الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطور التاريخي لحلويات رمضان ( الكنافة والقطايف )وأخواتها

ناصر اسماعيل جربوع

2009 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



للشعوب الإسلامية رونقها الخاص وجمال وبيان وبديع حتى فى مناسباتها ، وتعتبر مظاهر الاحتفال الشعبية في هذه المناسبات نموذجا يحتذي به من نماذج النسق القيم ، التي عملت على متانة النسيج الاجتماعي فى المجتمعات الإسلامية والعربية ، ومن الأمور المطمئنة ومن دواعي الابتهاج أن جزءا من هذه المناسبات والحمد لله لم يندثر ، سبق وأشرنا في شهر رمضان السابق حلقات عن تطور فكرة المسحراتي و فوانيس رمضان واليوم نكمل حلقاتنا التراثية عن حلويات رمضان 0 لكل مناسبة من المناسبات العربية نوع معين من الطعام يرتبط بتلك المناسبة ، وفي رمضان يرتبط الناس بالكنافة والقطايف وكافة أصناف الحلويات الشرقية ،فقد كشفت بعض الدراسات الحديثة أن السعادة مرتبطة بنوعية الطعام الذي نتناوله. ويرى‏ الباحثون أن تناول نوعيات من الأطعمة يساعد علي استرجاع بعض الذكريات الجميلة ويحقق الشعور بالسعادة والراحة النفسية، وقد تتعلق هذه الذكريات الجميلة بمرحلة الطفولة أو بمنزل الأسرة أو بمناسبة مبهجة في فترة زمنية مضت كانت ممتلئة بالسعادة والسرور‏,‏ أو ببعض الأحبة الأهل والأصدقاء‏،‏ الذين كانوا يشتركون في إعداد وتقديم وتناول هذه الأطعمة ، وهذا بالفعل ما يشعر به المواطن المسلم و العربي في رمضان خاصة بعد أن يؤدي عباداته على أكمل وجه ،ولعل ذلك يفسر مدى ارتباط الشعوب العربية أيضاً بحلويات رمضان كالكنافة والقطائف في أيام رمضان. وهذه الحلويات ضاربة بجذورها في المجتمعات العربية وخصوصا مصر وبلاد الشام ولها تاريخ طويل يحكي عراقة الأصل 0وكانت الكنافة على سبيل المثال زينة لموائد الملوك والأمراء وأصل تسميتها بالمعنى الحالي يرجع إلى الدولة الفاطمية ، وكان كل إنسان يصبو إليها وهي ألذ ما تتزين به موائد رمضان، لطعمها وفوائدها وطيبتها.من أين أشتق اسم كنافة : الكنافة اسم عربي أصيل وتعنى : الظل، والصون، والحفظ، والستر، والحضن، والحرز، والجانب، والرحمة ، فكنف الله: تعنى حرزه ورحمته

والكنافة من نعم الله، والنعمة رحمة وحرز، ومن أكل الكنافة خف ظله، وعذب منطقه، وكثر بهاؤه، وربا لحمه، وصفا شحمه، وزال سقمه.

وقد بدأت الكنافة طعاماً للخلفاء ، إذ تُشير الروايات إلى أن أول من قُدم له الكنافة هو معاوية بن أبى سفيان زمن ولايته للشام ، كطعام للسحور لتمنع عنه الجوع الذي كان يحس به ، وقد قيل إنها صنعت خصيصاً لمعاوية بن أبي سفيان معاوية، وذهب بعض الرواة إلى أن معاوية صنعها بنفسه فأطلق عليها لقب كنافة معاوية0

واتخذت الكنافة مكانتها بين أنواع الحلوى التي ابتدعها الفاطميون ، ومن لا يأكلها في الأيام العادية ، لابد أن يتناولها خلال رمضان ، وأصبحت بعد ذلك من العادات المرتبطة بشهر رمضان في العصور الأيوبي والمملوكي والتركي والحديث والمعاصر ، باعتبارها طعاماً لكل غنى وفقير مما أكسبها طابعها الشعبي 00

الحواديت الشعبية عن مؤثرات الكنافة الرمضانية على قلوب الأزواج :-

من الحكايات القديمة التي يتداولها الناس ، بأن أحد الرجال غضبت عليه زوجته فغادرت منزله إلى بيت أهلها ، وبقيت فيه شهوراً سعى خلالها المصلحون ففشلوا في إصلاحهما، فدخل شهر رمضان المبارك، وذكر الزوج زوجته وكنافتها وعلمت الزوجة ، وتذكرت حب زوجها لها ولكنافتها فبعثت إليه بصينية كنافة كان تأثيراً أكبر من تأثير المصلحون ، فما كاد الزوج يتلقاها حتى ابتهج وحملها ومضى بها إلى بيت زوجته ليفطر معها، فما كادت تراه مقبلاً حتى هرعت إلى باب البيت تستقبله مع مدفع الإفطار الذي كان قد انطلق في تلك اللحظة فجلسا معاً يتناولا طعام الإفطار في لحظات سعيدة هانئة. لذا ننصح وفي هذه الأيام المباركة لكل متخاصم مع زوجته أن يهديها أو تهديه طبقاً من الكنافة !

وتبدع كل بلد في طريقة صنع الكنافة وحشوها، فأهل الشام يحشونها بالقشطة ، وأهل مكة المكرمة يحشونها جبناً بدون ملح ، وكنافة الجبن المفضلة لديهم على باقي الأنواع، وأهل نابلس برعوا في كنافة الجبن حتى اشتهرت وعرفت بالكنافة النابلسية.

وتبقى بلاد الشام هي الأشهر في صنع الكنافة، فهم برعوا بصناعتها فهناك المبرومة والبللورية والمغشوشة والعشملية والمفروكة، وغير ذلك من الأنواع وهي تحشى بالإضافة للقشطة باللوز والفستق الجوز،وتسقى بعسل النحل والسكر المعقود المضاف إليه ماء الورد

القطايف ومنافسته مع الكنايف : نظرة تاريخة وأدبية :-

أما القطايف ، فهي عرفت في العصر العباسي وفي أواخر العصر الأموي ،وتفيد الآثار أن العرب يتفننون بصناعتها بإعداد فرن صغير مرتفع عن الأرض بحوالي 40 سم خصيصاً لعمل القطايف ، ، ويوضع عليه صينية من حجر الزهر ، كما يُستخدم أيضاً حلة ومصفاة للعجين وكبشة ومقطع (سكينة الحلوانى) لرفع أقراص القطايف بعد تسويتها ،بالإضافة إلى قُمع صغير يوضع فيه العجين السائل. الكنافة والقطايف يتنافسان على مائدة الشعر العربي : -

لقد عرفت القطائف بأن هناك عداوة بينها وبين الكنافة كما ذكر فى الثقافة العربية وبخاصة في الشعر ، حيث تغنى بها شعراء بني أمية ومن جاء بعدهم ومنهم ابن الرومي الذي عُرف بعشقه للكنافة والقطايف ، وسجل جانباً من هذا العشق في أشعاره ، كما تغنى بها أبو الحسين الجزار أحد عشاق الكنافة والقطايف فى الشعر العربي إبان الدولة الأموية وكان مما قاله فيها :-

ومالي أرى وجه الكنافة مُغضباً ولولا رضاها لم أرد رمضانها -تُرى اتهمتني بالقطايف فاغتدت تصُدُ اعتقاداً أن قلبي خانهــا -ومُذ قاطعتني ما سمعت كلامها لأن لساني لم يُخاطب لسانهـا 0000

ولا عجب أن ترد الكنافة والقطا يف في قصائد رواد الشعر العربي أمثال : ابن نباته الشاعر المصري المعروف ، والإمام البوصيرى صاحب البردة ، وأبو الهلال العسكري ، والسراج الوراق ، والمر صفى ، وصلاح الدين الصفدى ، وسيف الدين بن قزل ، وزين القضاة السكندري.. إلى جانب الشعراء والأدباء المصريين في العصر الحديث يبينها الشعر العربي القديم.

ويظهر هذا جلياً في شعر ابن عينين وهو يصور هذا الخصام فيقول:-غدت الكنافة بالقطائف تسخر -وتقول: إني بالفضيلة أجدر -طُويت محاسنها لنشر محاسني -كم بين ما يطوى وآخر ينشر-فحلاوتي تبدو وتلك خفية -وكذا الحلاوة في البوادي أشهر 000

ويقول الشاعر المصري ابن رفاعة نائب الأمير ناصر الدولة في الكنافة:وافي الصيام فوافتنا كنافته -كما تسنمت الكثبان من كثب 00

وكانت الكنافة في ذلك الحين وقفاً على الأغنياء دون الفقراء فهي طعام الملوك والأمراء والأثرياء وعلية القوم، ومن نفاستها وغلاتها وندرتها استهداها الشاعر المصري الجزار من أحد الرجال الأغنياء اسمه شرف الدين فقال:

أيا شرف الدين الذي فيض جوده -براحته قد أخجل الغيث والبحرا -لئن أمحلت أرض الكنافة إنني -لأرجو لها من سحب راحتك القطرا -فعجل بها جوداً فما لي حاجة -سواها نباتاً يثمر الحمد والشكرا 000

وما أكثر ما قيل في الكنافة مدحاً يقول الشاعر:لم أنس ليلات الكنافة قطرها –هو الحلو إلا أنه السحب الفرُّا-تجود على كفي فاهتز فرحة -كما انتفض العصفور بلله القطر00

أبد ع الشعراء في حبهم للحلويات وعبروا عن ذلك في شعرهم الغني بالطرافة وخاصة حين تجتمع القطائف والكنافة على مائدة واحدة يقول الشاعر سعد بن العربي وقد تأتى له ذلك:

وقطائف مقرونة بكنافة --من فوقهن السكر المدرور--هاتيك تطربني بنظم رائق --ويروقني من هذه المنشور --والشاعر أبا الحسن يحيى الجزار الذي كان محباً للكنافة التي قال فيها:ومالي أرى وجه الكنافة مغضباً --ولولا رضاها لم أرد رمضانها --ثم قال داعياً:سقى الله أكناف الكنافة بالقطر --وجاد عليها سكراً دائم الدرِّ 00

المشمشية الرمضانية وقمر الدين وشفاء القلوب ومطفئ للعطش :

المشمشية هى المشمش الجاف وهو نبات شجري مثمر ،في الصيف تنضج الثمار معطية لونا برتقاليا ذهبيا جميلا وتحمل بداخلها بذرة واحدة وتكون البذرة حلوة ويعرف هذا النوع با للوزي وإما مر والذي يعرف بالكلابي وبذور النوع المر سامة ويجب عدم أكلها حيث إنها تحتوي على مادة السيانيد.

وقد عرف المشمش في الصين قبل ميلاد المسيح بألفي عام, وقد زرع في الهند وإيران واليابان ثم انتقل إلى بلدان أخرى مثل أرمينيا ومصر, ولم يدخل المشمش أوروبا إلى بعد ميلاد المسيح ثم انتشرت زراعته في أغلب دول العالم وخاصة الباردة والمعتدلة منها، يزرع على نطاق واسع في منطقة الطائف والمناطق الجنوبية المرتفعة ويعتبر المشمش الأبهادي من أفضل أنواع المشمش.

وقد عرف العرب المشمش واعتبروه من أفضل أشجار الفاكهة وتغنوا بجمال ثمره وأزهاره، وتحدث عنه أطباؤهم وعلماؤهم .. وفيما يلي بعض مما قالوا عنه:

قال الشاعر ابن الرومي في وصفه:قشر من الذهب المصفى حشوه --شهد لذيذ, طعمه للجاني --ظلنا لديه ندير في كأساتنا --خمرا تشعشع كالعقيق القاني --وكأنما الافلاك من طرب بنا --نثرت كواكبها على الأغصان 00

وكان المشمش يستخدم على نطاق كبير في الطب القديم فقد قال عنه ابن سينا: المشمش يسكن العطش, وقال ابن البيطار يسهل الصفراء، يذهب بالبخر من حر المعدة ويبردها تبريدا شديدا، ويلطفها ويقمع الصفراء والدم, وينبغي أن يتجنبه من يعتريه الرياح ومن يسرع إليه الجشاء الحامض، وأما أصحاب المعدة الحارة والعطش فينتفعون به .

ونصح الطبيب ابن جزلة أن يؤكل المشمش والمعدة نقية قبل اخذ الطعام ويتبع مع يانسون.

وقال الحكيم التفليسي : نقيعة المشمش يبرد المعدة ويسهل الطبع ويسكن العطش, ولا ينبغي أكله بعد الطعام.

وقال الأنطاكي : المشمش ينفع من الحكة واللهيب والعطش, وقمر الدين الذي يصنع من عصيره المجفف يمنع الصداع الصفراوي ويقطع شهوة الو حام اذا اخذ مع بذور الرجلة ، ومنه أيضا استخرج العرب مشروب قمر الدين الشعبي ، ويستعمل قمر الدين في شهر رمضان كمشروب شعبي في أغلب الدول العربية ويحضر هذا المشروب بنقع كمية من قمر الدين حسب عدد أفراد الأسرة في إناء لمدة 4 ساعات ثم يحرك مع الماء جيدا ويصفى ثم يقدم باردا ليشرب قبل تناول الفطور ليضيف على المائدة العربية رونقاً وجمالا ولوحة فنية يرسمها العربي بإبداعاته الجمالية ليقدم أجمل حضارة بشقيها المادي والمعنوي ، ورغم بساطة القضايا التي طرحناها إلا أن لها قوة السحر في لم شمل العديد من الأسر العربية ، ونحن في فلسطين لنا أطباعنا الخاصة بالتعامل مع هذه الحلوى ، من حيث اعتبارها قيمة رمزية للتزاور ، كما أنها تجمع الأحباب والأصدقاء بعد صلاة التراويح ويتباهى الرجال والنساء بتقديم أجمل وألذ أنواع القطا يف والحلويات ، وتعج الأسواق الشعبية في الضفة وغزة بصناعة القطا يف الشعبية ،واصطفاف الناس مابين العصر والمغرب في الأسواق الشعبية كل ينتظر دوره للحصول على القطايف لتعتبر عن ظاهرة من أرقى الظواهر الشعبية الاجتماعية ، ولا ننسى في هذا المجال ذكر عصر جدتي التي برعت رغم الهجرة وقلة الموارد بعد نكبة 48 -فالبر غم من المعاناة إلا أن التشبث بالجذور التراثية كانت أقوى من قهر المحتل الغاصب حيث كنا نبحث عن بقايا من معادن السكك الحديد ، وكانت جدتي تنظفها لتسكب عليها معجون القطايف التي كنا نراقبها، وكأنها تتفنن في صنع صاروخ أو طائرة ، والأجمل من كل هذا الخيال هو قصص جدتي المصاحبة لصنع القطايف ، فهل لازلنا نحن إلى مثل هذه الحواديت يا قوم ؟

د – ناصر إسماعيل جربوع

رابطة أهالي يافا في الوطن والمهجر

كاتب باحث ومؤرخ فلسطيني
غزة -البريج - الأول من رمضان – أغسطس 2009











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم