الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في دفتر الزمن

فرات إسبر

2004 / 5 / 16
الادب والفن


"العالم كبير ، ولكنه في داخلنا عميق كالبحر"
رلكه
القراءة الأولى

ولادة كانت بين السهل والجبل ،أم تعثر المخاض بها ، نساء القبيلة ينتظرن خروجي، جسد من الماء والطين جئت ، عندها استيقظت القرى على صوت أمي وكنت دمعتها الثالثة.
من أين جئت أيها الجسد الطيني ؟
أكلَّ الشهوات تنجب أجساداً إلا الورد لا ينجب إلا الزهر !!
وذاك هو المخاض الثاني، تخيلوا لو كان العالم وردًا، تخيلوا لو أن جميع الأجساد تتحول إلى ورود.
ما زلت اذكر بيتنا الأول حيث كانت الشمس تأتي إلينا كل صباح ، تحكي لنا حكايتها عن أبيها الأفق الذي خان أمها وهي في المهد، عندها أقسمت أمها أن تبقيها عارية إلى الأبد ، لم أصعد الجبال ولكني كنت أنام في عمق ألمها، كانت تحكي لي عن انخداع البشر بجبروتها وما تراكم من صخر فوقها لم يكن إلا حزنها الذي تحجر بفعل الزمن .
أمي أخبرتني فيما بعد ، وبعد أن خرجت من رحمها حافية القدمين ، أشعلت نساء القبيلة النار ، غسلوني من أثار حضوري الأول ، وعمدوني بالريحان ، تلك هي العادة في قريتنا الغافية في أحضان البحر ، والتي يقولون عنها إنها كانت تنام في حضن القصب.
تغيرت الأحوال ، جسدي الذي جاء من الماء والطين والرغبات ، قويت قدما ه وعيناه ابتدأتا بالرؤية ، لندخل إذاً في القراءة الثانية .

طفولة تشبه الحلم ، كل ما هو عالق في ذاكرتي وجوه غائمة أتذكرها ، وكنت غير قادرة على قراءتها ، لم يكن غموضاً مني ، ولا ضبابية بها ، كان فرق الزمن ، لم أتعلم قراء ة الناس في كتاب الحياة كما تعلمتها في مدرستي الأولى، كنت أحكي لأمي بعض ما أقرأ في طريقي إلى المدرسة ،كانت تقول لي الغابات واسعة والبشر مثلهم، ولكني أنا اليوم لست مثلها ، ما بيني وبينها مختلف،نحن وجهان لحواء، هي سمكة وأنا طائر، وما بيننا الغموض غابات نتيه بها ولكن أبداً لن أعود إلى رحمها ، وهي أبداً لن تلدني ثانية.
أنا أحب أبي أكثر من أمي وهي تعلم ، لا أدري لماذا عليّ أن أعيد ترتيب ما بيني وبينها ، أعطتني بعض من فضائها ولكني كنت بفضائي أوسع، فضائي لم يكن له جدران ، من وضع القواعد ؟
أنا دوما َ كنت أجيد كسر الأشياء وهي كانت تعلم ذلك.
العالم رائع بما فيه من مخلوقات ،رائع بفراغه اللامحدود في الأفق ، وفيما وراء الأفق ، في السماوات ، رائع بأرواح البشر الغامضة، الواضحة، المعقدة والتي أنا واحدة منهم ، عقدي ليست مني اكتسبتها بالوراثة رغم فضائي الواسع .
سأشعل ناري ، شئ ما قد تغيرّ في جسدي ، علي أن أخرج منه لقد ضاق بي ، لندخل في القراءة الثالثة.
امرأة تفتح أزرار ثوبها ، وترمي بنفسها في حضن البحر، لم يلامس جسدها ، قرأ لها الشعر حتى نامت ، وفي الصباح صنع لها باقة من الندى وودعها إلى مينائه على أمل أن يلقاه غداً .
طعم البحر وعذوبة الحب متعادلتان، وكان الشاطئ أسير أقدام عشاقه، يرقبهم في حسرة وغيرة من السهول ، كل يوم ينام على ألمه ولا يوقظه إلا وقع أقدام.
كنت لا أحب التعبير ، والوضوح ليس له عندي من معنى، وأنا كنت مثل كل البشر أحب وأكره ، ولكن كان من الصعب أن أسامح ، أنا المرأة التي تركض دائماً بخوف ولا تتفوه بكلمة،وأنا كلما تعبت أرجع إلى البقع المهجورة في أعماقي ، حيث لا شجر هناك ولا غطاء، جسد في داخل جسد لا أحد يبصره ألا أنا.
كانوا يقولون في الفلسفة أهم ضرورات المعرفة ( معرفة النفس) ولكن ماذا عن معرفة الجسد، هذا الكائن الذي له قدمين ، وللقدمين طريق أمامهما، والطريق يقود إلى غاية ، ولكني حتى الآن لم أخرج من بيت جسدي وما زالت المعرفة تبحث عني لتقول لي كل منا في طريق .
في حضرة الألم ، حضرت ، سلمته نفسي ، قال لي: هات ما عندك ، كيف ابتدأت ؟ كيف انتهيت ؟ ومن أنت ؟
أنا امرأة ، تلبسني الألوان فصولها، تأتي إليّ في خمول الجسد، تعريني في خريفها ،وتكسوني في ربيعها،وفي شتائها أذوب مع ثلجها.
ابتدأت قصتي معها في ربيع اللون ، أضاءت رحمي ، أنجبت في صيفها الثمار، وبعدها في مصيدة العمر سقطت .
ها هو جسدي يعلن موته ،يدخل في خريف الألوان ويعلن استقالته من ربيع الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا