الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسرحية فيلم سينما .. مشاكلة لواقع متأزم

أمل فؤاد عبيد

2009 / 8 / 26
الادب والفن


بالرغم من ضجيج الأحداث الذي يشتت العقول ويضلل القلوب .. وبالرغم من سطوة حالة التشظي التي وصل لها قطاع غزة على الأخص .. وبالرغم من قسوة المشهد السياسي والاجتماعي وما يحمله هذا من بعد نفسي متأزم للغاية .. يبقى للفن مساحة من التعبير عن مشاكلة نوعية للواقع .. تبغي تفريجا ما .. وتوجيها لصدى النفوس التي تبحث لها عن قرار ما .. ولا زال الانسان الفلسطيني يصنع معجزته عبر آلية خليط من الإيمان والشرذمة والولاء .. ولا يزال القدر يحمل الكثير من دعوات وضرورات للسؤال ومبررات البوح .. رغم محاصرة الهزيمة والفقد .. هي مسؤولية العقول والقلوب التي لا تحتمل المراهنة .. ولا تقبل عجز القوى .. لتفيقنا دوما على إرادة ما ممكنة تخلق إعجازا ما .. كان قد تم في الأونة الأخيرة عرض مسرحية " فيلم سينما " والتي لا تتجاوز الثلاثة ابطال .. علي ابو ياسين والفنانة ايناس السقا وأكرم عبيد .. تحكي المسرحية حالة إنسانية تشمل الزوج والزوجة في واقع شعور يتفرد بولاء خاص للوطن .. وما يختلج هذا الشعور احساس بالغصة وقسوة الحصار والفقد لأبسط سبل التواصل ما بين الداخل والخارج .. ليتحول بنا عصب المشاهدة إلى منتهى التضحية .. تضحية تبرق من قلب تضحية .. وكأن المسرحية ترسم لنا دوائرمغلقة .. الثانية تحتوي منها الأولى .. والأولى تفترض الثانية بالضرورة .. وتسعفنا المشاهدة بتعزيزات القيمة الضمنية من خلف النص .. ورغم بساطة المشاهد والحوار .. قد جاءت المسرحية على مستوى شعور يتقبل فكرة التركيز على مفهوم الولاء والحب والعزيمة والصبر .. رغم ما يعتري المشهد السياسي نتوءات تشي بحالة قاهرة ومشرذمة ..ومن ثم طرح البدائل الممكنة أمام عجز التوفيق في تحقيق حق ضروري .. ليباغتنا البطل بدفينته التي كانت مبعدة ومهمشة من الوعي .. ليسلط الضوء على محتواه الشعوري وأيضا مبررات الفكرة التي أصبحت حلم مرافق له .. أن يصنع فيلما .. ها هو يقف عاري الشعور أمام الزوجة والمشاهد .. يعترف بعجز زوجته وقلة حيلته أمام هذه المشكلة التي فرضت عليهما رغما عنهما .. لتصبح الزوجة محل عطف بلا ذل أو شعور بالقهر .. يتخلل النص الحواري تبادلات اعتراف في سياق الذاكرة المستحضرة بالضرورة الشعورية في آنية اللحظة المعاشة على خشبة المسرح وواقع العلاقة بين الزوجين .. كأنها حالة مواساة اتفق عليها الإثنين بلا سابق اتفاق بينهما .. وكأنها جسر يتم تمرير الواقع أسفلها .. لتصبح اللحظة المعاشة مطعمة الحضور بحالة تذكر دائم أو هي محاولة استرخاء من واقع متأزم من خلال شريط يسرقهما من نفسيهما بهدوء إلى حيث حالة من الاستجمام رغم الحرب ورغم الحصار.. ولربما هي دعوة للمشاهد إلى أن يحاول تحرير مشاعره الحاضرة والمليئة بالألم أو المحاصرة بكل أشكال القسوة والفقد بأن يحاول أن يعيش لحظاته الحميمية رغم كل شيء .. تأكيدا على أن هناك الكثير لا يزال ينتظر حلولنا الإرادوي فيه ..
فبالرغم من شكل الألم هنا .. وبالرغم من أي شئ .. لا يزال وسوف تبقى حالة حب تغمر القلوب .. وتبقى قامات رجالنا مصلوبة على كف النهار .. ودم ينتظر احتضان الارض بشوق عطشان لحنوها البالغ فينا ...نتحسس مواجعنا بأيدينا .. ونتوءات ارواحنا تهذي بحب ديارنا .. ورغم مؤامرات التفتيت فينا .. تساورنا أحلام التحرير ولو بكلمة وقافية .. ذاك أن الفنان فينا قبل الإنسان يحاور أشعة النهار والنور ضياء ينسج منه أردية تفوح بعطر اليقين .. وذاك أن الإنسان فينا يقطن الديار بشوق غامر الإيمان .. يستنطق الأرض حميمية العناق والبقاء .. ويقاوم فكرة رحيل بعيدة .. رغم قسوة الأيام .. أوراق تتناثر الحب .. نصوص مقروءة ونصوص مرئية .. تحاور فينا وعنا .. قصص الولاء والانتماء .. وقد جاءت بطلة المسرحية تحاكي أمومة تصطرخ في ذاتها فقد ما .. وتتحسس مواجعها في ظلال حب لا ينتهي للزوج والأرض والوطن .. أما البطل فقد حاكى فقده وحنينه .. بمحاولة استنساخ بطولة منسية .. يتفاخر بها حنينا متواصلا ودائما .. وشعور بالتضحية يتماثل من خلاله شفاء القلوب التي .. قد تعبت من السفر والرحيل والشوق الممتد الى هنا .. في حين أن المسرحية من خلال تقنيات الحوار والإضاءة والإخراج نقول أنها جاءت منسجمة مع الحالة النفسية للمشاهد من حيث ما يعتريه من مشاعر .. وما كان يحاول البطل أن يثيره من فوضى في المكان فإن هذه الفوضى جاءت تأكيدا على فوضى المشاعر .. أما الفكرة التي غلفت الحوار بين الأبطال قد جاءت منسجمة وطبيعية مع إرادة التعبير عن الواقع بلا أي تجاوزات او أصوات عالية أو صراخ .. بل جاءت معبرة بهدوء عن حالة إنسانية يذوب معظمنا داخلها .. ومن ثم كان الحوار غنيا بتفاصيل نعرفها ونشعر بها .. لقد استطاعت البطلة والبطل أن يتماسا مع المشاهدين في مناطق مشتركة بينهم .. تداخلها إحاسيس متماثلة وقيم ليست غريبة بينهم .. وإن كان البعض قد تشكك فيما تنص عليه طبيعة العلاقة بينه وبين الوطن .. في حال الشعور بالغربة في المكان .. وهو ما أشارت إليه البطلة في تجاوزها لشعور الغربة .. محاولة التأكيد على مفهوم العودة للأرض .. وما يمثله هذا من قيمة كانت معها منذ الحلم الأول .. حتى تحقق من خلال زواجها بالبطل .. ثم تأتي النهاية متوائمة مع حالة الرضا المنسجمة مع ذوات الأبطال كرضا مرصع بالأمل في مشوار يمتد حيث الحلم البديل في حب الوطن وتقديم ما يمكن تقديمه له ولو من خلال مشاريع حلم صغيرة تفعل الإحساس به الى منتهاه الذي لا ينتهي أبدا .. تحية لكل من أبطال المسرحية إيناس السقا والفنان علي أبو ياسين وللمخرج الفنان حسين الأسمر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي