الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارض السمراء

البتول المحجوب

2009 / 8 / 19
الادب والفن


تستيقظ على صوت الصحراء يئن من الوجع في وجه الألغام المزروعة كفى..كفى.وتجنح بها الذاكرة عبر صدى الصوت الجريح،بعيدا صوب قبره المسجى وحيدا في فضاء موحش، فضاء ضم رفاة إنسان رضع عشق الأرض السمراء ولم يرض عنها بديلا.يتبدد حزنها عندما تتذكر ولعه بقسمات وجه الأرض السمراء،وجه استغاث به من وراء جدران باردة،من وراء أبواب موصدة،وجه رافقه حلما ويقظة.يوم أخبر صديق دربه عن حلم الصحراء الجميل..فرد عليه ساخرا:
- ستجعلك الهواجس على حافة الجنون يوما يا صديقي
الصحراء تراودك حلما..كيف..؟ مهووس بالحلم كعادتك.
يصمت ويغرق في الصمت البعيد…يعي في أعماقه أن الصحراء راودته و راودها،وتواعدا على اللقاء الجميل..بسخرية مولودة من رحم المعاناة يرد صديقه:
-إلى متى ستظل تحلم.. ؟ أنسيت انك ستتعفن هنا طويلا، و لن ترى غير سراب الصحراء،سراب من شدة عطشك تحسبه ماءا، فهل يروي السراب العطش..؟ أيها المهووس بالحلم البعيد كفاك حلما، يلتفت إليه ويرد بهدوء:
-أنت تجهل سر الصحراء..تعلّم ياصديقي كيف تعشق وجه الأرض السمراء،ارض تعلمك عدم الانحناء،تعلمك أن تموت واقفا كالأشجار.لوعشت يوما واحدا بين مرابع خيام البدو الجميلة،وافترشت الرمال الدافئة،وتدثرت بمصابيح السماء وضوء القمر.لعرفت سر ارتباطي بها…يقاطعه بالمرارة ذاتها:
-كفاك حلما..أنسيت انك مرمي في جب غياهب مظلمة، منسية.وأنك وراء أبواب مقفلة وحراس قساة،لاتحلم كثيرا.قد تدفن تحت إسفلت هذا القبو في غفلة النسيان..لن يذكرك احد،وتداس كحشرة تحت أقدام قذرة..حتى الأحبة قد لا يتذكروك في غفلة الغياب الطويل..
يغضبه كلام صديقه اليائس الغاضب..فيرد:
-دعك من هذا الكلام.” تفاءل بالخير تجده”..يقاطعه قائلا:
-الخير..أي خير تنتظر..؟ طال الغياب وابتلعنا النسيان وأنت غارق في الأحلام.يشعر بوجع الكلمات،ودمعة حارقة تنسكب على خده دون استئذان، يواري الدمع، يولي وجهه صوب الحائط المتعفن..عله يخفي دموعه.أو عله يتحرر من كلمات رفيق المعاناة ومن رؤية جدار بارد رمادي اللون لم يعرف البياض طريقه إليه يوما.حائط شاهد على معاناة مرت من هنا،دون لمسة حنان أو دمعة مواساة… يهرب بذاكرته من الهواجس،هاجس الموت وحيدا يؤرقه.. يغمض جفنيه عل الصحراء تزوره في المنام كي يطمئن قلبه..ويحلم بصوتها آلات من بعيد،هامسا له..لاتنكسر.
ينام على حلم جميل..تمر الأيام و السنين، لم يفقد الأمل يوما،رغم الم الفقدان…قاوم حرقة الغياب طويلا في انتظار أمل اطل متأخرا صبيحة يوم قائظ.أمل عاد به لأرض الحلم الجميل…يفرح بلقاء الأحبة،يبحث هنا وهناك عن كلمات تائهة في وجوه غابت عنه فجر ضبابي القسمات،يشعر بغربته بين الأحبة،و يرحل بحثا عن ارض الحلم.عن حضن دافئ..بعيدا عن حلكة الأيام الماضية.
تتذكر كلماته الصارخة بوجع الرحيل،تتذكر بوحه ذاك المساء الحزين قائلا:
..أريد أن اصرخ بأعلى صوتي وأسمع صدى الصوت دون خوف من جدران لها أذان..أريد أن افتح صدري العاري لهذا الفضاء..بحثا عن هواء نقي، بعيدا عن رائحة حارس كريه،بعيدا عن إسفلت بارد،وباب موصد.أريد أن أرى الطيور تحلق بعيدا حرة طليقة.واسمع رغاء الإبل في مرابع البدو الرحبة.
فهل يمكنك مرافقتي..؟
تتبدد أحلامها وتنكسر أمالها برحيله.
يرحل،بعيدا،يتيه لأيام وسنين في مناكب الأرض السمراء. بحثا عن وجه لم ير ملامحه إلا حلما،يرحل بعيدا،بعد أن روى دمه المنسكب الأرض التي عشقها دوما،صارخا في وجه الألغام المزروعة بأرض بكر..كفى..كفى..؟











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انت رائعة دائما وقاصة كبيرة
عبد الوهاب المطلبي ( 2009 / 8 / 19 - 12:40 )
الاخت المبدعة القاصة بتول المحجوب.....دائما تكتبين اوجاعنا
تقبلي مروري


2 - شكرا جميلا عبد الوهاب
البتول المحجوب ( 2009 / 8 / 19 - 17:01 )
البهي عبد الوهاب
شكرا جميلا لك
شكرا على كلماتك المشجعة دوما
دمت بالقرب دوما
محبتي

اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل