الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جواز سفر .. قصة قصيرة

أمل فؤاد عبيد

2009 / 8 / 27
الادب والفن


كان ذاك اليوم الذي تقرر فيه استلام الجواز من مجمع التحرير بالقاهرة .. التقيت به في طريق عمومي حيث التقاطع العابر الى هناك .. كانت عيناه محمرة للغاية .. وقفت أحاكيه لعلني اعرف ما تم التوصل إليه في أمره .. كان وقتها قد خرج من الحبس المؤقت .. على أن يرتب أوراقه للسفر خلال ايام .. لقد أصبح من المبعدين .. كيف لا أعلم .. إنما أتذكر شجنه الصارخ .. قال لي وأوصاني على زوجته لحين أن يترب اوضاعه هناك .. قلت له إلى أين .. قال لي حالي حال الجميع يا أختي .. تصورت حالته كيف .. ولكني كان قد أشتد بي غضب عارم وشعور بالقرف من كل خطوة .. أخذت انظر إلى قدمي وأرقب آثار الخطوات لعلني .. أجد أثرا ما .. نسيت أن أحدد وجهتي للذهاب .. كانت الحرارة قد أحرقتني .. ولكن شعوري بالحرقة أولع صدري .. وكلما احترت الوجهة نظرت إلى الخلف .. الى مكان وقوفنا .. بعدت المسافة .. حتى اتجهت شمالا .. في شارع رمسيس .. وقتها شعرت بالغربة والوحدة والألم .. صراط يجب السير عليه .. صراط من نار يحرقنا .. تفاجأت بنفسي على باب منزله .. فتحت تلك المرأة الباب .. وطفل يقف بين قدميها .. نظرت إليها .. وإليه .. يضع اصبعه في فمه وشعره منساب على عينيه .. تحركت إلى الداخل .. أحاول أن ابحث عن رائحة تلك الأيام .. عما قليل سوف تختفي .. وربما تختفي أسماء الأشياء هنا .. جلست أتحسس الأثاث فيه .. وعيون الزوجة تنتظر مني الكلام .. كان صمتي حريقة في داخلي .. قلت لها .. لما لا تبقي هنا ويسافر هو .. قالت لعله خير لنا .. التصق الولد بها ولازال يضع اصيعه في فمع .. سرحت في ملامحه التي تشبه ملامح الرجل الذي احترمه .. وجدتني استنطقه عبارت الألم قبل الأوان .. كانت سيجارتي ملاذي الذي إذا ما اشتد بي الصمت أولعتها واختفيت خلف ضباب دخانها .. كثيرا ما أشجاني وضع الحال بنا .. تدراكت دخوله فجأة .. جاء بجانبي .. ومازالت عيناه محمرة اللون .. أخرج جواز السفر .. وثيقة لاجئين لازالت تعمل عنوان هويته واصله .. كسر الحزن دعابته المعهودة .. حيث يتصافح الهوية وكانها قدر جلل قال لي .. لقد وجدت قريب لك يستخرج اوراق للسفر .. عرفت انه عمي عبد الكريم .. لكنه مسافر للاستقرار بإرادته الى غزة .. أما أنا فمبعد أخاك لا بطل .. أخذت أتامل جبينه وعينيه .. وهو يرتب محفظته وأوراقه .. ويحاكيني بصوت لا أسمعه .. قررت الذهاب فجأة .. قال لي اليس لديك تعليق .. تركته محمل بالأسى وقلبي خافقا وداعه قبل الأوان .. قلت له سوف أعود غدا .. مرت الأيام دون أن ألحظ مرورها .. وسافرت الزوجة حيث استقر به الحال في بلدة صغيرة على حدود الداخل المحتل .. وكنت اهرب كثيرا من زيارة ذلك المنزل الذي أصبح غريبا عني .. فكرت يومها أن أروم تلك الديار ولو مرة واحدة .. كنت أسير في الشارع أنصت لتلك الحوارات بصداها الممتد عمقي .. حتى وصلت الى باب العمارة .. تعالى الحنين وشجني داخلي يعتصرني .. كنت أتخايل به آتيا نحوي .. وصوت ولده يناديه .. تذكرت عجلته في الطريق عندما يلمحني قادمة إليه .. وضحكته التي هي الآن تبكيني .. وتذكرته مصافحته للمرة الأخيرة .. وقتها عرفت فقط سر احمرار عينيه .. عدت أدراجي احمل قلبي المتهافت بين ضلوعي .. ورائحة المكان والذكرى .. تملأ الشريان مني .. فانساقت قدماي تحملني قسرا .. تباعدني المسافات حيث الامعنى وحيث اللا مكان ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جوازي لايعمل
شاكر الخياط ( 2009 / 8 / 26 - 23:03 )
نص جميل..الموضوعة اقتناصة موفقة، كنت اتمنى ان تصاغ بحبكة اكبر لكن الامر يعود اليك..اما الحال فواحد ومبروك عليك جواز السفر لانه يعمل..تصوري انني امتلك جواز سفر منذ سنة لكنه لايعمل..هو شرعي وقانوني لكن مامن بلد اتقدم اليه لكي اتلف تحويشة اشهر فيه حتى يأتيني الرد ..ممنوع على العراقيين..لكنه مسموح للاخرين..الا ترين معي انها قصة قصيرة جدا ايضا..تحياتي لك واتمنى المزيد

اخر الافلام

.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي


.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه




.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان