الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقات العولمة / الحداثة/ الاصالة

ثائر سالم

2009 / 8 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


المجتمعات العربية والعولمة

طرقت العولمة ابواب معظم امم واقوام العالم ، وباتت منجزا معاشا، يوميا في معظم مدنه وقراه. في اكثرها واقلها، صلة بالمدنية والعصر. الا ان الطبيعة الانانية والمتناقضة للعولمة الراسمالية ساهت في تشوه مضمونها الخدمي ، وكانت له تجلياته في ابعد البقاع . لقد حولت ثورة الاتصالات والمعلومات، حقا العالم الحديث والكبير، الى قرية عصرية صغيرة، ليس فقط بوسائط الاتصال والنقل السريعة والحديثة بل وبوصول المنتجات بسرعة الى مختلف المناطق .
ودون انكار الاثر الايجابي ، لاختراق هذه الاصقاع المعزولة وربطها بدرجة ما بحياة العصر، الا ان وصول منتجات خدمية مثل الموبايل الى قرى نائية، قبل ان تتكون حوامله البيئيه الاجتماعية والاقتصاية والحاضنة، وتتوفر مستلزمات الحياة اللائقة والكريمة ، بيتا ومدرسة، ومستوصفا ، قي الانسان قهر الطبيعة والجهل والمرض، هو احد الشواهد على هذا الطابع المشوه والمتناقض للعولمة.

ان دخول هذه المجتمعات عصر العولمة..لا يتحقق كنمط ثقافة وسلوك استهلاكي ، وتفكير تبعي ، وعلاقة غير متوازنة بالاخر، وانما كنمط ثقافة وسلوك يقوم على وفرة شروط اجتماعية (اقتصادية وسياسية وثقافية ). وهي شروط لا يمكن توفيرها بعلاقة الاستيراد والتلقي والتبعية والارتباط بمصالح الغير واولويالته.
ان مقومات هذه الثقافة لا تتشكل فقط في سياق علاقات العلم والعمل والانتاج ، في اطاره العالمي، ولكن لابد لها من ركائز وروافع محلية ، تمنح النموذج القدرة على احتمال/ احتواء آثار تقلبات مصالح البلدان والاسواق والسياسات. وتربط تطور المجتمع، وتحسن انماط الحياة والسلوك والتفكير، بتغير انماط وعلاقات الاقتصاد والعلم والعمل.
رهان الحداثة هذا ...تعثر في الدول العربية، مرات عدة ، بين تقدم وتراجع. فهو رهان قديم .. تباين ليس فقط تبعا لاختلاف الظروف الاقتصادية والموضوعية، وانما بدرجة كبيرة بخطل سياسات ورؤى القوى الحاكمة والقوى الاجتماعية ونخبتها التي تصدت لمشروع الحداثة(وفقا لطبيعة انظمتها الاجتماعية). ان الخصائص العامة التي تتوحد حولها الانظمة الاجتماعية والسياسية، تبقى اقوى تاثيرا من خصائصها المحلية ، في تقرير ماتتفارق به مشاريع الحداثة العربية والتركية والايرانية والماليزية .

اذن الفارق لا يعود بالاساس الى اختلاف الثقافات القومية. وقد ينعكس هذا الاختلاف في، آلية عمل ونضج النظام السياسي، وبعض التقاليد التي ظلت مقبولة او مطلوبة من انظمة مختلفة. فاختلاف المذاهب والاديان ، والمسار التاريخي لقراءات تلك الاختلافات ، له تاثيره الكبير على الحياة الثقافية والتقاليد الديموقراطية وآلية الحكم وادارة الصراعات . لاحظ الفوارق بين النموذج التركي والسعودي ، الايراني واللبناني والسوري ، الاردني وزالمغربي ، او الماليزي والتونسي . في حين يمكن ان تجد تشابها اكبر بين العراق وايران بذات القدر الذي مع النماذج الخليجية،ولكن بزوايا نظر مختلفة.

الاصالة والحداثة... مفهوم /منتوج تاريخي. اي ان علاقة الموازنة بينهما ، ايضا علاقة مشروطة بزمنها وظروفها . ولكن في كل الاحوال ، يجب ان يبقى الانحياز لاستيفاء شروط الحداثة، كضرورة تتقدم على اعتبارات الاصالة. فضرورة الاصالة ، لا تتجلى قيمتها الا بعلاقتها بضرورة الحداثة. اي يفترض انها نابعة من ضرورة استيفاء شروط الحداثة وليس العكس.اي ان على الموروث التاريخي / القيم " الاصيلة" ان يتكيف وفقا لمتطلبات الحداثة، كي يكتسب مشروعيته/ منطقيته التاريخية.

الانحيازلاولوية استيفاء شروط المعاصرة والحداثة، هو خيار الانحياز لاولوية الحاضر والمستقبل. وتلك قراءة مشدودة للرهان على المستقبل ، دون ان تعني القطيعة المطلقة مع ماهو مطلوب في الحاضر او المستقبل. اما الانحيازلاولوية اعتبارات الماضي/ الاصالة...على حساب معطيات وضرورات الحاضر او التضحية بها ، فهي قراءة رجعية او سلفية، باي لون تلبست، ..بوصفها دعوة للعودة والرجوع الى الماضي. علميا لايمكن للارادة الفردية او الرغبة الجماعية ان تحقق تغييرا دون انضاج مقدماته التاريخية
وهنا يواجهنا منهجان :الاول : يقوم على افتراض ان وعي الناس هو الذي يحدد مصائرهم وتقدم مجتمعاتهم. الثاني: يقوم على ان ظروف حياة الناس هي التي ترسم معالم وعيهم وثقافتهم. حتى الان تخبطت كل محاولات التحديث العربية، في قراءة هذا الفارق وترددت في حسم خيارها ..هذا التخبط كان ناجما غالبا عن الاخفاق في خلق هذه الظروف الملائمة ( الاجتماعية والفكرية والسياسية ). نظام سياسي يتبنى بقوة مشروع الحداثة . تحولات اجتماعية تلمس مزاياها القوى المضطهدة(بفتح الهاء) .محاصرة وتهميش دور القوى الرجعية، ومساحات حركتها وادوارها .
غياب الحامل الاجتماعي المؤهل ...الاحزاب والتيارت والقوى الاجتماعية ،...وهشاشة الطبقة الوسطى، ومثقفيها قادة عملية التحول هذه ، هو احدد اسباب تكرارفشل المحاولات. لهذا كان الرهان على اقامة علاقة التوازن (المفترضة ) بين الحداثة والموروث ، لم يكن رهانا تقدميا مستقرا . فالاصول الاجتماعية لهؤلاء المثقفين لم يندر ان كانت ريفية او اقطاعية ، اصول غير مدينية بشكل عام . لهذا هي من قادت قراءة توفيقية منحازة لاصولها الاجتماعية الرجعية .
وتجلى ذلك واضحا في تجارب القومييين العرب والاكراد ، من عبد الناصر والاسد الى جلال طالباني ومسعود برزاني . والامر ذاته يمكن الاستدلال عليه في كل دول الخليج . والفارق واضح بينها وبين قراءة الحداثة ، المصرية والتونسية.
الموقف من المراة . يكتسب هذا الامر اهمية استثنائية ، في مجتمعات الثقافة العربية الاسلامية. هنا بالذات تجلت ولازالت اكبر المآسي والاخفاقات. وهي في الحقيقة اخفاقات هذه النخبة وقيمها الاجتماعية القلقة بالاساس. آثار الطابع الانتقائي لمواقفها من قضية المراة، . كل هذه الاشكالات التي اشرنا لها او التي ستاتي ، تجتمع في هذه المنطقة ، كعينة واضحة على ازمة هذه الثقافة والفئة التي لازلت تعمل عليها . تارة باسم الحفاظ على التراث والتقاليد القومية ، والحشمة الاجتماعية واخرى باسم الاعتبار الديني واحكامه المطلقة القدسية، وتارة باسم العادات الاجتماعية
يتبع












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا