الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر والحب

وديع شامخ

2009 / 8 / 28
الادب والفن



قراءة في مجموعة " زمان الحلم"* للشاعرة راما سالم
وديع شامخ
[email protected]

مهاد

يأتي الشعر حيث تغادر الأقفاص والأسوار سطوتها على الحياة، يأتي الشعر ليس بديلا عن الحكمة والمعرفة والسحروالجنون.
يأتي الشعر باكسيره الخاص طارقا على القلوب والعقول معا، مستفهما ومتعجبا ، محتجا ومتمردا .
يأتي الشعر طريقا من البراءة وسفرا من الإسئلة والسبابات التي تشير الى الجمال والخراب معا.
الشعر هو الروح المتمردة والعصيّة عن التعريف والتدجين، والشاعرهوالكائن الإستثنائي الذي ظل عصيا عن التنميط ، لذا فالمسافة بين الشعر والشاعر الحقيقي تنعدم تماما ويغدو النص الشعري حالة من حالات التجلي والسمو، حالة من الحب الصافي الذي ينأى بنفسه عن متاهات التجريد وقشور البلاغة العميقة والعتيقة وزخارف الأساليب وتهويمات خارجة من عقل مثلوم وموهبة كسيحة .
الشعر إنحراف عن المعنى السائد وإنزياح لغوي وجمالي وفكرة عالية وخيال خصب .
والشاعر ذلك الكائن الذي يتلحّف الكلمة سماءً ويفترش الجمال رؤية .
..................
الشعر والحلم

في رحلتي الحلمية مع مجموعة الشاعرة "راما سالم "وجدت ثمة منافذ متعددة وشرفات يمكن ان نطلّ منها على نصوص مجموعتها الشعرية .
الشاعرة تطلق سهام الشعر الى القلب عبر إستثمار آليات وممكنات متعددة ،أهمها البساطة والوضوح في اللغة مع القدرة للوصول الى الهدف بصيغ شعرية جمالية مناسبة .فالشعر عند " راما" وهو وسيلة لتحقيق غاية وهدف معلومين وهي بهذا تنحو منحى شعراء الإلتزام بالقضايا التي تشغلهم وتعد محورا مركزيا في حياتهم .
منذ "شكر خاص" الذي يتصدر المجموعة وهو بمثابة البيان الفكري والجمالي لنصوص المجموعة، إذ تلخص فيه الشاعرة علاقتها مع الرب الخالق بالقول" إلهي أشكرك من أجل نورك الذي يخترق عتمة أرواحنا، أشكرك من أجل الحياة التي تهبنا إياها ، فحقيقة الموت موحشة مظلمة ، ولكن رجاء القيامة يخفف من حدة العبث". فالشاعرة هنا حددت مسارها عبر 27 نصا ، إبتدأت من الخاص عبر نص " إمرأة أنا " التي أعلنت فيه عن رفضها لهذه الخصوصية المستعبدة بقولها " إمراة انا ليس لي مكان وسط حريم السلطان ... إمرأة غبية رأسها يضج بالفراغ " وهكذا تصف حال المرأة حتى ينتهي النص بمفارقة موفقة تشيء الى إنطلاقة جديدة في حياة الشاعرة " إمرأة انا للأسف .. للأسف ذكية" . فما هو الذكاء الذي تنشده هنا ؟
يبدو لنا من خلال توالي النصوص على حركة متصاعدة من المشاعر والرؤى تبثها الشاعرة في رحلتها المضنية للبحث عن الحرية ومعنى الوجود الحقيقي الذي تبحث عنه في علاقتها مع الله الجديد الذي تكتشفه في تصاعد ثورة مشاعرها ورجحان عقلها المستفهم دائما والشكاك في قيم الحياة الارضية .
العلاقة مع الله تقتضي حتما الوعاء المناسب لتقبلها ، وهو ما أرادت الشاعرة تحقيقه ففي نص " زمان الحلم" وهو النص الذي حملت المجموعة ذات العنوان، تلخص الشاعرة محنتها وحبورها معا في الحلم الذي هو مادة التجلي والسمو للوصول الى الله، " حلمت بفرحة تنير الوجوه، حلمت بنور الاله يشق الغيوم ، وحبه يفيض فينهي حروب، ويحقن دماء، ويرسي سلام، ويحيي شعوب "حتى ينتهي النص بالقول" حلمت معك يا أبي أجمل حلم ، أفقنا سويا .
أنا على الحياة وأنتَ وجدت الصليب..."

الشعر والخلاص

من هذه الخلاصة الخلاصية لثنائية الحياة الموت، يبرز الفداء المسيحي والرموز تتكشف لنا عبر توالي النصوص، فالشاعرة قد كشفت غمامة قلقها بهذا الموت الكفاري، وكأن لسان حالها يصرخ :" على دين المسيح أريد موتي
فلا البطحا أريد ولا المدينة".
وهذا ما نلاحظه واضحا في نص " في قريتي الصغيرة" الذي يشكل جرأة واضحة في نقد المجتمع القديم " الانسان القديم روحيا" بعد أن امتلئت الشاعرة بعطر الانسان الجديد. اذ تقول "في قريتي الصغيرة ، الضيقة جدا، أهلي يؤمنون بالزوجات الاربع ، والعنقاء والخل الوفي ... في قريتي نحيا دون نتنفس، نتحدث دون حروف ، ونبكي دون دموع ... في قريتي الصغيرة .. نشهد أنه لا أله إلا الألم ... في قريتي نتمتع بحقوق عدة ، من حقك أن تصمت، وهذا حق مكفول دون قيود ، حتى يأكلك الدود " لتصل الشاعرة الى ختام الثورة على المجتمع القديم والانسان العتيق الممثل بالقرية بقولها " في قريتي الصغيرة نعبد الليل ونخشى النور، وختاما : نحن جميعا بخير ولا ينقصنا سوى أن نثور!!".
وبعد هذا النص " الثورة" تتبدى لنا نصوص المجموعة وهي تعبر صراحة عن التحام حقيقي بين الشاعرة والله ففي نص" أنت الهي " الذي نشهد فيه نبرة تهكمية من مفهوم الالهة القديمة التي تتخفى وراء البلاغة واللغة الرنانة وولادة العلاقة الجديدة مع الرب ، بقولها : " الهي إنسان جاهل ، يجهل الكثير من الكلمات ، لا يعرف معنى الرياء، لا يعرف معنى التراجع والانكسار والانتهاء... إلهي لا يعرف غير طريق السماء " .
حتى نقف على توسع معجم الشاعرة إسلوبيا في نصوص أخرى فنرى الإستفادة الكبيرة من معجم الكتاب المقدس بعهده القديم وعلى المستوى الشكلي كما في نص " وكان نهارُ يوم آخر" وهو تماثل واضح مع الآيات الاولى من سفر التكوين والذي تتردد فيها لازمة " وكان صباح يوما ثانيا .. أو وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا" وكأن الشاعرة بدأت بتكوينها الروحي الخاص وهو واضح في الإهداء الذي يلي النص " الى الأب الذي يسكنك ، فيجعلني أرتد الى طفولة لم أحياها قط.. وأنا أعلم جيدا عواقب الإرتداد".
وهكذا تمضي المجموعة في تصاعد بياني ملموس لكشف أسرار العلاقة مع الرب الجديد كما في النصوص" لو لم تكن طفلا " ونص " وأكتشفت " ونص "وأيها الرجال " الذي نلاحظ فيهما التأثيرات الواضحة للشعراء محمد الماغوط مع نزار قباني وأمل دنقل مع حضور صوت الشاعر مظفر النواب في ثنايا النصوص ..
أما نص" الى طفلي " يستثمر التاريخ لمحاكمته ولتتضح الرؤية الجديدة الخارجة من سطوة الحروب الصليبية والفتوحات العمرية " بين عينيك َ وبيني حروب صليبية، وفي الاركان بعض من الفتوحات العُمرية".

التحول من الخاص الى العام

لقد قدمنا في السطورالاولى بأن المجموعة إبتدأت من العام بنص" أنا إمرأة" الذي اعتبرناه الإنطلاق من الخاص سنرى المجموعة تتحول الى الميل للنصوص القصيرة الموحية والمكثفة وكما يقول: محمد عبد الجبار النفري/توفي سنة 965 " إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة" مثل نصوص" نداء، الولادة الجديدة،الالم ،لكل شيء معنى، أغني أم التزم الصمت "، حتى نصل الى النص الذي يسبق الخاتمة وهو نص مهم " لا اجيد النباح" الذي يعبر عن انفصال كلي للذات الشاعرة عن القطيع واللغة القديمة " الكلاب تنبح ، ولكني لا اعرف كيف أُشاركها نباحها .. فلست ذلك الطفل الذي يجيد التقليد، لست إلا هذه الليلة وليد.." ينتصب الطفل لتختم المجموعة بنص " إنسان" الذي يعبر عن محنة الكائن للوصول الى " العام"،" انسان أنا ، فقط انسان.. يبحث عن حقيقية ، عن إخت غير شقيقة،عن صلة دم إختيارية تليق بأنسان ... إنسان أنا "
هكذا تفصح المجموعة عن التحول الهائل الذي شهدناه نصيا من المرأة المقيدة والمأسورة الى فضاء الانسان الكامل الخلاص وهو يسير مع الرب في علاقة واضحة وشفافة لا تخلو من الآلام والتضحيات ولكنها علاقة جديرة بأن تعاش وأن يخصص لها العمر كله .
ختاما لا بد من الإشارة الى بعض الهفوات التي وقعت فيها الشاعرة آملا أن تتجاوزها، إن أرادت، في الأعمال اللاحقة ، ومنها إنني لم أجد ايّ مسوغ فكري أو جمالي لطرح نصين مكتوبين باللهجة المصرية الدارجة وهما " مش عارف" و" بعض مني" بجانب نصوص المجموعة المكتوبة بالعربية الفصحى علما أن هذين النصين ينهلان كثيرا من تجربة الشاعرالمصري أحمد فؤاد نجم. وثانيا هناك بعض الأخطاء اللغوية النحوية والاسلوبية والتي يمكن تجاوزهما في الطبعات القادمة .
...................................................
هوامش :

*- " زمان الحلم" المجموعة الأولى للشاعرة راما سالم – حاصلة على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم السياسية –جامعة القاهرة
زمان الحلم (الطبعة الأولى 2009) –key Media للنشر والتوزيع
*- كل المقتبسات الشعرية من ذات المجموعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي