الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولة العراق الدينيه

طلال احمد سعيد

2009 / 8 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


عندما طرد جيش صدام حسين من الكويت على ايدي القوات الاميركية عام 1991قرر قائد المعركة الجنرال شوارتزكوف ملاحقة جيش صدام المنهار الى بغداد لاسقاط النظام هناك , وكان كل شي ممهد امام قوات التحالف بعد التراجع الكامل للجيش العراقي انذاك . وقد كتب الجنرال شوارتزكوف بعد ذلك يقول انه قرر ان يصل بغداد خلال ساعات والمفاجئة التي وقعت انه عندما وصل مدينه السماوة في جنوب العراق استلم امرا عاجلا من الرئيس الاميركي جورج بوش الاب والامر يطلب من الجنرال ان يتوقف عن الزحف وكانت تلك صدمة كبيرة للقائد الامريكي المنتصر , وتبين ان الرئيس الاميركي تلقى طلبا من الملك السعودي فهد انذاك بضرورة الابقاء على النظام القائم في العراق ومساعدته للقضاء على الانتفاضة التي قامت في الجنوب وذلك كونها تحمل توجهات طائفية وشعارات تهدد وحدة العراق وبالفعل قدمت المساعدة الى صدام الذي قام بسحق الانتفاضة بقساوة بالغة الشدة وبشكل نادر وحقق بذلك نصرا على ماسمي ( بالثورة الشعبانيه ) بعد ان شرب كأس المرارة جراء هزيمته في معركة الكويت .
بعد مرور اكثر من عشرة اعوام على تلك الاحداث قامت الولايات المتحدة باسقاط نظام صدام حسين بالقوة واحتلت العراق ، وبدلا من ان تقيم نظاما ديمقراطيا علمانيا متحضرا فأنها تأبطت نفس الجماعات الدينيه التي ساعدت صدام على سحقها عام 1991 وقامت بتسليمهم زمام السلطة في بغداد وفسحت لهم المجال كي يقيموا نظاما اسلاميا قوميا مؤطرا بديمقراطية هزيلة ومشوهة . والملفت للنظر ان كل ماجرى بعد سقوط النظام يتنافى كليا مع الخطاب الاميركي المنادي بالعولمة وبمباديء حقوق الانسان المنتشرة في اكثر ارجاء المعمورة . وكرد فعل طبيعي لما اسست له الولايات المتحدة فقد انتشرت في البلاد الاحزاب الدينيه وميليشياتها المسلحة ونشطت مجاميع كبيرة لايستهان بها من التنظيمات الاسلامية مثل جند الله , جند محمد , جيش محمد , جند الاسلام , كتائب الاسلام ,جيش المهدي , فيلق بدر , جيش الرحمن , قوات فتح الاسلام , اضافة الى تنظيمات القاعدة الارهابية اللعينه , وتحول العراق الى ساحة للمعارك الطائفية وكانت النتيجة المزيد من الدماء والدموع والمزيد من الدمار والخراب كان اخرها انفجارات الاربعاء الدامي الذي خلف قتلى ودمار فاقت كل التصورات .
ان تصدع الدولة العراقية وفقدانها الهوية الحقيقية لم يبقي منها حتى الولاء الرمزي مع ضعف واضح في بسط الامن والاستقرار وتذبذب مؤسف ومتناقض في المواقف السياسية وفي العلاقة مع دول الجوار التي اصبحت صورة ناطقة للانقسام العراقي .
لقد ثبت بما لايقبل الشك ان العملية السياسية القائمة على الاستقطابات الفئوية وان دولة الطوائف الحاكمة مكتوب عليها الفشل لانها تتعارض مع قوانين التطور العلمي والاجتماعي الذي يسود العالم الان .
لقد ادرك العراقيون خطر الاحزاب الدينيه المدمر وباتوا رافضين لمبدأ المحاصصة الطائفية والفيدرالية وهم ينادون بأعلى اصواتهم بان بلادهم بحاجة الى حكم قوي حيث تولدت لديهم شكوك من جدوى العملية السياسية القائمة برعاية امريكية منذ عام 2003 فقد تأكد ان الاداء الذي قدمته الحكومات المتعاقبة ومجلس النواب يمثل قمة الفشل وهو ابعد مايكون عن النهج الديمقراطي الذي طالما تبجح به الحاكمون الجدد .
العراق قدم منذ عملية التغيير اكثر من (2) مليون شهيد و (4) مليون مهاجر في الخارج و(2) مليون مهاجر في الداخل و(3) مليون ارملة و (5) مليون يتيم ونصف مليون مفقود و(10) مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر .
الديمقراطية التي يتكلمون عنها باعتبارها الطريق الجديد للعراق تجلت في قرار فريد من نوعه اتخذه اخيرا مجلس محافظة البصرة بالزام كافة الرجال في المحافظة بأطلاق اللحى وحلق الشوارب ووضع حفنه من الخواتم في الاصابع وهذا تحد سافر لابسط مبادي الحرية والديمقراطية . فهنيئا لك ياشلتاغ ( محافظ البصرة ) فقد اثبت بحق اننا ( خير امه اخرجت للناس ) في ظل هذا النمط من الحاكمين المستهينين بحرية المواطن فقد اعلن عن تشكيل الائتلاف العراقي الجديد بثوب (زاهي) جديد وهذا الائتلاف لايستحي من الفشل الذي لحق به بامتياز خلال السنوات المنصرمة ونعتقد انه يخطط للابقاء على العراق قابعا في الدهليز المظلم الذي عاشه منذ عام 2003 ويبقي سيف الطائفية المقيت على رقاب ابناء هذا الشعب اربع سنوات سوداء قادمة .
الكارثة التي حلت بالعراق لامثيل لها حتى في الصومال وغيره فالبلاد انقسمت بشكل مفجع الى ثلاثة اعمدة كما يطلق عليها السيد باقر الزبيدي ( وزيرالمالية ) وهي العمود الشيعي والعمود السني والعمود الكوردي .
ان احزاب الائتلاف الشيعي تريدها دولة ولاية الفقيه واحزاب التوافق السني تريدها دولة اسلامية على النمط السعودي , اما الاكراد فلهم اجندتهم الخاصة بتكوين النواة القوية للدولة الكردية القومية وعلى انقاض التشضي العراقي .
ان احداث الاربعاء الدامي كانت صارخة في ماتعنيه فقد عبرت عن مدى هشاشة الحكم ومدى الانقسام والتصدع الذي يسود البلاد . اذ تجلى ذلك في تعدد تصريحات المسؤولين المتناقضة حول الجهة المسؤولة عن الدماء العراقية الزكية التي اريقت بغير حق وقد صار الفرد العراقي الذي يقبع في داره مع عائلته غير آمن على حياته يوم غد او بعد غد وبات لايفرق بين من هو الصديق ومن هو العدو .
ان الراقصين على طبول الائتلاف العراقي الطائفي يجب ان يدركو ان الوطنيه ليست ثوبا يرتدونه لخداع الناس , انما هي انتماء وولاء لارض الوطن وشعبه دون تمييز او تفريق وعليهم ان يعترفوا ان الاسلام السياسي سقط في العراق من خلال التجربة المريرة كما سقط في السودان والجزائر ولبنان والاردن وفلسطين وافغانستان وهنا في العراق اصبح مدانا بما لايقبل التأويل ومسؤولا مباشرا عما حصل في الساحة العراقية خلال ست سنوات لذلك فأنه لم يعد مؤهلا ليقود البلاد بما يخدم مصلحة الشعب والوطن بقدر ماهو مؤهل لتحقيق المزيد من الانشاق والانقسام في صفوف ابناءه .
ان النصر الاكيد لابد ان يكون من نصيب شعب العراق الابي تحت الراية الحقيقة للديمقراطية واليبرالية والعلمانيه اما اللذين يدعون زورا انهم وكلاء الله في الارض فقد ثبت انهم مفسدون وانهم وراء كل المصائب التي عاشها الوطن منذ التغيير وان بقاءهم يعني ان المقبل قد يكون ادهى وامر واشد صعوبة وقساوة كما صرح بذلك السيد وزير خارجية العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساندة
المهندس المعماري عبد الكريم البدري ( 2009 / 8 / 29 - 22:56 )
فما هو رأيك عزيزي الأستاذ بالقوى التي تدعي اليسارية والوطنية بمساندة هكذا نظام؟ وهل تتأمل ان يطلع بنتيجة؟ لذلك لم يحصل على نتيجة بالأنتخابات المنصرمة ولو مقعد واحد في طول المحافظات العراقية بطولها وعرضها؟ آني هم دايخ.

اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو