الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجربة اليسار الايراني مع الاكليروس ، دروس لا غنى عنها لليسار الاشتراكي العراقي

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2009 / 8 / 25
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


الثورة الاشتراكية هي الحل لا الترميم .......
وسائل الإعلام الغربية غطت بكل خبث ودناءة على حقيقة كل القوى المعارضة لاستبداد ولاية الفقيه في إيران، و ألقت على القوى الساعية للتغيير والثورة والإتيان بنظام اشتراكي مساواتي في إيران ظلالا ثقيلة من التعتيم. وبدلا من ذلك صورت للعالم انه لا وجود لقوى معارضة اشتراكية وتقدمية ، سوى ما دأبت تطلق عليهم بالإصلاحيين الدينيين والإسلام المعتدل والعصري. فهذه القوى الدينية التي تسمى بالإصلاحية لها تاريخ طويل في إيران منذ الثورة الدستورية المعروفة بالمشروطة. وهي قامت بتحريفها عن أهدافها التقدمية في إرساء مجتمع متمدن حديث، وبالتالي إجهاضها، ودعم قيام الملكية المطلقة.


إن ما حدث في إيران عام 1979 ، وما نتج عن فشل الحركة الديمقراطية و التحررية ، و ما أعقبه من استلام الاكليروس و على رأسهم آية الله الراحل الخميني للسلطة والحكم في إيران بدلا عن الشاه لا يزال لغزا عصيا على الكثيرين.
بينما لو القينا نظرة عابرة على تاريخ المجتمع الإيراني ، وما انتابه من مد وجزر ، لاكتشفنا أن رجال الدين شكلوا دوما عراقيل أمام تطور المجتمع ونموه ، و كانوا سدا منيعا أمام رياح الأفكار الحديثة والتقدمية التي هبت على الجماهير الإيرانية المتلهفة لمعرفة تفاصيل الأحداث و التغيرات التي كانت تعصف بالعالم والتي كانت تبحث عن نهج جديد للحياة و أساليب معيشة متطورة ورغيد.

وقد ضحى كثيرون من رجال العلم والفكر والسياسة التقدمية والنزعات التقدمية بالغالي والنفيس في هذا السبيل وتعرضوا إلى إرهاب ديني اسود. وقد صدرت فتاوي من رجال الدين وآيات عظام في قتل أصحاب الرأي الآخر، و الفكر الحديث. وهذه مسالة أخرى ومرتبطة بتاريخ الإسلام العام، وبحاجة إلى تفصيل يتعذر هنا معالجتها في هذا المقال.
وفي تاريخ إيران المعاصر أيضا لعب و يلعب رجال الدين دورا رجعيا كبيرا في التطورات السياسية والاجتماعية للبلاد، ما يثبط أي مسعى في محاولة إدراك التغيرات السلبية في التطورات السياسية و الاجتماعية بدون التصدي لهذه الظاهرة.
واليوم يسعى بعضهم جاهدين لإنقاذ الإسلام والنظام الحاكم في إيران وتبرئته من الأوضاع المأساوية وجرائمه بحق الإنسانية، ويحاولون تصوير جرائم النظام أخطاء و انحرافا عن خط الإمام والإسلام والفكر الشيعي، أو اتهام قادة معينين ، مثل الخميني . ومن المعروف ، أن المسالة كانت ولا تزال ابعد من شخصية الخميني و خامنئي و رفسنجاني وغيرهم ، لان أفكارهم مستلهمة من إيديولوجية خلت من مفاهيم الإنسان والإنسانية والديمقراطية والتقدم والعدل والمساواة.
و لم يكونوا لوحدهم مستغلين التحجر والتخلف الاجتماعي الذي يشكل الدين بلا شك احد مسبباته الأساسية في سبيل توجيه مسير التحولات و المنعطفات الاجتماعية والاجتماعية والسياسية لصالح الطبقة الرأسمالية التي يمثلونها أبشع تمثيل.
وكلما تهيأت الظروف الموضوعية والذاتية للجماهير الكادحة للقيام بحركات في سبيل تحولات اجتماعية وسياسية
كانت القوى السياسية التي يقودها رجال الدين بالمرصاد لها ، مواجهينها بكل إمكانياتهم لعرقلة تحقيق أهداف الجماهير المنشودة في تحقيق مجتمع مدني يضمن حقوق المواطن الديمقراطية والانسانية.

فإبان الحركات الأربع السياسية الاجتماعية الابرز في القرن التاسع عشر والعشرين في إيران ، أي حركة التبغ 1890 حركة المشروطة 1909- 1906 وحركة تأميم النفط 1951 وأخيرا الثورة الشعبية ضد حكم الشاه محمد رضا البهلوي عام 1979كان دور الدين و رجاله حاسما ومصيريا في تحريف كل هذه الحركات الجماهيرية و إجهاضها.
لذلك يمكن فهم رسالة أغلب رجال الدين الشيعي السياسي و آيات لله و أئمة الجمعة الذين دخلوا معترك السياسة بأنها اقتصرت بشكل رئيسي على ضرورة حفظ النظام الحاكم ، فتركوا أثارا مخربة على المجتمع ، و عرقلوا بناء أسس مجتمع مدني حديث. ويذكر تاريخ إيران بأنهم في فترة تحالفوا مع الإقطاع و الخانات ضد الحركة التقدمية الجماهيرية ، و
في فترة أخرى تحولوا إلى مرتزقة في خدمة الاستعمار والامبريالية وهكذا حتى تم أخيرا تسليم السلطة الرأسمالية في إيران إليهم ، إذ لم يتزحزح رجال الدين في كل هذه المراحل قيد أنملة عن لعب دورهم الحقيقي ورسالتهم الرجعية المقدسة التي اخلصوا لها . إن المهمة الرئيسية والرسالة الأقدس للاكليروس كانت دوما هي المحافظة على نظام القمع والاستغلال الطبقي ومواجهة حركات التحرر و الديمقراطية للعمال والكادحين.
الدين السياسي ورجاله كانوا أداة بيد القوى الرجعية والاستبداد ، إذ شكلوا بعد اجهاض ثورة 1979 ظاهرة رجعية معادية ظلامية للتحرر والتقدم وحقوق المرأة و الشباب .

كانوا عبارة عن خلاصة الرجعية المضادة لحركة التاريخ الإنساني ، المتميزة بسمات التوحش والبربرية ما قبل التاريخية . وقد كشف الراحل الخميني عن كل مكنون الاكليروس الرجعي في كتابيه الحكومة الإسلامية ولاية الفقيه.
ثمة مثقفين و كتاب انتهازيين وقادة سياسيين ، يدعون أنهم شاهدوا صورته منقوشة في القمر و على شكل ملاك أو كما صوروه ممثلا للشرف و عدم المساومة للأمة الإيرانية ، وحقق إرادتها.
التيارات السياسية الدينية مثل مجاهدي خلق و القوميون الشيعة ، والوطنيون الشوفينيون رغم أنهم يتظاهرون بأنهم يختلفون عن نظام الجمهورية الإسلامية الحاكم إلا أنهم يشتركون مع النظام في أرضية فكرية واحدة.
يستفيد النظام الحاكم من هذه التيارات التي شاءت أم أبت باتت توفر له أرضية واسعة للمناورة و تضليل الجماهير في سبيل إطالة عمر الاستبداد والدكتاتورية. إن بعض القوى المعارضة البرجوازية تطلق على التقائها مع أجنحة النظام الحاكم
تكتيكات، ولكن مثل هذه التكتيكات يستثمرها النظام الحاكم لتحريف احتجاجات الجماهير ومطالبيهم وبذلك يتم تجميع القوى المخالفة في حلقات ضعيفة يسهل على النظام تفتيتها.
القوى الانتهازية أطلقت في فترة ما على رفسنجاني اسم قائد للبناء، وعلى الرئيس الأسبق محمد خاتمي مهندس المجتمع المدني واليوم تحول موسوي ذي الماضي الدموي إلى " اليندي إيران" . في كل الأحوال، ففي سبيل إزالة تأثير الدين السلبي على المجتمع تتحتم ضرورة تغيير جذري في كل مناحي ومستويات المجتمع و لا يتم هذا بالإصلاح والترميمات و التغيير الفوقي بل يتم عن طريق ثورة اجتماعية سياسية ثقافية ، ترسي أسس مجتمع حديث يضمن كل الحريات والحقوق والمساواة للمواطن.
ولقد أدركت الحركات الاجتماعية في إيران وخاصة العمال والطلبة و النساء والشباب هذه الحقيقة إدراكا جيدا،
مثلا الحركة الطلابية في العام الماضي رفعت شعارات راديكالية وطالبت بتغيير كل النظام.و الانتفاضة الشعبية اثر الانتخابات الأخيرة، رفع شيوعيون شعارات اشتراكية تهاجم كل أجنحة النظام الايراني الحاكم. فهذه التجارب النضالية
أضافت زخما كبيرا للحركة الثورية الاشتراكية و أغنت تجربة الجماهير وزادت من وعيها و أعطتها دروسا وعبرا غاية في الأهمية.
عندما يدخل جيل جديد معترك النضال سوف يخرج أغنى بتجارب ، سواء سلبية، أم ايجابية، يمكن أن يستفيد منها ، والجيل الذي يليه ، في نضالاته مستقبلا.
وإن من مهام الطليعة السياسية العمالية ادراك قانون هذه التجارب والمعادلات التي تتحكم بها ، و تحويلها إلى ممارسة اجتماعية في النضال الطبقي بوجه النظام الحاكم. فإن
أي تغيير فوقي ، حسب ما اثبت التاريخ، لن يكفل تحقيق أهداف الجماهير في الديمقراطية و حقوقها ، إذ يجب أن تنبثق حركة سياسية طبقية من الأسفل ، أي من الجماهير العريضة ، و من قلب المجتمع، أي من صلب جماهير الكادحين في مراكز الإنتاج في الجامعات و المعاهد و المثقفين الثوريين والتقدميين كقوة تتحدى النظام الحاكم، وترسم آفاق المستقبل في معمعان النضال ضد النظام الرأسمالي.
في الظروف الحالية في المجتمع الإيراني بات مستحيلا الخلاص من نظام الجمهورية الإسلامية بدون التخلص من سلطات الدين والاكليروس. الدين والاكليروس عنصران أساسيان لبقاء النظام الجمهوري الإسلامي وان إنتاجهما وإعادة إنتاجهما من ضرورات المحافظة على مصالح الطبقة الحاكمة التي تلتقي مع مصالح الامبريالية اقتصاديا وسياسيا .

التجربة النضالية الايرانية دروس غنية لليسار الاشتراكي العراقي ، لا بد أن يستفيد منها في كفاحه للتحرر من الاحتلال و سلطات عصاباته الحاكمة في العراق. تجربة القوى اليسارية التقليدية في ايران مع الاكليروس منذ مئة عام ، أي منذ الثورة الدستورية الى يومنا ، ليست ملكا للايرانيين فحسب، بل هي ملائمة لنا أيضا لتناظر القوى الدينية في البلدين، وتماهيها مع بعضها.

2009-07-16
يمكن الاستفادة من مراجع مهمة، منها:
تاريخ ايران .. من تأليف بير نيا
تاريخ اجتماعي ايران من تاليف بيرداوود








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دقيق و لكن
عماد علي ( 2009 / 8 / 24 - 20:05 )
قرات ما كتبت يا الاخ العزيز بتمعن و ما اريد قوله بعيدا عن مناقشة المكتوب هو ما نحتاج اليه اليوم و هو اتباع التكتيك المطلوب لضمان الاستراتيجية و الا فان الراسمالية مدت ايديها الاخطبوطية الى عمق جميع الانظمة و ما محسوب على الاسلام السياسي بجميع انواعه و لكن ما نحس به من قريب ان تاثيرات اليسار و للاسف خفيفة على ارض الواقع على الرغم مما تعرف عنه انت اكثر مني ما قدمته اليسارية من الدروس للجميع و منهم نحن ، و الابتعاد عن التطرف سيفيدنا اكثر على ارض الواقع لنتقدم خطوة خطوة مع اعتزازي عماد


2 - تحياتي
لمى محمد ( 2009 / 8 / 25 - 01:17 )
شكرا لك على تقديم خلاصة لاكثر من كتاب في سطور
تحياتي اليك سيد الليلك


3 - حول التجربة
بو اياد ( 2009 / 8 / 25 - 04:16 )
انني لم افهم من مقالتك اين التجربة لليسار و خاصة في ايامنا هذا و اين كان نقاط الضعف في الحركة الأشتراكية في ايران حتى الأنسان الأشتراكي يتجنبه. الذيلية لحركة الأسلام السياسي و التوهم بذالك الحركة كان واحد من التجارب و في الحقيقة كان تحالف اليسار التقليدي مع الأسلام السياسي هو عين التجربةو لكن اهم من هذا ان اليسارين و الأشتراكيين كانوا يعانون من مشاكل اعمق و اوسع في ايران و خاصة في الثورة الايرانية في 1979 و كان عدم وجود حزب سياسي شيوعي ثوري و يرسم استراتيجته بشكل واضح للوصول الى الأشتراكية كان اهم نقطة في ذالك التحربة. و لكن السيد كشكولي مقالاته قريبة الى الشيوعية العمالية و لكن في هذا المقال استنتاجه من هذا التجربة يتجه الى -تحقيق أهداف الجماهير في الديمقراطية و حقوقها - و في الحقيقة التي نحن نحتاجة اليه هو كيف نصل الى الأشتراكية و ليس الديموقراطية جماهير عيراق تلذذوا الديموقراطية بكل تلاوينه -


4 - أول مقال أراه يضع النقاط على الحروف
بحراني ( 2009 / 8 / 25 - 13:14 )
لدينا في البحرين فئة ممن يسمون ( عجم) من أصول فارسية.. شيعة و سنة..
لازالوا يتكلمون الفارسية و لهم صلات عائلية بإيران .. بعضهم أيضا كتاب في الحوار المتمدن يساريين و تقدميين (( من الواجب عليهم نقل الحقائق و الكتابة عنها لتتضح الصورة))..
الكثير من رفاقنا ( العجم) يقولون أن اليساريين الإيرانيين يلعبون دور كبير في مجمل الحياة السياسية و الإجتماعية في إيران.. و أنهم وراء كل الإحتجاجات التي رأيناها على التلفاز..
و هذا أول مقال أراه يضع النقاط على الحروف..
و لكن يبدوا بأن الأحزاب الشيوعية العربية فقدت الصلة باليسار الإيراني..
فأين هي أيام ما أن يصدر حزب توده الإيراني شيء حتى ترى ترجمته للعربية و بنفس اليوم و كذلك حال إصدارات الحزب الشيوعي العراقي..
لازلت أتذكر أغنية ( مرا با بوس ) بأخر أيام الشاة و في أقل من شهر قام الفنان جعفر حسن من الحزب الشيوعي العراقي مع فرقة الطريق بترجمتها للعربية ثم غناءها.. (( قبليني للمرة الأخيرة))


5 - كلام منطقي وسليم
رامز علي ( 2009 / 8 / 25 - 14:08 )
أتفق مع الاخ البحراني في التعليق واليسار الايراني كان المنظم الاول لهذه المظاهرات رغم علمه بان هناك لعبة ما تدبرها حكومة الملالي الارهابية في ايران ضد معارضيها والكاتب في تقديري قصد الاستفادة من طبيعة التشابه في سيطرة التيارات الدينية الشيعية على المجتمعين العراقي والايراني وكانت المنابر الدينية باستمرار السبب الرئيسي في اعادة البلاد الى نقطة الصفر ..
لا يمكن ان تقدم هذه الحكومة للشعب الايراني شئ فهي اعادة المجتمع الى الوراء قرون عديدة حتى ان نجاد بدأ يفتخر بوجود نساء في حكومته المقبلة والقارئ لتاريخ ايران العريق سيدرك للوهلة الاولى كم لعبت النساء دوراً مميزاً في الحضارة الايرانية العريقة وماذا كان وضعها في عهد الشاه ..
العراق اذا ما اراد التخلص من التخلف والفقر عليه توجيه ضرباته للاحزاب الدينية العاملة على الساحة والتي تتخذ قراراتها من السفارة الايرانية ..
تحياتي لجهد الكاتب


6 - ردود الكاتب
حميد كشكولي ( 2009 / 8 / 25 - 18:32 )
الزملاء الأعزاء عماد وابو اياد وبحراني ورامز علي
ورائعة الحوار المتمدن د. لمى !!! أشكركم جميعا على مروركم الكريم على مقالتي
لقد أجاب الأخ رامز على تساؤل ابن بلدتي عماد في ان اليسار العراقي في حاجة ماسة للاستفادة من التاريخ الغني لليسار اليراين التقليدي و العمالي
وللاسف الشديد ان الانسان يكرر أخطاءه لأنه لا يتعلم من عبر الماضي
الرفيق أبو اياد ! أنني اعتقد أن تهيئة مجتمع مدني و ضمان الحريات ضرورية وللعمل الشيوعي واليسار التقليدي لا يعتبر تحالفاته مع الدين الشيعي السياسي أخطاء بل اخفاقات لما يسميه الحركة الوطنية وان اليسار الشيوعي العمالي وللاسف لا يزال ضعيفا و محصورا في حلقات ضعيفة و تمزقه الانشقاقات اخطيرة والتراجعات والتكتلات
واقول للاخ رامز ان الاستعلاء والشوفينية والنزعة القوية يلعب دورا كبيرا في الخشية من الثقافة الايرانية عموما و الابتعاد عنها
ودمتم بخير

اخر الافلام

.. العقلانية والتاريخ في خطاب الياس مرقص - د. محمد الشياب.


.. بمشاركة آلاف المتظاهرين.. مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في صنعاء




.. تركيا تعلن مقتل 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني شمال العرا


.. كرّ وفرّ بين الشرطة الألمانية ومتظاهرين حاولوا اقتحام مصنع ت




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج