الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر الجديد في الجزائر

محمد عبيدو

2009 / 8 / 27
الادب والفن


" ديوان الحداثةـ بصدد أنطولوجيا الشعر الجديد في الجزائر" كتاب مهم للكاتب واسيني الأعرج، حمَّلني إياه الأصدقاء أثناء عودتي من زيارة طويلة للجزائر. وكان فرصة للتواصل بشكل أوسع مع الشعر الجديد في الجزائر (جيل الثمانينات والتسعينات) المفجوع في كل شيء، حتى في حقه في الكلمة.‏

مع زمن الثورة ووصولا إلى السبعينات، طرحت أسئلة جديدة مهدت بشكل كبير لتصدع سينشأ من داخل النص بشكل متفاوت. ويبدو أنه انزياح يفتح أمام القصيدة الشعرية الجديدة، إمكانات لغوية لم تكن متوفرة قبل ذلك على الإطلاق، لكن كثيراً ما كان ينغلق هذا الانزياح على ذاته، ليجعل من إمكانات التواصل أمراً مستعصياً، إن لم يكن مستحيلاً وهذا يعني بالضرورة، أنَّ النص الشعري الجزائري، من خلال رحلته كان يواصل عملية التصدع، بحثاً عن نص جديد داخل أنساق لغوية تكاد تكون جاهزة، فالعمل الانزياحي الذي خضعت له قصيدة السبعينات، ساهم حتماً في خلق إمكانات تعبيرية جديدة، وحرر اللغة من المعنى الواحد والجاهز الذي يقف ضد التجاوز، وهنا تتدخل القراءة الجديدة التي لا تبحث عن المعنى المباشر، ولكنها تبحث من خلال التأويل عن المحمول اللغوي الجديد. قراءة، تقرأ اللغة في امتداداتها العميقة وليس في ثباتها، والشعر بهذا التصور المقدم هو خروج حتمي عن المقياس أو المعيار، فالجملة الشعرية لا تقف عند الحدود الصوتية والدالة المعروفة قياساً للجملة النثرية المحدودة بالوقفات والأزمنة.‏

إنَّ هذه الانزياحات لم تأتِ فقط انطلاقاً من الهاجس السياسي المباشر، فقد ساهمت المرجعية العربية المشارقية والمرجعية الغربية في تشكيلها الدقيق، وعلى الصورة التي وصلتنا بها..‏

نصطدم منذ البداية، ونحن نريد أن نتقرب من هذه التجربة بهذه الإشكالية التي تحكم قصيدة التسعينات الجزائرية: كيف نتجاوز اليأس لنكتب؟، وكيف نكتب لنتجاوز اليأس؟، هذه هي المعادلة التي تحكم حتى شعرية هذه التجربة. اليأس ومداراته، هي الأسئلة المحرجة التي تنطرح أمام الشعر داخل مجتمعات موجودة، وتعيد اللغة تركيبها من جديد، تتحطم بسرعة مذهلة لم نكن مهيئين لها بالشكل الكافي، ومعها تتحطم ثوابت كثيرة داخل الذاكرة المرتبطة بين تاريخ كان يبدو إلى وقت قريب مثلاً مذهلاً ومتعالياً عن التاريخ ذاته كتجربة بشرية متواضعة في سياق التراكم العام، وبين حاضر يتآكل في العمق، ويأكل في طريقه هذا التاريخ ذاته، وهذا التعالي الإطلاقي، بل ويمأزقه ليضعه على المحك بحثاً عن إجابات لا يتلقى إلا أصداءها. يكتب واسيني الأعرج : "قول الحقيقة، مناهض حتماً لكل التصورات التي بنيت على الجاهز. قول الحقيقة التي ترسم تلاشي الآخرين، ولكن كذلك تلاشيها وانهيارها، هي نفسها كحقيقة مطلقة. وداخل هذه العملية المركبة والمعقدة، يبحث الشاعر الجديد عن لغته وعن وطنه. الوطن الذي لم يعد وطناً مثلما كان في التعريفات السابقة، فالوطن المتلاشي، تعيد اللغة صنعه بقوة وببساطة فائقة ولكن بيأس كبير. فاللغة هي الإمكانية الشعرية الأساسية لإعادة تشييد وطن الشعر. فالواقع لا يمنح إلا وطناً مسيَّجاً مكتئباً، ومحزوناً ومحاطاً بالأسلاك الفقهية والممنوعات التي تثقل كاهله. ولهذا يتحول البحث عن وطن هاجساً مركزياً للكتابة واللغة".‏

ونقرأ في قصائد الكتاب للشعراء الثلاثين، ونجد أنفسنا في مواجهة حالات متشابهة في دلالاتها، لكن لغتها وشعريتها إذا كانت تشترك في لغة التكسير، فهي تختلف في صياغة الأبنية وتجديد المعاني، الجسد/ مساحة العنف والحرية.‏

عند الحديث عن الجسد يفرض الصوت النسائي في التجربة الجديدة نفسه بقوة، رافضاً أن توصل همومه من خلال الذكورة التي استشرت في الشعر الجزائري مدة من الزمن، وربما أهم ما يميز هذه الفترة، هو الحضور المكثف للصوت النسائي الذي ظلَّ مصادراً أو محدوداً في الفترات السابقة الكتابة النسائية في هذه التجربة المتميزة بعددها وعدتها ترهق اللغة المبنية على "الحشمة" و"الحياء" و"ثقل الطابع" والتي لم تتعود على الصراحة والوضوح، والمباشرة القاسية، وداخل هذه الصراعات المرة وهذه التدحرجات الصعبة والقلقة، واللغة الواقعة بين ذاكرتها المثقلة، وحاضرها المطالب بعصره ووجوده وحداثته.‏

هذه التقاطعات في التجربة النسائية لا تعني مطلقاً غياب التمايزات، فهي موجودة وحاضرة من خلال مختلف النصوص الموجودة في الكتاب، الاختلافات موجودة رغم الهواجس المشتركة. لغة الشعر عند تجارب نصيرة محمدي ورشيدة خوازم، وفاطمة بن شعلال وسليمى رحال وغنية سيد عثمان، تقاوم الذاكرة المعوقة ولا تنصاع بسهولة للحاضر الذي ترفضه في صورته المبتذلة، بحثاً عن جدوى للحياة.‏

شعرية اختراق النص الشعري الجزائري الجديد، هي مشروع مفتوح تتولد داخله الكثير من الإحراجات، ولكن الكثير من المعاني الجديدة والكل يشيّد داخل ثنائية التدمير والبناء التي تشكل المعنى الأساسي للحداثة، تدمير المستهلك، والدلالات المتآكلة، والبحث داخل الاستحالات والصعوبات عن الجديد، والحيوي، والمالك لعناصر الاستمرارية والفراغ.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار