الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شهر غشت.. ذكرى الشهيد والشهداء

ع. الزروالي

2009 / 8 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


غشت الشهر الذي فقدنا خلاله ثلاثة من المناضلين الأشداء، مناضلين دافعوا من خلال تجربة "النهج الديمقراطي القاعدي" على حق أبناء الفقراء والعمال وسائر الكادحين.. في التعليم المجاني والمعمم، دافعوا عن حرمة الجامعة من الهجومات القمعية، وعن حق الطلبة في دراسة جامعية ملائمة توفرها لهم الشروط الملائمة المتمثلة في البنايات والمطاعم والمنح والأساتذة والمختبرات..الخ
شهداء ثلاثة لم يتأخروا قط عن الدفاع عن الحريات الديمقراطية داخل المجتمع وداخل الجامعة، دافعوا بصدق عن حق الطلبة في التمثيلية، أي في اتحاد يمثلهم، ولم يكن سوى المنظمة إوطم، الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والذي تحمل الرفاق من داخل هياكله تمثيلية رفاقهم الطلبة في مختلف الكليات التي انتموا إليها خلال دراستهم.
ولا داعي للتذكير بأن المناضلين، ثلاثتهم، أحسنوا خلال تجربتهم وبمعية رفاقهم داخل "النهج الديمقراطي القاعدي" الربط بين حركيتهم ومسؤوليتهم داخل الجامعة، وبين النضال إلى جانب الجماهير الشعبية الكادحة.
فالرفيقين الدريدي وبلهواري اللذين استشهدا تباعا يومي 27 و28 غشت 1984، تم اعتقالهم بمراكش على إثر الانتفاضة الشعبية التي انطلقت من مراكش يوم 5 يناير 1984 لتعم العديد من المدن المغربية كالرباط سلا، فاس، بني ملال، واد زم، خريبكة، وزان، القصر الكبير، الحسيمة، تطوان، والناظور..الخ
وبعد تعذيبهم داخل المخافر السرية بفيلا جليز بمراكش وبدرب مولاي الشريف بالبيضاء، تم تقديمهم لمحاكمة مخدومة وموجٌهة من طرف الخطاب الملكي الذي أعقب الانتفاضة والذي وجٌه فيه المسؤولية في إشعال لهيبها لليسار الماركسي اللينيني، حيث صدرت على إثر هذا التوجيه أحكاما قاسية وصلت لحد 15 سنة في حق بعض الرفاق داخل مجموعة مراكش وثلاثين سنة في محاكمات بمدن أخرى كالرباط، فاس، الحسيمة، وتطوان.
نال الرفيقين حصتهم من الأحكام الجائرة على شكل خمس سنوات بالنسبة للدريدي وعشرة سنوات بالنسبة لبلهواري وأمام صعوبة العيش داخل سجن بولمهارز بمراكش وتحت ضغط التراجعات التي لحقت بالعديد من مكتسبات المعتقلين السياسيين، وكان أبرزها الحرمان من متابعة الدراسة، والإعلام ـ الراديو والجرائد ـ والزيارة المباشرة، إضافة لتشتيت المعتقلين على مجموعات صغيرة وإبعادهم عن أسرهم حيث تم تنقيل بلهواري لسجن آسفي، والدريدي لسجن الصويرة ـ وهو ما دفع بالمجموعة التي كانت تضم ثلة من المناضلين الماركسيين من تلاميذ، طلبة، تقنيين، عمال ومحامين..، لخوض العديد من المعارك من أجل تحسين أوضاعهم في شكل بيانات، اعتصامات، إضرابات محدودة.. إلى أن قررت الغالبية منهم أي 35 من ضمن المجموعة التي ضمت 45 معتقل، خوض إضراب عن الطعام لا محدود سقط خلاله الشهيدين بعد 57 و 58 يوم من الإضراب، وخلف كذلك عاهات وأمراض مستديمة لم تعالج لحد الآن في صفوف بعض المناضلين، أبرزها حالات بيكاري، لقدور، سايف ونارداح.
أما ثالث الشهداء فهو الرفيق شباضة، خريج نفس التجربة والمدرسة النضالية القاعدية، مدرسة "الطلبة القاعديين".. والذي سقط شهيدا يوم 19 غشت 1989، هو الآخر خلال إضراب عن الطعام وصل لحد 64 يوم، ناهض عبره تعسفات الإدارة السجنية بمعتقل لعلو وقمع المدير/الجلاد، المعروف باسم الكومندار.
ناضل الرفيق من أجل تحسين أوضاعه السجنية وخاض معارك وإضرابات عديدة ومدٌ يد التضامن لرفاقه المعتقلين من داخل نفس السجن وفي السجون الأخرى ولم يكن إضرابه الأخير سوى إضرابا تضامنيا مع الرفاق من "مجموعة راكز" أو ما تبقى من منظمة "23 مارس" آنذاك، ليسقط شهيدا خلال هذا الإضراب.
فأقل خدمة نضالية نسديها لهؤلاء الشهداء، هي الاحتفاء بذكراهم هي التعريف بتاريخهم النضالي وبعطاءاتهم السخية للميدان، هي التذكير بحلمهم وتطلعاتهم الثورية من اجل المجتمع الاشتراكي.
فبطولة الشهيد ورمزيته ليست في استشهاده وفقط، بل هي في عطاءاته الميدانية وتجربته النضالية والكفاحية بما فيها الأفكار التي دافع عنها والمشروع المجتمعي الذي ناضل من أجله.
فنحن نتبع الشهيد في خطاه ونطور الأفكار التي دافع عنها والتجربة التي ساهم في مراكمتها، بهذا الشكل نكون كرٌمناه ليس من خلال إحياء ذكراه السنوية وفقط، بل من خلال ممارستنا النضالية والسياسية اليومية.. فليس كما يروٌج له البعض من المناضلين عن جهل أو عن خطأ فمتابعة خطى الشهيد لا تكون باستنساخ عملية استشهاده التي كانت إجبارية في شروط صراع محددة ومحسوبة، وليست اختيارية.. بل في متابعة نهجه النضالي وتطوير مساره الكفاحي في الفكر والميدان.
فالعديد من المناضلين القاعديين لا يعرفون عن الشهداء سوى إضراباتهم البطولية عن الطعام لحد الاستشهاد، أو صمودهم الخرافي ضد الآلة القمعية لحد الشهادة كذلك.. ويجهلون الكثير عن عطاءاتهم الميدانية قبل محنة الاعتقال، ومنهم من يغض الطرف عنوة عن تاريخ الشهداء الزاخر بالعطاء والبناء والمساهمة في تطوير أفكار ومواقف الحركة الثورية بالمغرب.
ومن جانبنا سنعمل كل ما بوسعنا على فتح النقاش مع جميع "رفاق الطريق" من حلفاء أنصار الخط البروليتاري الماركسي اللينيني على استرجاع عطاءات الشهداء وإبراز تجاربهم الغنية بروح نقدية بعيدة عن أي تقديس أو دجل خرافي، فكما للمناضلين الثوريين الميدانيين أخطاءهم وإضافاتهم النوعية والإيجابية، كذلك الشهداء والذين لا يمكن إنصافهم سوى بالتعريف بتجاربهم في إطار من الشمولية التي تراعي مستوى ومحدودية كل تجربة وظروف النضال والمرحلة التي عايشها الشهيد والإطار التنظيمي الذي أنجبه..الخ
من جهتنا كذلك لا يمكن لهذا التعريف وهذا الاحتفاء إلاٌ أن يأخذ طابعه الجماهيري لكي نعطي للشهيد حقه ولمسيرة الشهيد النضالية مكانتها باعتبارها جزءا لا يتجزأ من التراث الكفاحي لشعبنا الكادح.. فالفضاءات المغلقة لا يمكنها أن تستوعب مناسبة كهذه المناسبات، ولا يمكننا الاستمرار بغطس الرؤوس في الرمال، ولا يمكننا الاكتفاء بالمحاباة ومسايرة البعض ممن ينشروا "ثوريتهم" فقط لحظة الذكريات.. فالحاجة الآن، وأكثر من أي وقت مضى، لمناضلين مسؤولين عن أقوالهم ومواقفهم، مناضلين مستعدين للمحاسبة، قابلين بالنقد والنقد الذاتي.. مناضلين مجتهدين ينتجون المواقف والبرامج ويسايرون الواقع في حركيته وتطوراته..الخ
فلن نتنكر لشهدائنا ولكل المناضلين والمناضلات الذين قدموا التضحيات خدمة لقضايا الثورة ببلادنا.. لكننا سنبقى ناكرين ومناهضين لأية نظرة قدسية تجاه المناضلين وتجاربهم وتياراتهم، فماركسيتنا كانت وستظل دائما نقدية وبدون طابعها النقدي هذا، لن تكون أبدا ثورية.


20 غشت 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرد الى جادة الصواب
المراجع لنفسه ( 2009 / 8 / 29 - 23:52 )
حاول ايها الرفيق الانفتاح على تجارب قراءاتية أخرى للماركسية وانسى زمن الثورة و الثوار الذي مضى دون رجعة

اخر الافلام

.. فيديو يُظهر ما فعلته الشرطة الأمريكية لفض اعتصام مؤيد للفلسط


.. النازحون يعبرون عن آمالهم بنجاح جهود وقف إطلاق النار كي يتسن




.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: نتنياهو ولأسبابه السياسية الخاص


.. ما آخر التطورات وتداعيات القصف الإسرائيلي على المنطقة الوسطى




.. ثالث أكبر جالية أجنبية في ألمانيا.. السوريون هم الأسرع في ال