الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجها لوجه وليس كتفا بكتف

عصام عبدالله

2009 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لاحظ " رسل جاكوبي " في كتابه " نهاية اليوتوبيا " ، أن كلمات مثل " التعدد " و" التنوع " و" الاختلاف " ، أصبحت كلمات " مقدسة " أو أريد لها ذلك ، ومن يرفضها أو ينقدها اليوم ، فسوف يحرق علي خازوق ، تماما ، مثلما أحرق " جيوردانو برونو " قبل أربعة قرون .
لم يسأل أحد أو يسائل نفسه ، حسب جاكوبي : ماقدر التعدد والاختلاف داخل التعددية و الاختلاف ؟ ماذا تعني كلمات مثل " تعدد " و" تنوع " و" أختلاف" أساسا ؟ .

علي العكس مما هو شائع ، فإن الأمور ليست كما تبدو لنا ، وإنما هي تمضي دون توقف نحو "التماثل" و" التشابه " ، لا " التعدد " و" الاختلاف " . وهنا فقط يمكن أن نتفهم الصرخة التي أطلقها " جاك دريدا " في كتابه " مارقون " من خطورة الديمقراطية القادمة ، يقول : " لا خطر علي الديمقراطية القادمة ( في عصر العولمة ) إلا من حيث توجد ( الأخوة ) ، ليست بالضبط ( الأخوة ) التي نعرفها ، ولكن حين تصنع ( الأخوة ) القانون ، وتسود دكتاتورية سياسية بأسم الأخوة ... فالدعوة الي ( الأخوة ) العالمية ) اليوم ، سوف تلغي الهوية والاختلاف ، وكل ما هو " آخر " أصلا ، وهنا مكمن الخطورة .

ولعل هذا ما دفع الفيلسوف الفرنسي " إيمانويل ليفيناس " - Levinas ( 1906 – 1995 ) إلي تسمية الالتقاء " بالآخر " بـ" الحدث " ، حتى أنه يصفه بـ" الحدث الأساسي ". فهو يشكّل ، التجربة الأهمّ بالنسبة للإنسان في كل زمان ومكان ، تلك التجربة التي تفتح أوسع الآفاق للحوار والتواصل والحياة والسلام. وهذا اللقاء، كما يشير ليفيناس ، هو بداية الخروج من التمركز حول ذاتي، فمجرد وجود ( الآخر ) أمامي هو انكار لكوني ( أنا ) مركز كل شئ ، ودعوة ( لي ) و ( له ) في الوقت نفسه إلي العيش سويا .

وعلي الضد من علاقة ( المساواة ) الزائفة والموهومة ، التي بدأت في الفلسفة اليونانية ( مع أرسطو ) ، ومرورا بمبادئ الثورة الفرنسية وشعارها الثلاثي : حرية ، إخاء ، مساواة ، وانتهاء بالمساواة في النظم الشمولية ، والتي عبرت عنها صيغة : " كتف بكتف " ، ونتج عنها ابتلاع الأنا في الآخر أوذوبان الآخر في الذات، يقترح " ليفيناس " صيغة أخري هي : علاقة " وجها لوجه " - The face to face ، التي تسمح بمسافة مناسبة بين الأنا والآخر ، وتمنح الانفصال الذي هو شرط الاختلاف ، ذلك لأنها ليست دمجا ( للذات والآخر ) في وحدة كلية ، حيث يصعب هذا الدمج ، ومن ثم فهي علاقة أخلاقية أيضا ، تستدعي حرية الذات لتوجهها نحو المسئولية.

بيد ان مقولة "وجها لوجه" عند ليفيناس تحيلنا خفية إلي ما أصبح يعرف اليوم بلغة الجسد - وحسب علوم: النفس واللغة والاتصال... فإن هناك أربع شفرات للتواصل الإنساني، الكلام والصوت (السمع)، والجسد والوجه (البصر). فأنت لا تقنعني بما تقول فقط من كلمات، وإنما بالصوت والوجه والجسد.

أضف إلي ذلك أن اللغة الأبجدية نفسها تستخدم لغة الجسد، مثلما نقول: لم يرف له جفن، غض الطرف، اليد الممدودة بالسلام.... الخ. فضلا عن أن الكلمات لا تخرج فقط من فم الانسان، وإنما من كل جسده، ناهيك عن ان ما يقوله الفم ليس بالضرورة هو ما يقوله الجسد. فالإنسان لا يمكنه أن يختبئ خلف جسده وإن كان بإمكانه أن يتواري خلف كلامه. وعلاقة "وجها لوجه" هي علاقة مباشرة، والمباشرة، ربما كانت، علي صلة "بالبشرة" في اللغة العربية.

وهكذا يؤسس ليفيناس في احتفائه بالانفصال والاختلاف والوجه ، لذاتية تتحقق كمسؤولية تجاه الآخرين، وهذه المسئولية " لايمكن الهروب منها أو أستبدالها أو الاستعاضة عنها بأي شئ آخر أبدا ". ويبدو أن الدرس الاخلاقي الذي يمكن استخلاصه من العولمة اليوم ، ليس هو الدعوة إلي " الأخوة " العالمية ، وإنما ، وبالأساس ، : " هو أن جعل مستقبل ( الآخر ) مسؤولية شخصية ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس