الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دفاتر المنفى عربانة النواب 1من 5

جمعة الحلفي

2004 / 5 / 15
الادب والفن


... "العربانة" التي أتحدث عنها، هنا، من خشب ومسامير، لكننا بحثنا أياما عدة، في سوق ساروجه الدمشقي، حتى عثرنا عليها في خان للسكراب. صاحب العربانة، أو الوسيط (لا أدري) كان يحاول ابتزازنا لأنه تصور أننا نريد استخدامها لبيع أشياء ثمينة، كالكتب مثلاً (هل هي ثمينة ؟) خاصة وأننا كنا من ذوي النظارات الطبية السميكة والحقائب الصغيرة المنتفخة بالصحف والمجلات. انتهت المجادلات وحُسم الأمر فاشتريناها بألفي ليرة، لكن المشكلة التي واجهتنا هي كيف ومَن يوصل "العربانة" الى مسرح الحمراء وسط دمشق؟
باسم قهار، المخرج، لاذ بالحارات الدمشقية القديمة، ما أن أخرجتُ محفظة النقود لأدفع للبائع، وفاروق صبري، الممثل العراقي، ظل يبحث، دون جدوى، عن سيارة تحمل مثل هذه "العربانة" الأشبه بمدرعة حربية.
المهم، في لحظة حماس، وضعت حقيبتي الصغيرة السوداء في قلب "العربانة" ورحت أدفع بها مخترقاً بسطات الخضار والفواكه وسلال الزيتون والشنكليش، ودكاكين بيع السمك واللحوم بسوق الهال، ماراً بالمرجة والسويكة وعين الكرش وحارة الورد، متجنباً نظرات الدهشة والاستغراب… حتى بلغتُ، مرهقاً أتصبب عرقاً، مسرح الحمراء بالصالحية.
في مساء ذلك اليوم، وكنتُ قد جئت نشطاً بعد أن تحممت من شعثاء رحلة "العربانة" استقبلني الممثلون بالتصفيق والزغاريد إذ لم يصدقوا أن عربانة حقيقية من خشب ومسامير، أصبحت جاهزة للتمرينات فوق خشبة المسرح. فقبل ذاك كنا نتخيل عربانة وهمية، كانت عبارة عن طاولة ندفع بها حيثما يرشدنا باسم قهار، حتى تمزقت ملابسنا وتفصخت أرجل الطاولة.
"العربانة" نص مسرحي كتبه مظفر النواب، يتحدث عن حياة سجناء عراقيين مختلفي الطباع والأفكار والانتماءات و..التهم، تجمعهم مظالم السجن وبؤسه. الشخصيات الرئيسية في النص (أبو سكيو) بائع فول( باكله ) مسجون بتهمة شجار مع أحد أشقياء الحارة، سببه منافسة عاطفية تدور حول امرأة معشوقة يهيم بها أبو سكيو. (الأستاذ حلمي) سياسي مهزوم داخل السجن يحاول أن يلعب دوراً انتهازياً في الخارج. (أبن تتو) شخصية شرسة "شقاوة" تستخدم العنف لإذلال أبو سكيو والأستاذ حلمي معاً، كاشفة ضعفهما أمام المرأة والسلطة. وهناك شخصيات أخرى مركزية من بينها ضابط الشرطة في السجن، الذي يغتصب (أثناء التحقيق) إحدى المومسات اللواتي يتم اعتقالهن، والجنرال (مدير السجن أو الديكتاتور) الذي يحكم بالموت على السجناء بسبب احتجاجهم على ظروف السجن، وهناك شخصيات كثيرة تتمايز أدوارها بين مشهد وآخر مثل شخصية عواد، السجين الجنوبي المستوحد مع آلامه الدفينة وبكائياته الكربلائية. كل هذه المخلوقات التي وجدت نفسها مرمية في الإهمال والنسيان والضياع داخل السجن، تنتقل بين الواقع المرير الذي تعيشه يومياً وبين حلم الخلاص والأمل بالتغيير، في خضم صراع بين بالوعة السجن (رمز للقذارة ولقوى الظلام) التي ما أن تطفح بالأوساخ حتى تمتص الأحلام، وبين عربة بائع الفول (الباكله) التي ترمز للحركة والاستمرار والمقاومة، والتي يحتشد وراءها كل هؤلاء في محاولة لحسم الصراع ضد عالم البالوعات السائد.
( يتبع غداً)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي