الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق إلى العروبة، شقرة الشعر وزرقة العينين والمدينة الجديدة واللغة الأجنبية المثالية

سعاد درير
كاتبة وشاعرة وناقدة

2009 / 8 / 26
الادب والفن



يبدو أن الإنسان والمكان العربيين قد أصيبا بحمى شديدة قد تطمس معالم الهوية العربية والحضارة العربية وتنال من الخصوصية العربية لهذا الإنسان وهذا المكان، تلك الخصوصية التي بدأت تتسرب شيئا فشيئا إلى الآخر – الغرب، بينما بدأت تتلاشى ههنا بحكم هوس الذات العربية بتقليد الآخر – الغرب في كل أنماط الحياة والعمران، بل في أدق التفاصيل اليومية كذلك انطلاقا من مشروب الكوكاكولا إلى الهامبورغر فما إلى ذلك. من هنا كان طبيعيا أن تسود المكان العربي والمجتمع العربي والإنسان العربي أخطر حمى قد تهدد الخصوصية العربية بالزوال، ألا وهي حمى التحضّر على طراز الحضارة الغربية، وكأن الإنسان العربي بات مسكونا بعقدة الأجنبي حتى الخَبَل.

فالكثير من النساء العربيات على سبيل المثال نسين أو تناسين أن العروبة أبعد ما تكون عن تقليد أعمى قد لا يليق بجلدهن. ولما انساقت المرأة من هؤلاء مع أحدث صيحات الموضة وتقليعات الشَّعر الغربية، بدأت تفقد خصوصيتها تدريجيا، تلك الخصوصية التي لطالما تغنّى بها الشعراء العرب منذ عصور تليدة، واتخذوها مقياسا لجمال المرأة العربية الأصيلة. لكن مادامت ثمة رغبة جامحة في التقليد الأعمى تباركها وسائل الإعلام، وفي مقدمتها الفضائيات، فقد حسمت المرأة العربية أمرها في شأن الطريق إلى الجمال كما تُقعِّد له المرأة الغربية.

ولذلك بتنا نُفاجَأ بفواصل إشهارية تعمد إلى مكننة المرأة العربية وتقديمها في صورة آلة يجري عليها ما يجري على السلعة المعروضة. وسرعان ما تعوّدنا على فواصل الإشهار هذه، وسرعان ما ابتلعت الطّعمَ المرأةُ العربية القابعة في بيتها حين بدا لها أن مواصفات الجمال الحقيقي – السائد – أبعد ما تكون عنها، إلى درجة أنها تشك بين الفينة والأخرى في أمر أنوثتها حين تثبت لها الصورة الإشهارية – المصحوبة بصورة ناطقة لامرأة تتصبب إثارة – أنها لا تمتّ إلى عالم الأنوثة والجمال بصلة.

ومن ثم طفق الكثير من النساء العربيات يُُفَصِّلن النظرة والابتسامة على مقاس اللباس المفتوح على العالم، وباتت أصباغ الوجه والشَّعر إجراءات روتينية لابد منها قبل أن تفكر هذه المرأة في قطع خطوة واحدة خارج البيت، ناهيك عن استخدام العدسات اللاصقة الزرقاء اقتداء بزرقة عيون نجمات ونجوم هوليود الذين تمثل الزرقة اللون الطبيعي لعيونهم. هذا إلى جانب تغيير الشعر المستعار- كما يتمّ تغيير لون اللباس – للظهور بمظهر جديد على الدوام.

والمثير للضحك والسخرية في آن هو أن ثمة من تفضحها سمرتها الحادة التي لا تليق بها زرقة العدسات اللاصقة، أو يفضحها لون جلدها الذي يستحيل أن يتوافق مع صفرة الشعر الفاقعة، لكنها تصر على التزين على غرار ما تفعل قريناتها الضليعات في فن التجميل، وفي ذهنها فكرة راسخة تقنعها بأنها ستبدو قبيحة ما لم تتقيد بصفرة الشَّعر وزرقة العينين. لكنها تنسى بالتأكيد أنها تزداد قبحا حين تحاول تغيير جلدها، وأن أهل الاختصاص في التجميل على اختلاف تخصصاتهم لو اتحدوا جميعا لن يكونوا في مستوى إبداع المولى جلّ شأنه الذي صوَّرها أحسن تصوير كفيل بتحقيق الانسجام، وأنه جلّ وعلا خصّ كل عرق بصورة ولون.

وهكذا وجدنا الأوروبيين مثلا يتوفرون على شعر أشقر وعيون زرقاء ليس من باب الاستعارة وإنما هي خلقتهم كذلك. كما وجدنا الأفارقة يعتزّون أيما اعتزاز بسواد بشرتهم وشعرهم المجعد. بل إن ثمة من قبائل إفريقيا من تشترط – كمقياس للجمال – أن تكون المرأة سوداء البشرة كالفحم، وأن تكون صلعاء كذلك. صحيح أن العين العربية أو الأوروبية قد تتقزّز من رؤية امرأة بهذه المواصفات الإفريقية، ولكن ما العيب إذا كانت هذه العشيرة أو تلك التي توجد فيها هذه المرأة السوداء الصلعاء وجودا نادرا تفخر بإناث على هذه الشاكلة!

ولذلك كان يجدر بالمرأة العربية أيضا أن تعتز بسواد عينيها وشعرها وسمرة بشرتها إلى حد معقول، وألاّ تنجرف مع ريح الحداثة التي قد تصدق على زمان ومكان غير عربيين بالمرة. لكن إذا كانت ثمة عينة من الإناث العربيات اللواتي يمتلكن طبيعيا شعرا أصفر أو بنيا وعيونا زرقاء وخضراء، فلا بأس طالما أنها خلقة الله، وهو وحده من ارتضاها لهذه العربية أو تلك.

كما يحدث أحيانا أن نجد امرأة سوداء ضمن سكان أمريكا أو ما إلى ذلك، لأن هذه المسألة تعود أساسا إلى اختلاط زواج الأجداد. وإذا كنا نُسلِّم مثلا بأن السود هم سكان إفريقيا الأصليون، فإن هذا لا يمنع بالمرة من أن يكون أحد هؤلاء السود قد رحل إلى أمريكا أو أوروبا وتزاوج هناك. ويقال الشيء نفسه عن الأوروبيين والأمريكيين الأوائل الذين قطعوا الطريق إلى إفريقيا وأقاموا فيها وتزاوجوا مع إناثها السوداوات. وهذا ما يُفسِّر وجود الإنسان الأبيض حاليا في إفريقيا، ويُفسِّر بالمثل وجود السود في أمريكا وأوروبا وما إلى ذلك.

ومن مظاهر فقدان الخصوصية العربية ما يحدث من تغريب على مستوى الهندسة المعمارية في عدد من المدن العربية. ولهذا فإن الانطباع الأول الذي يأخذه الغريب عن المدينة العربية هو أنه قد وضع قدميه على رصيف مدينة غربية، إذ كل ما في عدد من المدن العربية من مَبَانٍ ينطق بالغربة، ذلك بأنها هي المباني نفسها التي تطالعنا في بعض العواصم الغربية. وحتى المنازل التي تُبْنَى حديثا بدأت تميل في هندستها إلى نموذج العمران الغربي على مستوى داخل وخارج البيت معا.

وربما يعود هذا في أساسه إلى تأثر السيدات العربيات - اللواتي يقعن في غواية هذا الطراز الهندسي ويرتضينه لبيوتهن – بالهندسة المعمارية الغربية التي تصلنا مصورة على صفحات مجلات ديكور البيت وطرق تأثيثه. وحين يتشبع الذوق النسوي بمواصفات غربية فإن النتيجة هي فساد الذوق العربي، ذلك بأن البيت الذي تريده هذه المرأة أو تلك يخضع أساسا لهذه المواصفات والمقاييس الدخيلة. ومؤكد أن هذه المواصفات بعيدة كل البعد عن الطراز العمراني العربي القديم الذي شكل قمة الأصالة والإبداع.

وربما هذا ما دفع الشاعر سعدي يوسف – هو الذي جال عددا من المدن والعواصم الغربية والعربية – حين حلّ ضيفا على برنامج "مشارف" الذي تبثه التلفزة المغربية إلى التأسف على ما آل إليه العمران العربي من تقليد لنظيره الغربي حدّ محو الخصوصية والحدود الفاصلة. وهو ما جعله يتوق عند زيارته للمغرب مؤخرا إلى المدن القديمة التي مازالت تحتفظ بعبق العروبة والأصالة ببيوتها القصيرة ودروبها المفضية إلى دروب تتشعب داخلها الدروب، وأبوابها العريضة المقوّسة، وما إلى ذلك. وهو النموذج العمراني الذي يؤكد من جهته أن العروبة مازالت بخير ما لم تلفظ أنفاسها على إثر المد الجارف للنسق العمراني الغربي.

والحق أن هذه المظاهر من الأصالة العربية تستحق أن يعتز بها العربي كل الاعتزاز مادام الإنسان الغربي نفسه بدأ يحرص مؤخرا على تشييد مَبَانٍ تراهن على بعث الحياة في نماذج العمران العربية الأصيلة التي إما تمّ تبديلها بنماذج غربية وإما نال منها التهميش وعدم العناية في غياب خطوة عملية تُذكَر على طريق ترميمها. ونستثني من ذلك بعض القصور العربية القديمة – كما في مدينة مراكش المغربية – التي يستثمر فيها الأجانب، وذلك بترميمها وإعادة تهيئتها لتُتَّخذ فنادقَ وإقاماتٍ مؤقتة للسواح الأجانب. ونتمنى أن يكون الاستثمار القادم بهذا النحو عربيا مئة بالمئة.

وقد سمعنا مؤخرا عن أجانب يقطعون في بلدانهم الأصلية (الغربية) خطوات عملية على طريق إحياء نموذج العمران العربي وبناء قصور ثمة على شاكلة القصور العربية بزخارفها وعمارتها. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الإعجاب الكبير بالعمارة والزخرفة العربيتين اللتين بدأ العربي نفسه يفتقدهما في أرضه. وهي كذلك دعوة لمن يهمهم الأمر إلى العناية بهذا العمران الذي يعكس الوجه الـمُشرِّف للحضارة العربية.

ومن جهة أخرى، فإن على الإنسان العربي ألا يتجاهل هذه العلامات التي تؤرخ لازدهار العمارة العربية وشموخ الإنسان العربي الذي أصبحنا نرى له نموذجا يؤسف عليه كل الأسف، وهو النموذج الذي لا يقدّر هويته ولا حضارته ولا أي شيء يمتّ إلى العروبة بصلة وكأن العروبة في حد ذاتها لا تشرفه. وهذا ما يبدو واضحا من تعامل هذا العربي مع لغته التي يفضل عليها لغة أخرى تبدو له مثالية حتى في التعاملات اليومية البعيدة عن مجال العمل.

فحتى عندما يريد هذا العربي أن يبوح بحبه لمن تسكن شغاف قلبه، فإنه يتفادى التعبير عن عاطفته الملتهبة بكلمات عربية (دارجة) وكأن هذه اللغة العربية لا تفي بالمراد. ولذلك يسارع العربي – أو العربية – إلى التعبير بكلمات أجنبية عن حرارة حمى حبّ عربي يقيم بين ضلوع ذات عربية بمواصفات اللحظة العربية وشروط المكان العربي، وكأن اللغة الأجنبية وحدها تنجح في نقل الشحنة العاطفية من ذات إلى أخرى.

ولهذا تكثر وتشيع بين المتحابّين عبارات فرنسية من عيّنة:
"Je t aime", "Tu me manques", "Je m attache à toi", "Je t attends", "je me suis promis de t avouer mon amour", "Ne me quitte pas"…
وكأن اللغة الأم عاجزة عن تحقيق التغيير نفسه الذي تحدثه كلمة حب واحدة في حياة الأنثى العربية.

وإلى جانب الاتكاء على القاموس العاطفي الفرنسي، تلجأ الذات العربية إلى الاستفادة من خدمات اللغة الأجنبية الثانية (الانجليزية)، وكأن هذه الانجليزية تُضَخِّم حجم مفردات الحبّ وتُعمِّق مفعولها وتضفي عليها رونقا وبهاء لا يليقان بالعربية. ولهذا تشيع عبارات الحب الانجليزية ، وفي مقدمتها:
"I love you", "Don t leave me", "believe me", "I can t leave you"…

والغريب في الأمر والمثير أكثر هو أن فئة عظمى من الشباب العربي والكهول أيضا يميلون إلى استخدام اللغة الأجنبية في التعبير عن الحبّ مع أنهم لا يفقهون اللغة الأجنبية أصلا، لا اللغة الأولى منها ولا الثانية. ولكنهم تعوّدوا على سماع مثل هذه العبارات التي تم انتقاؤها بعناية بالغة، فتدرّبوا على التلفظ بها شفويا أو كتابتها على شكل رسالة هاتفية قصيرة sms أو حتى عبر البريد الالكتروني، رغم أن نطق مثل هذه العبارات عند غير الـمُلِمِّين باللغات الأجنبية يأتي مشوّها ومحرّفا. ويقال الشيء نفسه عن كتابة هذه العبارات، إذ غالبا ما يستعين كاتبها – الذي يظل حظه من التعليم العربي أصلا متواضعا– بابن الجار أو بقريب أو صديق متعلم ليمليها له أو يكتبها له، بل قد يستأنس بكتب فن كتابة الرسائل باللغتين العربية والأجنبية ليُرصِّع قاموس الحب ويُطرّزه.

والأغرب من ذلك أن العربي المتواضع التعليم أو الأمِّي بالأحرى تعتصره عقدة النقص والغيرة من الآخر الأجنبي، فيحاول رغم جهله أن يُقلِّد الآخر بكل تفاصيله الصغيرة، وأول طريق إلى الاستنساخ المشوَّه لهذا الغربي هو تقليد لغته. ولهذا تسود بين الفئات الأمية مفردات هجينة تذهب بشموخ العربية الأصيلة وتُفقِد المفردة الأجنبية ألقها وبهاءها وحرارة مائها، وهو ما يُسِيء أصلا إلى العربي وإلى العربية التي يعتز بها العربي الأصيل أيما اعتزاز.

والحقيقة أن الإنسان الغربي نفسه يتوق إلى تعلم هذه العربية، ويتوق أكثر إلى عدم إخفاقه في نطق العربية بحرارة مائها ودمائها. ولا نستغرب إن وجدنا في مجتمعاتنا نماذج كثيرة لهذا الإنسان الغربي – ذكرا كان أم أنثى – الذي يقطع البحار والجبال ليقيم في فناء المكان العربي ويستحم تحت شلال ماء لغته العذب. وما أكثر نماذج الأجانب الذين يتزوجون من العرب ويسعدون بتعلم لغتهم والإقامة في بيوتهم القديمة، وهي اللغة نفسها التي يخجل الكثير من العرب من استعمالها وتداولها في مجتمع الآخر – الغرب أو حتى في مجتمعه العربي في حالة ما إذا كان مقيما في ديار الغربة، وهي البيوت نفسها التي يخجل الكثير من العرب من التلبس بالظهور فيها وجها لوجه أمام الآخر الغربي أو العربي الـمُغَرَّب.

ولا غرابة أن تطالعنا القناة المغربية الثانية 2M مؤخرا بنموذج لأجنبي اختار أن يقيم في المكان العربي "الـمَغرِب" ويمارس الغناء باللهجة المغربية مسحورا بموسيقانا ومعتزا بالحروف العربية التي تندلق بين شفتيه وهي تنضحنا بعبق الأصالة، ومعتزا كذلك بالزي المغربي الجهوي الأصيل الذي يغلف جسده ورأسه، علما بأن الكثير من العرب يخجلون من الظهور بالأزياء العربية علنا كلما تملصوا من حدود قبائلهم، فما بالك أن يظهروا بالأزياء نفسها في فضائيات أجنبية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث