الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيران: الثورة الخفية تواصل تحولاتها المجتمعية

ماجد الشيخ

2009 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تحت الجمر عادة يسكن الرماد، فيما الرماد دائما يتحرّق شوقا لاشتعال الجمر. ورماد الثورة التي اغتالها نظام الأوتوقراطية الدينية وصادرها، وأقصى صانعيها وأصحاب المصلحة في الاحتفاظ بنقائها، وبتسييد شرعيتها الشعبية والمجتمعية، مقدمة للانتقال نحو بناء الدولة المدنية. بين ثنايا هذا الرماد تكمن اليوم نذر التماعات تتحرّق للتحول إلى جمر ثورة تنتمي إلى الحداثة الجديدة، بكل ما تختزنه طاقات الإيرانيين من توق للتحرر من نظام استعبادي، أقام مداميكه السلطوية على قاعدة عصمة مدعاة، شأنه شأن أي نظام توتاليتاري بصبغة ثيوقراطية.

وأزمة النظام القائم في إيران، وكما بدأت بالتكشّف في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هي أزمة شرعيته تحديدا التي باتت على المحك، بعد أن أودت التداعيات المتواصلة إلى فقدانه هيبته، بفقدان هيبة مرجعيته الأولى أمام أبنائه أولا، أبناء "نظام الثورة" الذي تحول إلى مركز لأوليغارشية حاكمة، تحلم باستعادة أمجاد الإمبراطورية القديمة. وهنا بالتحديد تكمن شوفينية هذا النظام الذي يغطي شعاراته بالتلطي أو اللعب على قضايا إسلاموية وقوموية، وقضايا عولمية أوسع. بينما اعتادت ثلة المتطرفين والمتعصبين من الشوفينيين العرب تغطية عجزها وفشلها بالتلطي خلف شعارات لفظية، اعتادت استثمارها عبر اللعب على قضايا الآخرين، ومحاولة مدها بالديمومة والاستمرارية، حتى ولو لم تكن تلك القضايا والذين يتبنونها من أنظمة شعبوية، عادلة دائما، خاصة إزاء شعوب تعاني مرارات القمع والإرهاب والاستبداد السلطوي المتنزل من فوق، من لدن أنظمة شمولية تحتكم إلى القمع والإرهاب والترهيب سبيلا لحسم صراعاتها على الهيمنة طلبا للشرعية، شرعية باتت تفتقد لمؤسسات متماسكة وموحدة، بل هي في تهالكها تقارب أن تنحلّ إلى روابط بدائية بين قلة القلة، أو نخبة النخبة التي أنزلتها أزمة النظام – الانتخابية - الأخيرة من عليائها إلى حضيض افتقادها احتضان الغالبية من جمهور، بات على وقع الأزمة الطاحنة، أكثر اصطداما بدنيوية ما اعتقد وما حاولوا ترسيخه في أذهانه على أنه إلهي!.

إن القول بتجديد شباب الثورة يجانبه الصواب، فالشباب الذي يطلق نفير ثورته السياسية – الاجتماعية اليوم، وحتى في الغد، ليس هو ذاته شباب الثورة المجهضة التي جرى سرقتها في وضح النهار من أصحابها الحقيقيين، حين استولى عليها "معممو البازار" الذين كونوا سلطتهم على حساب الثورة وعلى حساب شبابها، أولئك الذين فوجئوا ببيعهم في بازار ودهاليز السياسة التوتاليتارية والتجارة الدينوية. أما الثورة التي تتجدد اليوم فهي ثورة الشباب الذي قمعته "الثورة" ونظامها، وأقصته تماما عن مراكز صنع القرار، وذوت بأحلامه وطموحاته إلى حضيض المنافي، وتريد قولبته مجددا في قوالب النظام وولاية الفقيه، وتقديس عصمته وولايته الاستبدادية على الأمة، كما وعلى الدولة، إلى ما شاء هوى النظام التوتاليتاري بطبعته الدينية.

لقد انطلقت شرارة ما يمكن تسميته "ثورة في الثورة" وعلى نظامها، وهذا يعني أن "الثورة الخفية" المجتمعية وهي تواصل تحولاتها في قلب المجتمع، إنما هي تستمر اليوم بقوة دفع ثورة الحداثة، بكل ما تعنيه من استخدام وتوظيف طاقات وقوى وتقنيات، يصعب أن لم نقل يستحيل ضبطها فضلا عن قمعها. فالشرارة الإيرانية (المجتمعية الشبابية والنسائية) ليست ربيبة النظام ولا "ثورته" الشائخة ، ولو تمظهرت اليوم في الشارع، كون من هم في مقدمة صفوفها يحسبون على النظام، إنما من يقف في طليعتها، الطليعة الفعلية لها هم فتية وفتيات الغد، الذين يجسدون شباب الثورة التي تتكون نذرها وإرهاصاتها على وقع حراكهم العفوي الآخذ بالانتظام يوما بعد يوم، وعبر التأسيس لقابليات تغيير داخلية تحاول أن تتفادى الحرب الأهلية، أو إمكانية جعلها خيارا أهليا أو شعبيا، فيما هي قد تكون خيار النظام وأهله في سياق الدفاع عن سلطتهم "المقدسة".!

ولئن هبط ويهبط الآن سقف النظام ومرجعياته الفقهية والمعرفية، فلأن نظاما حتى ولو كان "أعلى" أو نتاجا لما هو "مقدس"، كما يتجلى في الذهن الديني، لا يمكنه الاستمرار كذلك، فالدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، الغائبة أو المغيّبة من فروض ولاة الأمر في إيران الإسلاموية، آن لها أن تطالب بحقها في حيازة شرعيتها، ذلك أن الشرعية القديمة المتهالكة التي توشك على الغروب، لا بد لها من أن تحاول التشبث بأهداب وأهداف الماضي، لترسيخ أهداف لها في الحاضر، وهي إذ احتاجت إلى أدلوجات الصراع مع "الشيطان الأكبر" وخاضت في سبيل ذلك حروبا وهمية وفعلية معه، ومع شياطين أخرى أصغر في الداخل وفي الخارج، تأمل أن يقدم لها النزوع القوموي والملف النووي اليوم، سلاحها الأكثر أدلجة لمتابعة خوض حروبها الشوفينية والدينية مع الخارج، والطبقية في الداخل، لمجرد الاحتفاظ بهيمنتها وبقايا تمظهرات شرعية، بدأ التنازع عليها، حتى داخل أروقة النظام الذي لم يعد موحدا في مطلق الأحوال، وحتى أنه لم يعد وحيدا في ادعاء امتلاكه الشرعية.

حيازة الشرعية في إيران ما بعد انتخابات الاصطفافات الجديدة، باتت أعقد من أي وقت مضى، فالحيازة التوتاليتارية من قبل الأوليغارشية المتحكمة بهيمنتها على كامل مفاصل السلطة، لم تعد كالسابق تحوزها امتلاكا لها، على ما هو حال أي نظام مستقر لجهة تحقيقه سيطرته القمعية أو "الرضائية" على السلطة. صارت الشرعية محل تنازع ومغالبة هيمنية بين قوى تشيخ، وقوى يرهص ميلادها عن نشوء ثورة جديدة، تستعيد القوى المجتمعية الأكثر شبابا وفتوة، بل وتستأنف مسيرة ثورة انقطعت بها السبل في منتصف طريق سدته القوى الدينية منذ 30 عاما، حابسة في قمقم نزوعها الإقصائي تغييرا طال انتظاره، وربما حان وقت انطلاقه نحو الفضاء الإيراني الأوسع، الأكثر توقا بشيبه وشبانه ونسائه وأطفاله للخروج من نسق نظام غيبي، إلى رحاب دولة ديمقراطية مدنية حديثة، تروم التغيير والحرية من أجل استئناف مسيرة ومسار التقدم إلى الأمام.

إيران اليوم أكثر احتياجا إلى إنتاج بنية دولة مدنية تحكمها مؤسسات ديمقراطية/ شعبية، بعد أن فشل النظام الحالي وسلطته الثيوقراطية وعلى الرغم من احتكامه إلى بضع أنماط تحديثية، لم يستطع إخفاء عيوبه السلفية الطاغية، حتى وهو يحاول استخدام بعض منتجات الحداثة، لترسيخ شرعيته التي يعرف أكثر من غيره، أنها وفي أعقاب الأزمة الحالية باتت من الماضي الذي لا يمكن أن يتكرر بهدوء.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الملكية وولاية الفقيه وجهان لعملة واحده مع الفارق البسيط!!!
باحث عن الحقيقه ( 2009 / 8 / 20 - 09:07 )
الملكية دكتاتورية بفرمان ديني اذ لا يجوز الخروج على الحاكم وانكان ظالم اطعه وان جلد ظهرك وهتك عرضك وفي الوغت ذاته يتبجح اصحاب هذا الفكر بان الاسلام انقدهم من العبوديه فهل هنك عبوديه اكبر من هذه العبودية؟؟؟.اما ولاية الفقيه ففهي ايضا دكتاتوريه بفرمان ديني الا ان المعصومية هي الضامن باعتبار عن الفقيه ممثل الامام المعصوم فلا بد ان يتحلى بصفاة حميده وان استبد برايه. فهي ايضا عبوديه. متى تتخلص الشيعة والسنة من هذه الفخاخ التي نصبت لهم ويجعلون صناديق الاقتراع هي القيصل والحكم.

اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ