الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراقييون و كلاب لندن

محمد جهاد

2004 / 5 / 16
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كانت امسية صيفية عادية لوالدي رحمه الله الذي احببت فيه البساطة وعدم التدخل في مسيرة حياتنا الخاصة ولكننا كنا نبصر ونستفهم عن كل ما يقولون وما يفعلون ثم نوزنها فنحللها ونستنتج منها الاشياء وبعد كل هذا وذاك نفعل ما يحلو لنا. هذه هي المعادلة رغم وجود بعض الضوابط و الموروثات الاخلاقية التي رغم هشاشتها ومحاولاتنا الشذوذ عنها كانت الاطار العام لحدود الرؤية لنا. تم الترحيب به لا لانه الجيل الاول المتبقي بل لانه النسيب والموظف الكبير في وزارة العدل التي كنت اجهل علاقتها بالعدل و تحقيق المساواة في لوائحها. لم يكن غريباً ان يبحثوا عن احجار الدومينو القاسم المشترك للباحثين عن قتل الفراغ الفكري والاخلاقي في بداية الستينات من القرن المنصرم. كنت منشغلاً في البحث عن ديدان الارض في حديقة دارنا التي احتضنتهم والتي كنت احب اصطيادها معتقدا بأنها احدى فصائل الحشرات الضارة ولم يخطر ببالي انها كانت اكثر نفعا للوطن من اغلب زعماء الامة الذين كانوا يعلنون الحرب على الاستعمار و يساندون علناً حركات التحرر الوطني. كنت قد تصرفت باحدى احجار الدومينو لا خبثا بل لكي اجعل لقاء القادة من كبار المعارف مجدية اكثر من اصوات لطمها على اسطح المناضد دون ان افهم مبررها. تحدثوا في كل شيء حتى وصل الحديث منتهاه بعد العشاء الدسم وهي ذكريات زيارة الوالد لعاصمة الضباب والمجد آنذاك لندن مدينة الاحلام. توقف بحثي عن الديدان لا لأنني لم افلح في اصطيادها ولكن الديدان التي كانت في داخلي لسماع رأي احد كبار موظفي وزارة العدل عن هذه المدينة الوهمية اكبر من نظيراتها في ارض حديقة الدار. لم اخفي ارتيابي بكرشه الكبير والذي كان رمزا للسلطة والوجاهة في ذلك العصر ألا انه استفاد منه في ان يريح اصابعه العشرة مضمومة لبعضها فوق تلتها تاركا صلعة رأسه تعكس ضوء مصابيح الحديقة لتساعدني في البحث عن ديدان الارض. ترك العنان لابهاميه في حركة هستيرية ترسم دوائراً متداخلة في اتجاهاتٍ متوافقة وكأنه يقول نعم نعم للحياة هناك وهو يستمع لتفاصيل الحياة في لندن مدينة الاحلام. خلط الموظف الكبيرالضرورة الشعرية بالضرورة التأريخية بعد ان التقيا ابهاميه المتحركان وجها لوجه ثم دفع احدهما الاخر بعد ذلك رفع اصابعه العشرة الملتحمة من اعلى كرشه حتى بلغا منتصف المسافة المتبقية من جذعه في تعبيرعن توصله لنظرية جديدة. تنهد قليلا كأن الهواء احتبس في صدره ولم تسعفه رائحة الهيل المنبعثة من الشاي القسري في اعقاب العشاء الدسم ثم قال "لو ان الله خلقني كلباً في لندن لكان افضل من ان يخلقني انسان في العراق" ثم سكت.
لك الله يا عراق لم يكن لموظف الدولة الكبير في تلك الايام اية مشاكل مالية او اخلاقية عندما قالها وصمت. ترى ما كان سيقوله لو بقي حياً بعد القادسية الثانية وام المعالف أو ام الخواصم وفضائح سجون المحررين وتحليلات النخبة والمثقفين ازاءها . لك الله يا عراق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السفينة -بيليم- حاملة الشعلة الأولمبية تقترب من شواطئ مرسيلي


.. بوتين يأمر بإجراء مناورات نووية ردا على احتمال إرسال -جنود م




.. السيارات الكهربائية : حرب تجارية بين الصين و أوروبا.. لكن هل


.. ماذا رشح عن اجتماع رئيسة المفوضية الأوروبية مع الرئيسين الصي




.. جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و