الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في ( تخاريف خريف ) ل ( مؤمن المحمدي )

ممدوح رزق

2009 / 8 / 30
الادب والفن


بداية من إهداء الكتاب الذي وجهه ( مؤمن المحمدي ) إلى نفسه باعتباره ( لا شريك لي .. للأسف ) سنعرف أننا أمام شعر لا يراهن على أحد أو شيء .. كتابة واعية بغياب اليقين النهائي الحاسم أو المعرفة الجازمة التي ينتهي عندها القلق ويبدأ الأمان الكامل .. أن يهدي الشاعر ديوانه إليه لكونه لا شريك له ومتأسفا على هذا فالأمر يفترض إذن أن الشاعر لا يراهن أيضا على ذاته باعتبارها ذاتً عارفة تمتلك الحكمة ومن ثم قادرة على إعادة تشكيل العالم وفقا لمشيئتها وإلا ماكان هناك مبرر للأسف ولكن الإهداء إلى ذات الشاعر هو رهان على استيعاب الكيان المنتهك لكونه منتهكا بالفعل ولكونه لا يستطيع أن يضع حدا لذلك أو حتى أن يفهم أي معنى يكمن وراء هذا الانتهاك .

( هتعمل إيه بكرة
أو كنت فين السبت عشرة الصبح
تتشال على كتاف المظاهرة
ولا ف النعش الخشب
خسر الحصان السبق
ولا السبق خسر الحصان
ما عادتش فارقة
في الحقيقة
ماعادتش فارقة )

عند غياب اليقين يتساوى كل شيء ويغيب التميز والاختلاف وتضيع الجدوى .. لا يوجد طريق ثابت يقودك إلى حقيقة صحيحة مؤكدة بل تتشابه جميع الأشياء التي لم تعد سوى أوهام فاشلة لا يوجد مبرر لإعطاءها أهمية ما أو تقدير استثنائي : المستقبل .. الماضي .. الوطن .. الموت .. خسارتك للحياة كأنك لا تستحقها .. خسارة الحياة لك كأنها هي التي لا تستحقك .

( السبت 30 أيلول 95
عشرة صباحا

ع الشاشة : عرفات ورابين
بيبوسوا بعض
في الهامش: أنا وانتي في الجامعة
بنودع بعض
يبقى
لما لما دخلت القهوة
أطلب شاي بحليب
بصيت ف مراية كانت مشروخة
مش صدفة )

ماذا يعني أنه لم يعد هناك فرق بين الأشياء ؟ .. لماذا تعتبر جميع الأشياء متساوية للدرجة التي نشعر معها أن الحرص على أي قيمة لا ضرورة له ؟ .. يمكننا أن نقترح العبث كإجابة محتملة على أساس أنه لا يوجد منطق عادل يحرّك العالم .. العالم الذي يحكم البشر بمتناقضاته الغادرة فيجعل من جريمة سياسية وأخلاقية حدثا كبيرا وهاما يمرر عبر التليفزيون لكل الدنيا بينما في نفس اللحظة هناك حبيبان يفترقان دون أن يشعر بهما أحد باعتبار أن هذا الفراق لا يعد حدثا كبيرا وهاما .. العبث الذي يسمح بأن يتزامن تبادل اثنين لقبلات ما كان يجب أبدا أن يتبادلاها مع افتراق حبيبين ما كان يجب أبدا أن يفترقا .. الذات هنا لا تستوعب هذا العبث كطبيعة وجود فحسب بل ترصد أيضا كيفية اتساق جميع الأشياء وانسجامها في نطاق هذا العبث .. كأن ثمة برمجة واحدة خفية توظف هذه الأشياء كلها وتجعلها متفقة ومتجانسة فيما بينها لتحقيق الخراب .. إذن ليست هناك أي صدفة في المسألة وانتباه الذات على شرخ المرآة هو احتواء تلقائي لكافة التفاصيل المشوهة التي تم تتبعها ذهنيا وشعوريا والتي تحمل الروح العمياء اللاعاقلة للفوضى .. المرآة المشروخة تم إلتقاطها بتحريض من الإدراك الباطني الذي شكلّته تجارب وخبرات الذات نتيجة علاقتها بمهازل غير مصدقة لواقع فاسد .. حققت المرآة المشروخة انتماءها لهذا الواقع بأن صارت عاكسة لوحشيته التي تم تكوين المأساة الإنسانية من خلال شروطها .. التكوين المكاني والزمني بمعنى أن الذات هنا تتأمل من خلال هذه المرآة المشروخة التشظي المبهم الذي نتج عن وجودها في هذا المكان بالذات وهذه اللحظة التاريخية من عمر العالم .. عين ثالثة ولكنها كلية هذه المرة تُمنح لك لا لكي تتفحص بها مأزقك الشخصي فحسب بل مأزق البشر الذين تورطوا مثلك في هذه اللعبة الغير مفهومة والذين لو تصادف ونظر أي منهم إلى مرآة سيجدها مشروخة أيضا وبالمناسبة لن تكون هذه صدفة بأي حال من الأحوال .

( جايز أكون مش بطل
لكن كمان ما تخلونيش كومبارس
واثبتوا لي إني صح
ولو لمرة
وإن صورة ربنا
مش بس كلمة بسملة
بتقولها أمي لما باتكعبل
وإن طهر الكون
مش بس أيام الطفولة
وجريي حافي
وكرهي المشركين في فيلم ماجدة
وخوفي م الشبشب
وبكايا
لما كان بيدخل جون ف إكرامي
وحنيني دايما إني أكبر
لجل ما اطول الجرس
( بالمناسبة
من يوم ما كبرت ما دقيتهوش )

لدى كل منا أسبابه الخاصة التي تدفعه لعدم المراهنة على أحد أو شيء .. التي تصل به لاعتبار كافة الأشياء متساوية في عدم جدواها .. قد تكون لدينا جميعا أسباب مشتركة وقد يكون أهمها هو كشفنا التدريجي والمتواصل عن زيف وهشاشة الثوابت التي زُرعت في نفوسنا وأُجبرنا على تبنيها والإيمان بها والتي حين خضنا بها معاركنا بعد ذلك أثبتت أنها ليست سوى أفخاخ كبيرة خدعتنا ببراعة وجعلتنا نصدق وعودها كي تحطم أرواحنا بانتظام ودقة على مدار الحياة .. الشاعر في هذا المقطع يحاكم المعرفة التي لقننت إليه وثبتت في وعيه ولم يعد يصدقها الآن .. ما عرفه عن الله هي بسملة أمه حين كان يتعثر وما عرفه عن براءة العالم هي الطفولة وألعابها ومشاعرها وأمنياتها المختلفة .. ربما كان يريد أن يكتشف عن الله وعن براءة العالم ما يتجاوز ذلك ولكنه لم يجد .. ربما كان يريد أن يجرب تحقق الكون الذي شكلّه الآخرون في خياله الطفولي ولكنه حينما كبر لم يعثر عليه بل وجد نفسه متورطا في كون آخر يخلو من البراءة التي كان يوقن بأنها لن تنتهي أبدا .

( كان شخص عادي
زي موته

بالليل
هرج مع زميلته بإديه
صلى العشا
بص لي بابتسامة
بسيطة صافية
زي موته

الصبح
كان الجو دافي وهادي
زي موته

جانا الخبر
فكنت عايز أسحب نفسي
من وسطهم
وأستلذ بالضحك
ف ساعة زي دي
ولما كان
وبقيت لوحدي
حسيت بحزن حقيقي
وبكيت بجد
صعب بكايا عليهم
زي موته

وف بيته
لقيتهم غيروا اسمه
بقى "الجثة"
شلتها بين إيديا
يعني شلته بين إيديا
وسمعت بنته
وهي بتصرخ عليه
فعرفت
إن موت شخص عادي
أصعب من موت الأبطال
ف كل الأفلام الثورية )

كأن العبث لا يمكن أن يكتمل إلا بموت مهمل ومنسي .. النهاية التي لا يمكن التخلي عنها كي يبقى العادي محتفظا بعاديته : مداعبة الزميلة .. الصلاة .. الابتسام .. لكن بعد الموت يحدث شيء تلقائي جدا وهو تغير اسمك إلى ( جثة ) .. الموت المتجاهَل الذي يصدمنا بالكشف عن الحياة السابقة المهمشة .. موت الآخر الذي يكشف حياتك أنت ومن ثم موتك القادم .. لأنك عادي مثله ولست بطلا في فيلم ثوري .. إذن أنت حين تبكي على هذا الشخص فأنت أيضا تبكي على نفسك وحين تحمل جثته فأنت بالتالي تحمل جثتك وحين تسمع ابنته تصرخ عليه فأنت ترى مصيرك .

* * *
http://www.mamdouhrizk.blogspot.com/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي