الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العولمة : المفهوم و الخصائص الجوهرية ، جدل مفتوح ( الجزأ الأول ) .

حميد هيمة

2009 / 8 / 20
العولمة وتطورات العالم المعاصر


على سبيل التفديم :

تشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم ، وليست أيضا وليدة النظام الرأسمالي . وللبرهنة على هذا الطرح، يلاحظ المدافعون عنه: أن العلاقات البشرية، منذ تيسرت سبل وأدوات الاتصال، تميزت بالهيمنة والسيطرة التي تفرضها الأمم القوية على الأمم الضعيفة. فخلال التاريخ القديم ، مثلا ، سيطرت الإمبراطورية الرومانية على العالم القديم (،،، ) . وفرضت قيمها الثقافية على الشعوب الخاضعة في إطار ما يمكن أن نسميه برومنة العالم (،،، ). إن انهيار الإمبراطورية الرومانية في سنة( 476 م )، وبالتالي الاندراج في الحقبة الوسيطية ، بحسب التقويم الأوربي الثلاثي ، التي ستتميز بظهور قوى جديدة في العالم المتوسطي ، نقصد الإمبراطورية العربية المسنودة بالإسلام . والتي ستعمل ، كنظيرتها الرومانية ، على أسلمة العالم ،،، الخ.


تأطير إشكالي :

ما العولمة ؟ وما عولمة الثقافة ؟ وما ثقافة العولمة ؟ وما هي تجليات ثقافة العولمة ؟ وكيف يهدد التيار الجارف للعولمة الهويات الثقافية الوطنية – القطرية و القومية ؟ وحتى لا نكتفي فقط بالبكاء على الأطلال ، نطرح السؤال النضالي : ما هي المداخل الممكنة لمواجهة العولمة ؟ وما مهام القوى الديمقراطية و التقدمية في ذلك ؟ أعتقد أن بناء و بلورة مواقف ممانعة للعولمة ، يجب أن تتأسس/ تنطلق من فهم عميق لأسباب و مراحل تطور النظام الرأسمالي وموقع العولمة في ذلك .

تأطير منهجي :

للإجابة على هذه الأسئلة ، أو على الأقل لتوفير عناصر الإجابة ، سنعمل على مفصلة هذا الموضوع إلى المحاور التالية : 1- شرح المفاهيم المهيكلة للموضوع . 2- تحديد العوامل المساعدة على إنتاج ثقافة العولمة و آليات انتشارها . 3 - رصد تجليات ثقافة العولمة في واقعنا المعيش . 4- مظاهر الاختراق الثقافي ومترتباته....الخ.


1- إضاءات مفهومية : العولمة ، جدل مفتوح .


- في مفهوم العولمة : العولمة في العربية ترجمة لكلمة ( Globalization) في الانجليزية وتقابلها ( Mondalization ) في اللغة الفرنسية .وتعود في أصلها الاشتقاقي العربي إلى كلمة العالم ، كما أننا نجد عدة مرادفات أخرى : الشوملة ، الكوكبة ، العالمية ،،، . ويمكن تركيز كل هذه التعاريف في أن العولمة : تعني تعميم الشيء ليصبح عالميا ، أو نقله من حيز الخصوصية إلى مجال العمومية في مستواها الكوني" . إنها " عملية تحول تستهدف تجاوز وضع الدولة القومية إلى عالم أكثر تداخلا وتفاعلا ترفع فيه كل الحواجز والقيود الوطنية – القومية أمام الحركة الجامحة للرأسمال والسلع والأفكار والثقافات المهيمنة .

انبثقت العولمة في مطلع تسعينيات القرن المنصرم ، بعد تفكك الاتحاد السوفيتي و حالة التذرية التي تعرضت لها الأنظمة التي كانت تدور في فلكه ؛ و التي أفضت إلى انفتاح الأسواق " المغلقة " / الاشتراكيات الديمقراطية / الشعبية و اندماجها في " عالم جديد " تقوده الولايات المتحدة الأمريكية . تميز هذا " العالم الجديد " بالدور المتنامي الذي تلعبه الشركات المتعددة الجنسية / فوق قومية المتربعة على عرش الاقتصاد العالمي ، و المسنودة بالمنظمات الموازية / الداعمة لنظام العولمة : منظمة التجارة العالمية ، المؤسسات المالية الكبرى ( صندوق النقد العالمي – البنك العالمي ،،، الخ .).

إن اقتصار تعريف العولمة على و جهها الاقتصادي يخفي أبعادها الشمولية الأخرى . فإذا كانت العولمة ، في المجال الاقتصادي ، تعني عولمة – تداخل الأسواق و هيمنة الشركات العابرة للأوطان على ثروات و خيرات الشعوب المقهورة ؛ فإنها على المستوى الجغرافي ، تعني تقليص الزمن و المسافات و المكان ( قرية صغيرة ). وعلى الصعيد الثقافي ، تسييد الثقافة الغربية على العالم في شكل غزو / استعمار ثقافي يفضي إلى تنميط القيم الإنسانية ، و قولبتها وفق الثقافة الرأسمالية الغربية .

لكن ، يطرح سؤال جوهري بهذا الصدد : كيف تطورت العولمة إلى الآن وبهذا الشكل ؟ نعتقد أن المنهج التاريخي ، يمكن أن يسعفنا في ضبط التمرحلات الكبرى للعولمة .

تشير بعض الدراسات التاريخية إلى أن العولمة ليست وليدة اليوم ، وليست أيضا وليدة النظام الرأسمالي . وللبرهنة على هذا الطرح، يلاحظ المدافعون عنه: أن العلاقات البشرية، منذ تيسرت سبل وأدوات الاتصال، تميزت بالهيمنة والسيطرة التي تفرضها الأمم القوية على الأمم الضعيفة. فخلال التاريخ القديم ، مثلا ، سيطرت الإمبراطورية الرومانية على العالم القديم . وتعددت جوانب هذه السيطرة، فعلى المستوى السياسي أخضعت الإمبراطورية الرومانية شعوب كثيرة وفرضت عليها قوانينها،،، الخ. كما سيطرت على خيرات الشعوب المحتلة ونهبت ثرواتها . بل وفرضت قيمها الثقافية على الشعوب الخاضعة في إطار ما يمكن أن نسميه برومنة العالم . ولم تخل هذه المرحلة من أشكال المقاومة والممانعة لمشروع رومنة العالم القديم الخاضع لسلطة روما . إن انهيار الإمبراطورية الرومانية في سنة 476م ، وبالتالي الاندراج في الحقبة الوسيطية ، بحسب التقويم الأوربي الثلاثي ، التي ستتميز بظهور قوى جديدة في العالم المتوسطي ، نقصد الإمبراطورية العربية المسنودة بالإسلام . والتي ستعمل ، كنظيرتها الرومانية ، على أسلمة العالم ،،، الخ.

و ترتيبا على ما سبق فإن العولمة " المعاصرة "، من الناحية التاريخية ، نظام اقتصادي وثقافي وسياسي ، ظهر في تسعينيات القرن المنصرم ؛ بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1992 وانبثاق النظام العالمي الجديد . الذي يتسم بسيادة- هيمنة القطب الغربي على العالم وعلى مقدراته من لدن دول الثالوث العالمي تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية المنتشية بانتصارها على التجربة الاشتراكية المحققة كما مثلثها البيروقراطية السوفياتية . وإذا كان " لينين" قد توفق في الإمساك بالمفاصل والخصائص الكبرى التي طبعت النظام الرأسمالي خلال نهاية ق 19م ومطلع ق20م ؛ نقصد ظاهرة الإمبريالية ، فإن تنبؤاته ، في شأن اعتبار الامبريالية أعلى مراحل تطور الرأسمالية ، لم تعد تستوعب تفاصيل تطور النظام الرأسمالي في ظل النظام العالمي الجديد. وقد حاول العديد من المفكرين، على أرضية التحليل الماركسي المتجدد، إعادة استخلاص السمات المميزة للمرحلة الآنية للنظام الرأسمالي .

الخصائص الجوهرية المميزة للعولمة :

في هذا الإطار يمكن استحضار خلاصات منظري اليسار في شأن تحليل الخصائص التي تطبع ظاهرة العولمة : فقد أفرد منظرو اليسار العولمة بخمسة خصائص . حيث تتميز ، حسب فالح عبد الجبار كنموذج لهذا التيار، بخصائص بنيوية جديدة ، على الأصعدة الاقتصادية ، والسياسية ، والتنظيمية ، والاجتماعية ، والثقافية : إن الخاصية الأولى للاقتصاد المعولم أنه يقع خارج نطاق تحكم الدولة القومية ، وتستبد بقيادته الشركات المتعددة الجنسية- فوق قومية ؛ التي تفرض سطوتها ليس فقط في المجال الاقتصادي فحسب ، بل يتجاوز ذلك إلى المجالات الأخرى كما سنبين ذلك لاحقا.

أما الخاصية الثانية ، أي الوجه السياسي في العولمة ، فتتحدد في تزايد السطوة الإدارية للنخب التكنوقراطية على حساب النخب السياسية ، التي لم يعد بوسعها التحكم في الاقتصاد المعولم .“ وهذا الوضع يطرح على بساط البحث قيمة ومعنى الانتخاب ...والتغيير، في إطار النظام السياسي – الحقوقي الحالي ؟ فهل وظيفة النخب السياسية ، في هكذا وضع ، شرعنة أهداف ومخططات النخب التكنوقراطية الدولية ؟ إذا كان الجواب – نعم ، فإننا نتساءل عن مظاهر السيادة الوطنية ، التي انفلتت قيادتها إلى يد الإمبراطوريات الاقتصادية – الشركات المتعددة الجنسية.

وتتميز الخاصية الثالثة للعولمة ، أي الجانب الثقافي ، بالفرض القسري للثقافة الاستهلاكية الغربية على العالم . بفعل حركة السوق ، أو بفعل ثورة المعلوميات والاتصال . ويترتب عن هذا الهجوم الثقافي نزعات احتجاجية اتخذت منحى نكوصي / انغلاقي كما هو الحال بالنسبة للأصولية الدينية –الإسلاموية ؛ كنزعة هوياتية للخاسرين ، لأنها تفتقد لبرنامج واضح ، أو * تجتهد * للتلفيق بين تحديات الحاضر والنماذج الماضوية المحكومة بشروطها التاريخية و الحضارية و الجغرافية التي أفرزتها .

إن العولمة ، ضمن المنظور التاريخي دائما ، هي عملية تاريخية ونتاج تراكم طويل في إطار النظام الرأسمالي . إنها الحلقة الأعلى من حلقات تطور الرأسمالية ذاتها ، وبأنها صيرورة من صيرورات إعادة إنتاج النظام الرأسمالي على صورة عولمة إنتاجية : العولمة ، حسب جلال العظم ، هي وصول نمط الإنتاج الرأسمالي ...إلى نقطة الانتقال من عالمية التبادل والتوزيع والسوق والتجارة والتداول ، إلى دائرة عالمية الإنتاج وإعادة الإنتاج .

بعد أن سلطنا الضوء ، بشكل موجز ، عن مفهوم العولمة و عوامل انبثاقها و خواصها الجوهرية ، سننتقل في المحور الموالي لمقاربة الجدل المطروح في شأن التحديات التي تطرحها العولمة على البشرية : فهل العولمة تتيح إمكانيات جماعية للبشرية في العيش الكريم و الأمن و السلام ؟ أم أن العولمة ، باعتبارها حلقة من حلقات تطور النظام الرأسمالي ، لا تعني إلا عولمة / تعميم الحروب و أللاستقرار و الجوع و الأمراض و الفقر ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الأخ حميد هيمة
محمد ( 2009 / 8 / 19 - 21:52 )
في بداية القرن السابق كان لينين قد قال بأن الإمبريالية التي خصها بعديد الخصائص (تعويض الاحتكار للمنافسة الحرة، تعويض تصدير البضائع بتصدير رؤوس الأموال..الخ)هي أعلى المراحل التي تمر بها الرأسمالية، لكن التجربة التاريخية أثبتت خطل هذه النظرية. وأنت تقول اليوم أن العولمة هي -الحلقة الأعلى من حلقات تطور الرأسمالية- فما هي هذه الحلقات؟ وهل تندرج الامبريالية ضمن هذه الحلقات؟ واذا كان الأمر كذلك أفلا يوقعنا هذا في تناقض بين المرحلة العليا للرأسمالية (الامبريالية) والحلقة الأعلى منها (العولمة)؟
أما بالنسبة لمفهوم العولمة الذي نقلته عن صادق جلال العظم والذي مفاده أن العولمة هي -الانتفال من عالمية التبادل.. والسوق والتجارة..الى دائرة عالمية الانتاج واعادة الانتاج-فهو يفترض عصرا مرت به الرأسمالية كانت فيه التجارة والتبادل عالميين بينما عملية الانتاج واعادة الانتاج قطرية، وهذا أولا يتناقض مع واقع أن نمط التبادل يفترض نمط الانتاج، فاذا وصل نمط التبادل الى صيغته العالمية ونشوء السوق العالمية فان الانتاج لا يمكن أن يكون متوجها الا لهذه السوق العالمية وانطلاقا من نمط التبادل العالمي وبالتالي فهو انتاج ذو طابع عالمي برغم أنه يقع على المستوى القطري، وثانيا فهو يتناقض مع الواقع التاريخي نفسه، اذ أن

اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل