الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان ... ميزانية 2010 والعافية المفقودة

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2009 / 8 / 29
الادارة و الاقتصاد


السودان ... ميزانية 2010 والعافية المفقودة
"إننا نشاهد نهاية التاريخ وذلك في نقطة النهاية للتطور الأيديولوجي للبشرية وعالمية الديمقراطية الليبرالية الغربية كآخر شكل للحكومة الإنسانية"، مقولة فوكوياما الشهيرة (1989) حول نهاية التاريخ، معبرا بذلك عن رأي تلك الفئة من الإقتصاديين التي أغفلت الأخطاء الكبيرة والفادحة لليبرالية الاقتصادية في حق الفقراء والغالبية العظمي من الطبقات الدنيا وفي حق كل الشعوب خاصة شعوب العالم الثالث. وتبنت تلك الفئات من التكنوقراط والمنظرين في دول العالم الثالث (ومنهم السودان) كل ما يتعلق بالخصخصة وتحرير الإقتصاد، في إطار العولمة الجديدة التي حاولت تغطية فشل النظام الإقتصادي المنهار، من خلال الهجمات الشرسة والمنظمة علي القطاع العام وتحويله بالبيع العلني وبأبخس الأثمان للقطاع الخاص، دون حياء. وفي السودان تم البيع حتي لتلك المشاريع القومية الناجحة وخير مثال لذلك مشروع الجزيرة الذي تتم هذه الأيام الفصول الأخيرة، لخصخصته نهائيا. لقد أغفل هؤلاء بالداخل والخارج مبدأٌ إنسانيا وإقتصاديا هاما، ألا وهو "العدالة"، و العدالة ترمز إلى الحكم الأخلاقي المتعلق بالثواب والعقاب وإعطاء كل فرد ما يستحقه، كما تعني العدالة الاجتماعية توزيع المنافع المادية في المجتمع مثل الأجور والأرباح، وتوفير متساوٍ للاحتياجات الأساسية من: تعليم وصحة وإسكان وتوفير مياه الشرب الصالحة وغيرها من الخدمات الأخري. وتقتضي العدالة علي المخططين والمنفذين في المستويات العليا من الدولة، إتاحة الفرص المتساوية للمواطنين وللمنتجين، مع الأستغلال الأمثل لأمكانات الدولة في القطاعات المنتجة والتي يتأثر بها جل السكان، (القطاع الزراعي) الذي تعتمد عليه معظم دول العالم، كما في السودان والزراعة المطرية علي وجه الحصوص.
ولذلك اختلفت النتائج الفعلية لهذه السياسات والبرامج وآثارها على حياة المواطنين بصورة عامة والفقراء منهم بصورة خاصة ، اختلافًا بينًا عما توقعه أولائك الخبراء والمتخصصون من أصحاب دعاوي الخصخصة وتحرير الإقتصاد ففشلت تلك السياسات على كل المستويات، وإتضح في النهاية أنها تخلق مزيدًا من الفقر والإفقار.
أن الكثير من المفاهيم التي تبدو إيجابية وفعالة مثل الخصخصة وتحرير الإقتصاد والاقتصاد العالمي، ماهي إلا أساليب تدعو وتكرس في الواقع المعاش إلى إلغاء التعددية، والترويج الي الطريق الأوحد للخلاص وهو النظام الرأسمالي الشرس والشره، لجمع الثروة والمال بأي ثمن ولو علي حساب الإنسان، (الرأسمالية الغربية)، وهو ما أكدته التجربة في السودان منذ 1990 حتي الآن.
فبعد كل هذه السنوات يعود السودان مرة أخري لأحضان صندوق النقد الدولي، طائعا مختارا من خلال الطلب الذي تقدم به كل من وزير المالية ومحافظ بنك السودان، لوضع برنامج لمراقبة الأداء الإقتصادي لمدة عام ونصف (يوليو 2009 - ديسمبر2010 (، بغرض وضع خطة محكمة والإشراف عليها لاستعادة الاستقرار على المستوى الكلي للاقتصاد، ولمراقبة واعادة بناء احتياطي الدولة من النقد الاجنبي والتحكم فيه. وعلي الرغم من أن كثيرا من المسئولين، ومن بينهم وزير المالية ومحافظ بنك السودان ظلوا ينفون بشدة وعلى الدوام تأثر السودان بالازمة الاقتصادية العالمية، وأن الاقتصاد السوداني في ظل القيادة الرشيدة بعيد عن التأثر بالازمة المالية العالمية، مع تحقيق جودة الأداء نتيجة المتابعة اللصيقة والتنسيق المحكم من المالية والبنك المركزي والوزارات مما خَرجَ بأفضل النتائج والحفاظ على الاستقرار، لأن القائمين عليه إكتسبوا خبرة ودراية بسبب الحظر الاقتصادي المفروض على السودان منذ منتصف التسعينات. علي الرغم من كل ذلك اعترف الوزيران السودانيان في خطابهما الموجه للصندوق ان السودان تضرر بشدة جراء الازمة المالية التي القت بظلالها على الايرادات والاستثمار الاجنبي المباشر. يحدث هذا في ظل توقع تقرير اعده الصندوق عن تراجع نمو الاقتصاد السوداني إلى 4% خلال العام الجاري 2009 مقارنة بمعدل نمو 7% تقريباً خلال السنة الماضية وذلك جراء انخفاض إيرادات النفط، والتوقع أيضا بانخفاض حاد لاحتياطي النقد الاجنبي في السودان.
وفي الداخل إختلفت تصريحات الوزيرين أمام القطاع الاقتصادي بمجلس الوزراء عند إستعرض سمات وبرامج الموازنة العامة للعام 2010، فقد أكد وزير المالية التركّيز على زيادة العرض للاقتصاد والقطاعات الإنتاجية في مجال الزراعة والصناعة والخدمات فيما يُعرف (بموازنة البرامج)، والتركيز على مشروعات ونماذج بعينها لزيادة الإنتاج والإنتاجية. والإستمرار فى المحافظة على مستويات الإستقرار والتوازن الإقتصادى !!!. أما محافظ البنك المركزي فقد دعي إلى ضرورة الاستفادة من دروس الأزمة المالية في وضع موازنة مرنة تتحسّب للصدمات، وقال إنَّ الاقتصاد السوداني يتحمّل عبئاً كثيراً في تحمل تكاليف السلام في ظل تقاعس المجتمع الدولي من الوفاء بإلتزاماته، و إنّ الاقتصاد خرج من الأزمة بأقل التكاليف في ظل التطورات العالمية!!! واشار إلى بداية الإنعاش الاقتصادي في العالم مما يشير بقرب نهايات الأزمة، مبشراً بتحسن بناء احتياطات النقد الأجنبي.
إن هذا التناقض في تصريحات وتعامل المسئولين يعبر عن حجم الأزمة الأقتصادية التي تتمثل في عدم الأعتراف الشجاع بإصابة الأقتصاد السوداني بالكثير من الأمراض وعلي رأسها "المرض الهولندي" ولنا أن نتصور كيف سيكون شكل ميزانية 2010 في ظل هذا الواقع الذي يحتاج الي معالجة شاملة يشترك في صنع روشتتها الإقتصاديين لا السياسيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسعار الذهب اليوم الأحد 05 مايو 2024


.. رئيس مجلس النواب الأميركي: سنطرح إلغاء الإعفاءات الضريبية عن




.. ملايين السياح في الشوارع ومحطات القطار .. هكذا بدا -الأسبوع


.. لماذا امتدت الأزمة الاقتصادية من الاقتصاد الكلي الإسرائيلي ب




.. تقرير خطير.. جولدمان ساكس يتوقع ارتفاع أسعار الذهب لـ3 آلاف