الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهمة انعاش الروحية

محمد عبيدو

2009 / 8 / 31
الادب والفن


ليقم الجمال‏

ذاك العذب‏

الذي يمدنا بالرهافة‏

ليقم الجمال‏

ذاك الذي يعطي لنا المعنى‏

ليقم جمال الروح حتى في الموت .

* * *

عندما بدأ الكتاب قبل قرن من الزمن يصفون تجربة الانسان الذي يشعر بالضآلة ، والضياع ، والتشوش في عالم فسيح من المؤسسات المجهولة . بدا رد فعلهم ذاتيا . مبالغا فيه ، شاذا . لكننا الآن أدركنا أن في مثل هذا العالم احساسا قد اصبح أليفا لنا .

في عصرنا الحالي تقلصت المسافات والزمن بين الاشخاص ولكن جدران الغربة بين القلوب قد تدعمت بشكل مخيف .

الانسان ابتعد عن ذاته ، عن عالمه الداخلي الحميم ، منذ ان ابتعد عن الروح والعاطفة و الطبيعة ودخل في عالم الثقافة – الصناعة .. واذ تخلق الثقافة - الصناعة تقويما للاشياء وذلك انطلاقا من تراجع الذات امام الموضوع – الشيء وغيابها، اصبحت الذات وسيلة – اداة كالشيء واصبح الابداع والفن سلعة تتحكم بانتاجها شبكة من العلاقات التي تنظم الحاجة – الاستهلاك ، العرض – الطلب .وبالتالي تشيؤ الانسان واغترابه عن واقعه وعن نفسه ومن ثم تحوله الى ما يشبه الروبوت في عالم قائم على القمع واختزال روحية الانسان وتحويل الفرد الى (روبوت ) والجماعات الى جيوش آلية ..

ان كل التقنية ، وما يدعى بالتقدم التكنولوجي المرافق للتاريخ ، ليس في واقع الامر سوى صانع اعضاء اصطناعية انه يطول ايدينا ويقوي نظرنا ويجعلنا قادرين على التحرك بسرعة . اننا نتحرك الان أسرع من أناس القرن الماضي لكننا لن نصبح أكثر سعادة منهم نتيجة ذلك ..

ان جدران المسافة في الزمان والمكان قد رفعها التقدم التقني لكن جدران الغربة بين القلب والقلب قد تدعمت بشكل مخيف . زادت حياتنا قسوة وخرابا وحروبا وانكسارا لا ينتـهي .

لقد انحسر تطورنا الروحي شيئا فشيئا وأصبحنا ننظر الى الفن والابداع على انه مجرد وسيلة تسلية او بهرجة ، وتضاءلت الثمار في المتعة وعمم الخراب المتعمد في تفاصيل حياتنا . حتى في هذه اللحظة القاسية المدلهمة بالموت المحقق نرانا نتنشق بخار المستقبل ، نرى صرخة المخيلة و السماء تغني للروح في حاجتها الملحة ، نرى تغير الشواطئ في الاعماق .. وأنا مؤمن تماما بمقولة اندريه تاركوفسكي " مهمة انعاش الروحية " فالمبدع الذي هو صوت الأعماق والجوهر الانساني وصوت شعبه ، يجب ان يخدم موهبته ويحاول أن يفسر لنفسه هدف حياته ، ويحدد القيم الروحية والاخلاقية الضرورية حياتيا ، التي تساعده مع شعبه على التطور روحيا .

قلوبنا هوة سوداء ، تعب وقلق والتباسات لا تنتهي ، و فراغ مخيف محيط بنا يدفعنا للكتابة .. نصل الى قمة توتر القدرات الروحية وتسيل الكلمات وتتجمع الينابيع حول اصابعنا مودعة .

الوقت يسيل في الكلام الذي نشتهيه ويرحل .. عبر رغبة في تسجيل الاحساس بالعزلة والتشتت على بياض الورقة .. عبر حلم باكتناه الحقيقة نبحث عن نص يبرر وجودنا ككائنات صعبة ، كائنات ضالة ووحيدة ومتروكة . وتتخذ احلامنا أبعادا جديدة من النزوع نحو الصفاء والتامل والاصغاء الى الجمال والصوت الانساني .. أبعادا جديدة من الغنى الروحي .. ليبرز نص مواز للذاكرة .و نرسم‏ من رمل الصحراء‏ قميصاً للحلم . ومن غموضنا تتدلى علامات الاستفهام لعل ثمر الاجابات يطول ابراج الحقائق .

بقول ( تاسو ) في مسرحية غوته : وحينما يلف الصمت الانسان في معاناته ، فان الها ما يهيب بي أن أصرخ بما أعانيه ."

ان علينا ان نطلق صرختنا هذه في وجه استباحة بلا حدود من آلة العنف الجهنمية المدعومة بأفضل ثمار التكنولوجيا الحديثة والتي تسحق كل نأمة حياة.. ان نحاول كسر الجمود ولو بالحزن ولو بالصرخة التي لا تصمت ولا تهادن .. الصرخة التي تعرف جيدا ماذا تقول وكيف يجب أن تستمر .. حيث انه كما يقول كامو : ثمة عدالة أخيرا في احياء الحرية ، القيمة الوحيدة في التاريخ التي لا يتطرق لها الفناء ..

* * *

شكراً للعصر الأمريكي ، شكراً لعصر البرابرة ..

فقد شحن زادنا بصرخات تكفي لسنوات مديدة بعمر الحزن ..

نشحن الكتابة بسؤال عن الحلم ..

نداوي بالحزن احتضارنا .. والضوء الذي يولد كل لحظة يعيدنا إلى أمكنتنا الأولى ، نستنطقها حنيناً وحبنا الضائعين وفردوسنا الذي نرغب أشد الرغبة أن يعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد التاجى يتعرض لأزمة صحية ما القصة؟


.. موريتانيا.. جدل حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البلا




.. جدل في موريتانيا حول أنماط جديدة من الغناء والموسيقى في البل


.. أون سيت - لقاء مع أبطال فيلم -عالماشي- في العرض الخاص بالفيل




.. الطفل آدم أبهرنا بصوته في الفرنساوي?? شاطر في التمثيل والدرا