد خروج العراق من طائلة البند السابع وإصرارها على قضية التعويضات بشروط تعجيزية وهذا الموقف لايمكن أن يفسر إلا كونه رهن بعقدة الانتقام والثأر , أن ما أريد أن أقوله هو إن العراق بحكم موقعه وتاريخه وثروته البشرية ذات التنويع ألاثني والديني والمذهبي لم يستطع رجال السياسة في العراق الجديد أن يقدروا أهميته من خلال التعامل بندية مع هذا الخليج الغريب .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة