الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهر صناعة -أشرف الناس-

جلال القصاب

2009 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

"أشرفَ الناس" وصفٌ أطلقه سماحة السيّد نصرالله.. مُعدّدا في خطابه الرائع الأخير أسبابَ نصر الله للشعب اللبناني على الكيان الصهيوني بملحمة تموز، وأنّ أقوى أسبابها التكاتف الشعبيّ بكلّ قواه وأطيافه وطوائفه في التئام لا يعكّره صغائرُ اختلافاته المذهبية والطائفية والسياسية.. مشكّلاً جبهة صمود داخلية صمّاء ضدّ الطامعين.. فبمثل هذه الوحدة ترتدع وتنهزم جحافل الأعداء وتحسب مليون حساب.. هذا الشعب المتلاحم هو "أشرف الناس"..لأنّه أعلا قيَم المروءة والشرف والتراحم الإنساني.. على قيَم التفكّك والأنانية والتعالي بالعصبيّات.

فالتسامي على الخلافات الضيّقة وتهميشُها، والإحساس بقيمة الآخر المختلف عقديّا وسياسيا.. وبضرورة وجوده ومشاركته والتعاون معه.. وبأنّه عنصرُ قوّة ومنَعة.. ثمّ رصّ الصفّ به، هو ما يُحوّل أيّ فسيفساء شعبي متناثر إلى كتلة عصيّة الاختراق والانهيار كشعب لبنان المُقاوم بتمّوز، الكتلة التي صوّرها القرآن "كالبُنْيانِ المرْصوصِ".. رُصّت من "المجاهدين" و"المناصرين": "الذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا" مع "الذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا".. ولن يبلغ شعبٌ هذا إلا بدعامتيْن:
1- توحيد بوصلته نحو عدوّه الحقيقي المشترك.. 2- تراحم أطيافه..
وبالتعبير القرآني: "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ.. رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ"..

شهر رمضان هدفُه حفز هذا "التراحم والتلاحم"، حين تتعاطف الناس لتعيش أحاسيس إنسانية وروحية مشتركة.. فلا غرو أن أفرز رمضان ملاحمَ انتصارات "بدر الكبرى" و"فتح مكّة" مع تباشير الرسالة.

أمّا بالنسبة لأيّ عدوّ بشريّ، (بل ولأيّ تهديد ولو طبيعي)، فسيرى "بتراحمنا وتلاحمنا" قوّةً تُفزعه وتدحره، سيستلم مِن قوّتنا تردّدَه وضعفه، مثلما يقتنص من تنازعنا وضعفنا قوّته، تلاحمُنا هو "الخوف المزعج" الذي تُكسر عليه "شهوة" غطرسته للاستحواذ علينا، هو كما قال حكيمٌ: "لا يُخرج الشهوةَ من القلب إلا خوفٌ مزعجٌ أو شوقٌ مقلقٌ".. حكمةٌ ترسمُ سبيل خلاصنا عن أيّ برمجة تستلبنا وتسلب مقوّمات عزّنا.. إن بالإكراه أو بالطوع.. "فالشهوةُ" تغلبُها "غريزةُ" الخوف، أو شوق "العقل"..

جيش العدوان الصهيوني، كأيّ عدوّ "يشتهي" اجتياحنا، شأنه كالقصص التي يتبجّح فيها مُتبجّحنا ببطولةٍ ما.. ثمّ يُلطَم ويُصدَم بمرارة الواقع.. لتنفضح أحدوثتُه، أكثرُنا لا حدّ "لاشتهاءاته".. ومستعدّون من أجلها ركوب المخاطر المحتملةِ مقدورةِ التحمّل! كالذي "اشتهى" فتاةً مليحة ولحقها لقريتها يتغزّل فيها، لكنّه بمجرّد أن رمق إخوانها يُلاحقونه بالسواطير أطلقت "غريزتُه" رجليْه هلعاً.. بسرعة حطّمت أرقام عدّائي أثيوبيا.. ليعود لا يمرّ بتلك القرية أبداً.. هنا تغلب "الغريزةُ" "شهوتَنا" إن لم يغلبها "العقلُ" قبلُ.

شهر رمضان فرصةُ عتقنا.. بتغلّب "عقلنا" على سطوة "شهواتنا" فضلاً عن "غرائزنا"، شهر الممانعة للأكل والجنس والثرثرات الفائضة لاستصدار كلمة "لا" الرافضة لسلَسِنا وانجرارنا "الغرائزي" و"الاشتهائي"، "لا".. نشهرها لنُبرهن بقاء بقيّة إرادة عندنا، وتكون المحقِّقَ الفعلي لكوننا مخيّرين، فالبعضُ يرفض دهرَه أن يكون مسيّراً بالقيَم والضوابط العقلانيّة الإنسانية، لكنّه بحقيقته راضخٌ ومستعبَدٌ ومسيّرٌ "بالشهوات" والبرمجات المجتمعية والدعائية.. ويزعم ويظنّ أنّه مخيّرٌ ومُريد، هو يريد ما تريده الناسُ، السُّلطةُ، المشايخُ، الإعلامُ، الشلّةُ... ريشةٌ بمهبّ الريح، يريدُ وتريدُ الريح.. ولا يكون إلا ما تريد الريح..

إنّ أحدَ عوامل فرقتنا.. وبالتالي تناحرِنا.. وبالتّالي ضعفِنا لافتراس الأعداء والظلَمة.. كطوائف وكأطياف وكأفراد أيضا، هو استيلاء برمجات "غريزية" أو "شهويّة" على إرادتنا الإنسانية "العاقلة".
فمثلاً.. حبّ الحياة "غريزة".. (أي "برمجة دنيا") لكنّها حين تعلو على القيم (أي "البرمجة العليا" والتي يُريد رمضان تكريسها)، كالوفاء والمروءة والإيثار وحبّ الآخرين وحبّ الخدمة.. نتهارش كالذئاب والضباع.. متى تناقضت مصالحُنا وتباينت مسالكُنا.

أمّا "الشهوات" فهي أمور فوق-غرزية.. "كشهوة" الاستئثار بالأموال والعقار، و"كشهوة" الاستبداد بالرئاسة والسلطنة، و"كشهوة" التفنّن بالجنْس وألوان الأكل، و"كشهوة" بذخ العمران والتفخّم بالإطراء، هذه "الشهوات" تُثبت أننا سلالة أرقى من الحيوان، فالحيوان كائن "غريزي"، والإنسان كائن "غريزي، شهوي، عاقل".. ويتبيّن تطوّرُه ورقيُّه لمستواه الثالث (أي "العاقل") بممارسته "عقله" (والعقل والعقال هو الرباط) أي بتحكّمه بالمستويين الأدنييْن فيه: "الغريزة" و"الشهوة".
الحيوان يأكل "بغريزته" إذا جاع.. فلا يُحوّل الخروفُ برسيمَه ملوخيّةً! والأسد لا يصنع لحمَ فريسته "باربيكيو" أو "برياني"، أمّا الإنسانُ فمتى جاع أكل "بغريزته"، وتفنّن بالأكل طبخاً وتأنّقاً وألوانًا "بشهوته"، ثمّ متى ارتقى "بعقلِه" فقد يُضحّي بأكله اللذيذ لآخرين (تفطيراً لصائم، أو إطعامَه "مسكيناً ويتيماً وأسيراً")، أو يصوم عن الأكل بإرادتِه.. دونما مرض، أو بداعٍ ذاتي كالرياضة والتخسيس.. أو لمجرّد التهذّب والسيطرة على نفسِه..

الجنس "غريزةٌ" يُمارسها الحيوان والإنسان، التفنّنُ بطُرُق ممارسة الجنس "شهوةٌ" يُمارسها الإنسان فقط، ضبطُ هذه الممارسة بقيَم الحياء والآداب أو الامتناع منها إراديّا (كما بأيّام رمضان).. هي الخصيصة الحضاريّة للإنسان "العاقل" الذي سما على الإباحية الحيوانية والبشريّة، أمّا "شهوة" الممارسة الجنسيّة للمِثل كاللواط والسحاق، فليست "غريزة"، وليست مجرّد "شهوة"، وبالأكيد ليست "عقلاً"، بل هي "إسراف بالشهوة" وشذوذٌ عن الطبيعة.. مهما حاولتْ الثقافةُ والبرمجاتُ والتقنيناتُ الغربيةُ تحبيبها وتسريبها، فالعقلُ والفطرةُ (ما لم يُقهَرْ العقلُ وتُمسخْ الفطرةُ) يُدركان هذا ببساطة، والقرآنُ عرّف قوم لوط "بإسراف الشهوة": "إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ"..
شهرُ الله مضادّ حيويّ للإسراف بشهواتنا..الإسراف الذي يجعلنا أنانيّين، وبالتالي لا نتراحم ولا نتلاحم.. ولن نتكوّن كـ"أشرف الناس" حين البأس..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ناشطون في كورك الأيرلندية ينظمون فعاليات دعما لفلسطين


.. كاميرا الجزيرة توثق استهداف الاحتلال سيارات الإسعاف في حي تل




.. الجيش الإسرائيلي يدمر منزلاً على ساكنيه في مخيم البريج


.. اليمين المتشدد في صعود لافت في بريطانيا قبل انتخابات يوليو ا




.. مرشح الإصلاحيين في إيران يتعهد بحذر بوقف دوريات الأخلاق