الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرايــا

عدنان الصائغ

2002 / 6 / 20
الادب والفن


 

(1)

 

كم أردنا ذاك الزمن بمدحٍ         فشغلنا بذم هذا الزمان

المعري

متى تقف منتصباً بكل قامتك / أنت / الذي تهب حياتك له/ متى تقذف في وجوههم هذا السؤال:/ لماذا نحارب ؟

مايكوفسكي

كل فرد لا يجب كاريكولا فهو خائف / وكل خائف يجب أن يعدم / وبما أن الشعب كله لا يحب كاريكولا / إذن الشعب جميعه يجب أن يعدم / ولكنها مسألة وقت.

مسرحية يونانية

أن الخلاف حول القمة يفسد الصيام.

جورج فهيم - صحيفة الشعب المصرية –

 

الأمية الثقافية التي يعيشها مجتمعنا ساهمت إلى حد كبير في ازدياد العزلة الثقافية التي يعيشها اليوم المثقف قبل غيره، وهذا يضعنا أمام منعطفات أسئلة فاغرة فاها لا تجد لها من أجوبة أو فعل سوى اجترار المقولات الجاهزة، دون الغور في عمق الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي واستقراءه وتحليله واستنباط الحل من العلة نفسها وليس بالقفز عليها.

وأول تلك العلل هي إضاعة المثقف لاستقلاليته، وليس آخرها هذا الشتات والتناحر الفئوي بين المثقفين أنفسهم من جهة، وهشاشة الأرضية التي يقف عليها من جهة أخرى.

لقد لعبت تلك التبعية في التاريخ الثقافي دوراً أساسياً في نكوص الثقافة وانحطاط الأمم وانحسار دور الفكر خلف ظلال التاريخ السياسي، مما جعل المثقف يعيش حياته في أغلب الأحيان على الهامش تاركاً للسياسي أن يفترش المتن، مغيراً الأحداث مفصلاً قوانين الأخلاق والأعراف وفق ما تراه مصلحته، جاراً إليه زمراً من أشباه المثقفين للتنظير والتطبيل له، وهؤلاء بدورهم جروا غالبية المجتمع بسلاسل الشعارات إلى اللهاث وراء موكب السياسي والذي بدوره أصبح الحاكم المطلق في إدارة الشؤون السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية من جهة والقاضي والسجان والسجن – لمن يخالفه الرأي – من جهة أخرى.

وقد أدى هذا الأمر إلى ازدياد تهميش المثقف الحر بعد أن جروا من تحته المنبر ليضعوه في خدمة "وعاظ السلاطين" ، ولم يكتفوا بإبعاد الميكرفون الإعلامي أو التثقيفي عن فمه بل كمموه وجوعوه ومرغوه بالتراب والوحل.

ولم يكن ليحدث هذا لو وجد المثقف نفسه محاطاً أو محمياً بالمثقفين الآخرين والذين سيواجهون المصير نفسه واحداً بعد الآخر. ولم يكن ليحدث لهم هذا لو وجدوا أرضية صلبة من الوعي يستطيعون الارتكاز عليها. ولم يكن ليحدث هذا لو أتيح للمجتمع ممارسة التفكير الحر بدلاً من اجترار الأيديولوجيات الجاهزة أو المستوردة. ولم يكن ليحدث هذا لو فتح المواطن عينيه على القراءة الحرة بدلاً من الصحف الصفراء والكتب التي تكرس الأمية بدلاً من رفعها. ولم يكن ليحدث هذا لو وُجد الحاكم أو المشروع الذي يعتني بتربية الإنسان. وهذا عين ما عناه الفيلسوف الصيني كيواه – تزد (القرن 3 ق.م.) بقوله: "إذا وضعتم مشروعات سنوية فازرعوا القمح وإذا كانت مشروعاتكم لعقد من الزمان فاغرسوا الأشجار إما إذا كانت مشروعاتكم للحياة فما عليكم إلا أن تثقفوا وتعلموا وتنشئوا الإنسان".. وهكذا ترى أن الحضارة والثقافة والتطور أشبه ما تكون بحلقة تقود إلى حلقة أخرى لتكمل دائرة المعرفة الإنسانية التي لا تكمل مسيرة تطورها إلا بتوافر الحلقات والعوامل كلها. ولا عليك بالإستثناءات أمام قاعدة متكاملة قامت عليها حضارات الأمم على مر التاريخ.

أدرسْها وحللها وتأملها، واحدة بعد الأخرى، وأنزل منها إلى واقعنا اليوم، والى دور مثقفنا العربي، المعزول عن جيرانه، ناهيك عن المنتديات الثقافية في بلده، وناهيك عن المثقفين والكتب والمجلات والندوات والأفكار في البلدان الأخرى، بسبب الرقابات وطبيعة المؤتمرات الثقافية والقائمين عليها والخ والخ. إلى الحد الذي جعل شاعراً مثل ممدوح عدوان يقول أثناء انعقاد مؤتمر وزراء الثقافة العرب: " لا أعرف كم هو رقم هذا المؤتمر الثقافي العربي الجديد، لكنني أعرف إنني معزول عن الثقافة العربية وحدها وكلها، مثلما هو المثقف العربي في المغرب أو قطر أو اليمن أو تونس، معزول عن كل ما يجري على الساحة الثقافية في أي بلد عربي أخر"

ثم يصرخ:

" .. وإذا جاءني صحفي بعد اليوم ليسألني على العلاقة بين المثقف والسياسي سأفقعه كفاً أهر أسنانه ثم أركله لأرسله إلى أي سياسي عربي كي يسأله عن العلاقة التي يقررها السياسي نفسه بينه وبين المثقف وإلاّ لماذا كلما تزاعل سياسيان عربيان على أي أمر مؤقت أو طويل المدى (حتى على الدور عند الحلاق) كان هذا يعني بالنسبة للسياسيين قطع العلاقات الشعرية والمسرحية والروائية والنقدية.. حتى العلاقات القصصية القصيرة تنقطع".

وهكذا حُرمنا داخل الوطن لسنوات طويلة من مئات الكتب والمجلات والندوات وزيارات بعض المثقفين، لا لشيء إلا استجابة لزعل السياسي الذي لم يكتفِ بذلك بل حاول سد النقص الثقافي بأشباه المثقفين الموالين له وبأشباه الكتب وبأشباه الندوات . ذلك إنه غير معني أو مهتم بشأن الثقافة أو من يمثلها، وإذا ما اهتم بالأمر فإنما لمجرد إشباع جوعه للأضواء الإعلامية وليس لدور الثقافة وإسهاماتها، رغم كثرة ادعاءاته بذلك.

ولهذا ظل زكريا تامر وحنا مينا والماغوط وغيرهم ممنوعين عندنا، مثلما ظل فؤاد التكرلي وحسب الشيخ جعفر ومحمد خضير وغيرهم ممنوعين في البلد الآخر، طيلة أكثر من عشرين عاماً ( وقد عادوا الآن، ربما، للتداول بسبب التقارب بين سياسة البلدين). هذا السياسي الذي أدمن استسهال الثقافة – بالإضافة إلى القضايا الأخرى – واجترارها والتشدق بها وامتطاءها إلى الجهة التي يريدها، حسبما تقتضي مصلحته التي يغلفها بالمصلحة العامة، والتحديات التي يتوهمها، والتحولات الستراتيجية التي يعتقدها ويبررها، إلى الحد الذي يمكنه ببساطة تحويل برنامجه الثقافي من ندوة حول قصيدة النثر أو القصة القصيرة أو إشكاليات الحداثة إلى ندوة عن تعليم التطريز والخياطة أو الطبخ دون أن يرف له جفن.

 

 

Adnan2000iraq@hotmail-com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي