الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق الجديد يجرب كل الحلول الخاطئة قبل الحل الصحيح

عبد الرحمن دارا سليمان

2009 / 8 / 24
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كشفت أحداث الأربعاء الدامي في بغداد، الحجم المهول للاختراقات الموجودة في صفوف الأجهزة الأمنية والحكومية والسياسية، كما عكست أيضا، حجم التسيب وانعدام الشعور بالمسؤولية عن أرواح المواطنين الأبرياء، وخصوصا أنه لم يكن غريبا ولا مفاجئا تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية بعد الانسحاب الأمريكي من داخل المدن العراقية، والتي سبق وأن حذرت منها الكثير من الأوساط السياسية والعسكرية والإعلامية المختلفة، خلال الشهرين الأخيرين .

فبدلا من زيادة الحيطة والحذر وتعزيز القوات الأمنية والعمل على سد الفراغ الناشئ ، سارعت الدولة إلى إزالة الحواجز الإسمنتية في خطوة هي أقرب للتفاؤل والاستعراض السياسي منها إلى الأجراء المدروس، ولأسباب كثيرة أخرى، ليس من بينها السبب الأمني بكل تأكيد ، ثم بدأ الجهد الرسمي بعدها، متفرغا ومنصبا في جوهره على التحضير للتحالفات وللاختبار الانتخابي الحاسم في مطلع العام المقبل .

المفاجئة الوحيدة هي في السهولة والحرية التي كانت شاحنات الموت المحملة بأطنان المتفجرات، تسرح وتمرح فيها وسط شوارع العاصمة العراقية المليئة بالمئات من نقاط التفتيش والسيطرات، وهي في طريقها نحو أهدافها المرسومة بدقة متناهية ، وكذلك في كمية المعلومات السرية التي في حوزة الإرهابيين عن تحركات المسئولين العراقيين وإمكانية تواجدهم في هذا المكان أو ذاك، لحظة التنفيذ .

ولا شك أن تلك العملية الإرهابية لم تكن ذات هدف واحد فقط، وإنما كانت ذات أهداف متعددة قريبة وبعيدة في آن واحد . ولعل أفصح تلك الأهداف هو إعادة إثبات الوجود الفاعل والقوي لتلك الجماعات، وإمكانيتها على الضرب في العمق وليس فقط في الأطراف ، وإعادة تفعيل دورها في الساحة العراقية كعنصر هام من عناصر الضغط السياسي الداخلي والإقليمي، ضمن الصراع المحتدم على تشكيل ورسم صورة العراق ومستقبله .

ومهما تكن الجهة التي تقف ورائها ، فالهدف الأكبر من تلك العملية الجبانة ، هو في تهيئة الأجواء السياسية لعودة الأصطفافات الطائفية بالصورة التي كانت عليها في عام 2005 حين جرت الانتخابات التشريعية الأولى ، بعد أن شهدت الأعوام الأخيرة خروجا واضحا عن تلك التحالفات العائمة والفضفاضة في التعبير والتمثيل السياسي ،وباتت تقترب وان بصورة متواضعة ، من التمثيل الوطني والهوية الجامعة .

وكما لا يمكن مواجهة هذه المخططات التي تحصد أرواح المواطنين في دورة مستمرة ومغلقة من الدماء والنيران والمفخخات، وتسعى إلى تدمير مؤسسات الدولة الوليدة وزرع اليأس والتذمر والاستياء والفوضى والتخريب، وبالتالي المزيد من المناكفة السياسية وكيل الاتهامات المتبادلة لهذه الجهة المسئولة أو تلك، عن أسباب التقصير، رغم ضرورة وأهمية التحقيق والتقصي عن تلك الأسباب ومن يقف ورائها والكشف عن نتائجها أمام الرأي العام المحلي والدولي معا ، إلا أن ذلك كله لا يرتقي إلى مستوى الفعل السياسي القادر والمتحكم بوجهة الأحداث ومساراتها، ولكنه سيبقى في نهاية المطاف، مجرد ردود أفعال متخبطة وآنية تسعى إلى التهدئة وامتصاص الضربات، أكثر من كونها معالجة سليمة وجذرية لمواجهة هذا العبث الإجرامي بالمصائر والأرواح والممتلكات .

إذ لا معنى ولا أهمية أن ننتظر حصول الكوارث، لكي نعقد الاجتماعات حولها، ونشكل اللجان الجديدة بعدها، ونعيد تقييم الخطط الأمنية، ونحاسب الصغار من المسئولين ، ثم يعاد إطلاق سراحهم بعد حين، في صفقة محاصصة سياسية جديدة، لتستمر المحنة وتستمر دورة العذاب والدمار والعبث، هكذا بلا نهاية .

إن الإرهاب لا يتسلل عبر الحدود كاللصوص والمهربين فحسب ، وإنما أصبح له اليوم آذانا وعيونا وحاضنات داخلية مهمة، وسياسيين ونوابا في البرلمان، وأحزابا وجمعيات مدنية وعشائر ومقاولين ورجال أعمال ومؤسسات وصحفا وفضائيات كثيرة، تحاصر الإنسان العراقي الأعزل من كل مكان واتجاه، كما أنه يتسلل من الرشوة ومن الفساد الإداري والمالي المدعوم سياسيا ، ومن الأنانية السياسية والحزبية، ومن السعي إلى الاحتكار والتغاضي عن الأستحققات الدستورية والمماطلة والتسويف والتحايل حولها، ومن التمسك والتشبث بالمنصب الرسمي رغم الفشل وعدم الجدارة ، ومن أئمة الجوامع الذين أعادوا محاكم التفتيش عن الضمير ، ومن امتيازات القوانين التي لا تطبق إلا على الموالين لهذا الحزب أو ذاك ، ومن الثقافة الإنسانية المنحسرة التي تمهد للانغلاق والعنف وقتل المخالفين ، ومن التربية التي لا تنتج سوى الملالي والمرددين الذين أصبحت لهم الكلمة العليا فيما لا يفهمون في مجالات الاقتصاد والسياسة وإدارة شؤون الدولة، ومن التجارة الحلال بأيدي أولاد الحرام، ومن إيرادات النفط المهربة وغير المهربة، وأموال إعادة الأعمار التي لم نر ولم نلمس ولم نسمع شيئا عنها ، سوى أسماء المختلسين بالمليارات من قوت هذا الشعب البائس ، ومن السفارات التي أصبحت مرتعا للجهلة والأفاقين والانتهازيين وأنصاف الرجال ومحجبات عصر العولمة ، ومن برلمان نصفه نائم ونصفه الآخر يضحك على النائمين .

فمن حق الإنسان العراقي أن يتساءل هذا اليوم : هل كان هؤلاء المعارضين فعلا، من حملة مشروع الحرية والنضال والكفاح الطويل ضد النظام الدكتاتوري الدموي الذي جثم على صدورهم طيلة عقود ؟ وهل كان صراعهم مع الدكتاتور يدور حول الصورة والشكل والإطار أم حول الجوهر والعمق والمضمون ؟ .

إن تعريض حياة الناس للموت والهلاك والخطر الدائم ، سواء كان عن طريق السجون والتعذيب والحروب العبثية ، أم كان عن طريق الإهمال والنفي والتهميش ، ليس له إلا معنى واحدا في الحالتين معا، وهو : انعدام الشعور بالمسؤولية .

وهذا الانعدام إن حصل وتوفر في أفضل المدنيات الراقية ، فهو كفيل بتدميرها عن بكرة أبيها ، فكيف بموطن للعلل والخلافات والمخططات المحيطة بها، كالعراق المنكود ؟ .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف