الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يعتذر الجناة للشعب العراقي و عوا ئل الالاف المؤلفة من الضحايا؟

عادل حبه

2004 / 5 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الصور الشنيعة المهينة التي نشرتها الصحف الامريكية حول التعامل المتدني لبعض الجنود الامريكان مع سجنائهم في سجن ابي غريب لا يمكن الا ان يلقى الادانة التامة لهذه الافعال البربرية، اضافة الى ضرورة ان تأخذ العدالة مجراها حتى تطبق العقوبات الجزائية جراء هذا الاستهتار الفض بالقيم الانسانية. هذه الممارسات تعكس غلبة الروح الشريرة في ممارسات ابناء آدم وطغيان هذه الروح على مشاعر الرحمة لدى نفس ابناء آدم. كما انها تعكس غلبة ثقافة العنف وطغيان الجريمة لحكام بغداد السابقين على سلوك جنود "المحرر" المفترض ان يكونوا متشربين بمثل الثقافة الليبرالية. وبالطبع لابد ان يجتاح الغضب كل المواطنين العراقيين الذين عانوا ايضاً الويلات على يد نفر عاتي من ابناء جلدتهم ممن طغوا ومارسوا اشد مظاهر القسوة والشر من حكامه وافراد اجهزة المخابرات والامن والقوات الخاصة وغيرها من اجهزة التنكيل في عهد النظام المقبور.
ان هذا العمل الشنيع لبعض العسكريين الامريكان لقى ايضاً الاستنكار والادانة الواسعة في جميع ارجاء العالم، بأوساطه الشعبية والرسمية، بما فيها المجتمع الامريكي الذي اهتز لهذه الممارسات. ونتيجة لذلك بادر قائد القوات الامريكية المحتلة في العراق الى الاعتذار علناً وفي مؤتمره الصحفي من الشعب العراقي ومن الذين تضرروا من هذه الممارسات. ولم يتخلف حتى وزير الدفاع والخارجية وعضوة مجلس الامن القومي الامريكي بإدانة هذه الممارسات. واضطر وزير الدفاع ورئيس اركانه تحت ضغط الرأي العام الخارجي والداخلي الى الاعتذار وتحمل المسئولية وادانة هذا العمل الشرير بأقسى الكلمات امام لجنة استجواب الكونغرس. واخيراً ابدى الرئيس الامريكي جورج بوش مشاعر التنديد بهذه الممارسات في لقائه مع قناة العربية التلفزيونية والقناة الحرة ووعد بعدم تكرار هذه الممارسات الشنيعة والاستعداد للتعويض عن ما لحق بالضحايا من اضرار مادية ومعنوية واحالة كل من مارس هذه الانتهاكات على المحاكم المختصة. ولم يتردد رئيس الوزراء ووزير الدفاع البريطاني عن التنديد والاعتذار لمن تعرض للضرب والاهانة على يد القوات البريطانية في المنطقة الجنوبية، رغم انه قد تبين ان الصور المنشورة في الصحف البريطانية كانت مزورة. لقد اصبح فضح هذه الممارسات كالصخرة الثقيلة المعلقة على رقاب المسئولين في الولايات المتحدة الذين وعدوا العراقيين باشاعة الديمقراطية ووقف الممارسات الشاذة والعنفية ضد المواطنين العراقيين.
وفي الحقيقة ان هذه الادانة والاعتذار على لسان المسئولين في الولايات المتحدة والتي جاءت بغالبيتها تحت ضغط الرأي العام الدولي والداخلي ربما تحدث لاول مرة في التاريخ عندما يبادر جيش محتل وغازي الى الاعتذار لشعب يخضع للاحتلال. كما ان هذا الاعتذار هو الاول في تاريخ الادارات المتعاقبة في الولايات المتحدة. فقد قام بعض الجنود الامريكان بممارسات تعد اشد انتهاكاً من الممارسات الآنفة الذكر في العديد من البلدان دون ان تواجه بهذه الادانة على لسان اعلى مراتب المسؤولية في الولايات المتحدة. فلم تبادر الادارات الامريكية المتعاقبة على سبيل المثال الى الاعتذار لا للشعب الياباني جراء الكارثة النووية في هيروشيما ونغازاكي ولا للشعب الفيتنامي ولا الكوري ولا الكوبي ولا الايراني ولا الغواتيمالي ولا التشيلي بسبب الانتهاكات والعدوان والحروب وتدبير الانقلابات العسكرية التي اطاحت بالحكومات الديمقراطية الشرعية في بعض البلدان. نعم اننا امام حالة جديدة في عالمنا اليوم حيث لا تمر ممارسة شنيعة بدون ان تلقى الرد المناسب من قبل اوساط الرأي العام الرسمي والشعبي الذي تعاضم تأثيره رغم حالات العنف المستمرة التي يشهدها عالمنا.
حالة الاعتذار ينبغي ان يستثمرها العراقيون بذكاء وحذاقة وبعيداً عن عنف العبوات الناسفة والسيارات المفخخة وجيوش المهدي ومحمد وانصار الاسلام ووفود ابن لادن والزرقاوي الارهابية، لكي يستعيدوا سيادة ارض الرافدين الكريمة المباركة وينفضوا عنها خيمة التخلف الاقتصادي والاجتماعي والفكري التي اشاعها النظام المقبور ولكي نخفف عن كاهل شعبنا المظلوم ثقل الالتزامات والديون والتعويضات القاسية التي فرضت على البلاد جراء مغامرات النظام المقبور.
ولكن يبقى هناك سؤال يطرحه العراقيون ويتمثل في كيفية تعاطي بعض العراقيين ممن مارسوا اشد انواع القسوة ضد ابناء جلدتهم مع هذه الحادثة وذيولها من اجل اشاعة الامان والمصالحة بين اطياف الشعب العراقي ونبذ ذلك التراث البغيض الذي غرسه النظام السابق في المجتمع. ان الدولة الأعظم في حال العالم اليوم وهي الولايات المتحدة تقدم اليوم الاعتذار للشعب العراقي جراء ممارسة بعض جنودها الشنيعة ضد السجناء من العراقيين، فهل سيقوم من ارتكب الاهوال ضد الشعب العراقي بالاتعاض من درس الولايات المتحدة ويحذو حذوها وليقدم اعتذاراَ ومجرد اعتذار للشعب العراقي مقابل كل تلك الكوارث التي ارتكبت ضده؟ ربما يكون بعض اؤلئك الذين تعرضوا للممارسات الشائنة من قبل الجنود الامريكان هم في عداد من خدم مخططات الاجرام للنظام السابق وتلطخت اياديهم بدماء الابرياء من العراقيين، فهل يفكر هؤلاء بتقديم اعتذار ولو بسيط عن مشاركتهم في الممارسات الشيطانية لاجهزة النظام السابق؟
ان حملاً ثقيلاً من اوزار جريمة 8 شباط عام 1963 مازال عالقاً في وجدان وقلوب الملايين من العراقيين عندما زج مواطن عراقي مقابل كل ثمانية مواطنين بالغين عراقيين في سجون الانقلابيين، أي 120 الف سجين، بحيث تحولت الملاعب الرياضية الى معتقلات وقصر الرحاب الملكي الى مسلخ بشري ومحطة بشعة لانتهاك الحرمات والاعتداء على شرف السجينات. لقد ضمت سجون العراق في تلك الفترة عدداً من النساء المعتقلات يفوق ما شهده العراق بل وكل معتقلات النساء السياسيات في العالم. وبات الفنانون والادباء والمفكرون واساتذة الجامعة والنقابيون والفلاحون والكسبة وابرزهم عالم العراق الاول الدكتور عبد الجبار عبداللة فريسة لطاعون هذه الكارثة الشباطية السوداء التي راح ضحيتها الالاف وعلى رأسهم مؤسس الجمهورية العراقية الشهيد عبد الكريم قاسم. ان هذه الضحايا لم يتسنى لها ان ترقد في قبر ولا يعرف لحودها الى الآن ولا يعرف اين رميت اشلاء هذه الضحايا. ولم نسمع لحد الآن صوت اي من "فرسان" هذه الكارثة من يعتذر عن هذه الجريمة الكبرى ولم يبادر اي من المشاركين في المجزرة الى اعلان اسفه وندمه ولا حتى الاشارة الى مواقع دفن ضحايا هذا الانقلاب الاسود الذي سموه "عروسة الثورات"، هؤلاء "الفرسان"الذين ما زالوا بغالبيتهم على قيد الحياة. لقد جائت ردود فعل بعض هؤلاء "الفرسان" في الاونة الاخيرة عكسية حيث مافتئوا يتبجحون بهمجيتهم ويتسترون على شرورهم كما جاء ذلك على لسان وزير داخلية المجزرة المدعو حازم جواد في حديثه لصحيفة الحياة اخيراً.
ولم يبد اي من انصار عهد صدام البائد اي اسف او ترحم على مئات الالاف من ضحايا حروب الطاغية الداخلية منها او الخارجية. ولا يذكر هؤلاء بل وحتى ينكرون وجود مذابح الانفال وحلبجة والاهوار وضحايا فرق الاعدام على جبهات حروب النظام وانتفاضة عام 1991 وضحايا الاسلحة الكيمياوية وسموم الثاليوم والاسلحة الكيمياوية وغير الكيمياوية وضحايا التعذيب والتصفيات الجسدية في السجون. ولم نسمع من هؤلاء من يترحم على الالاف من النساء من الضحايا اللاتي تعرضن الى المساس بشرفهن ثم التصفية الجسدية بحجم قل نظيره في العالم المعاصر. كما اننا لم نسمع من هؤلاء من يعتذر للشعب العراقي على تبديد الموارد المالية الضخمة ونهبها من قبل ازلام النظام السابق. ومازال البعض منهم يبرر ويدافع عن نزوات الطاغية السابق ونتائجها المدمرة في ايران والكويت، وهناك من يرفع الصورة الباهتة الكريهة لهذا الشخص الذي الحق الدمار بالبلاد والعباد الذين ينظرون اليه وكأنه مازال حامي حمى الامة. لقد مارست هذه الفئة الباغية شرورها ضد العراقيين وحتى العرب على قاعدة "الاقربون هم اولى بالمكروه" وليس على قاعدة حكمة اجدادنا القائلة "الاقربون هم اولى بالمعروف". ان كل هذه الممارسات الاجرامية الشائنة، التي لا تمثل الممارسات الشاذة لبعض الجنود الامريكان ضد بعض السجناء العراقيين الا قطرة في محيط بالنسبة لها، لم تلق اي اعتذار من قبل هؤلاء الشاذين ولم يجد منفذي هذه الجرائم الشجاعة للاعتذار من ضحاياهم. ويبدو ان الامريكان لديهم هذه الشجاعة واقرب الى الاتعاض بحكمة اجدادنا من اتعاض بعض ابناء هذه الامة بالمثل القائل "الاعتراف بالخطأ فضيلة". ان الشاذين من ابناء جلدتنا يعتبرون ان "الاعتراف بالخطأ رذيلة" ولهذا شاهدنا وما زلنا نشهد كل هذه البربرية في سلوك هذه الزمر الشريرة الضالة سواء في مدينة النجف وكربلاء وبغداد والكاظمية واربيل وغيرها من المدن العراقية سواء اكانوا من فلول النظام او " الضيوف الارهابيين" او المنظمات الارهابية الجديدة من الجيوش والفيالق الباغية.
ان هذه الحالة تأخذ مديات اكثر درامية عندما تطال عالمنا العربي وبلدان الجوار. فردود فعل الامة على الممارسات الشاذة للجنود الامريكان امراً مفهوماً وضرورياً. ولكن ما هو غير مفهوم ان تصدر هذه الادانات من حكومات ومنظمات غارقة حتى نافوخها في وحل التجبر والقتل وحمامات الدم ضد شعوبها وشعوب اخرى. ان ادانة الحكومة الايرانية لهذه لممارسات، على سبيل المثال، لا يمكن ان تلبس لبوس الصدق ونحن نشهد ومنذ تسلم رجال الدين المتطرفين السلطة في ايران فنون من القتل والمجارز لم يجرأ حتى الشاه المخلوع ان يمارسها. ولم تعتذر الحكومات العربية عن المصير المأسوي لفرج الله الحلو الذي اذيب في حمام الاسيد في السجون السورية او شهدي عطية والمئات من الوطنيين المصريين في سجون ابو زعبل وليمان طره في مصر او اغتيال بن بركة في المغرب او ابادة المئات من المناضلين الجزائرين الشيوعيين على الحدود التونسية الجزائرية خلال حرب الاستقلال او اعدام عبد الخالق محجوب وشفيع الشيخ والمئات من السودانيين في شمال البلاد وجنوبها على يد الحكومات الديكتاتورية او اعادام المئات من المعارضين وغير المعارضين الليبيين في سجون القذافي علاوة على اختطاف ضيفهم موسى الصدر. ان القذافي واشكاله من العرب يعتذرون للضحايا من الاجاني ويقدمون البلايين من الدولارات كفدية للورثة الا انهم غير مستعدين البتة للاعتذار لابناء جلدتهم. إن الامر لا يقتصر على الحكومات فحسب فإن من يدين الممارسات الشاذة للجنود الامريكان الان مثل حزب الله اللبناني هم الذين اغتالوا العلامة والفليسوف حسين مروة والمفكر مهدي عامل وعشرات آخرين من احزاب لبنانية دون اي اعتذار. ان هذه الممارسات كلها تحتاج الى الاعتذار لضحاياها وعلى الطريقة الامريكية لكي نثبت للعالم اننا امة تسعى الى بناء حضارة تسمو فيها قيم بشرية وقيم البناء والتنمية والثقافة والتسامح والسلام وقادرة على التغلب على مظاهر العنف والميليشات والتجبر.
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يحضّ إسرائيل على عدم ضرب المنشآت النفطية الإيرانية


.. كيف تؤثر سياسة الاغتيالات الإسرائيلية على حزب الله؟




.. غارات جوية أمريكية تسجل تصاعد دخان في صنعاء و3 مدن يمنية


.. الإعلام الإسرائيلي يناقش المواجهات مع حزب الله واحتمالات الر




.. واشنطن بوست: عشرون صاروخا إيرانيا على الأقل اخترقت الدفاعات