الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء خاص مع الشاعر نعيم عرايدي

معين شلبية

2009 / 8 / 31
مقابلات و حوارات


نعيم عرايدي هو من أكثر الشعراء الذين تتمّ دعوتهم للمشاركة في مؤتمرات فكرية ومهرجانات شعرية وعالمية. فهو بالإضافة إلى كونه شاعراً عربياً يكتب في اللغتين العربية والعبرية، هو باحث وناقد صدرت له الكثير من الكتب النقدية في الأدب الفلسطيني والعربي، في الأدب العبري والأدب العالمي وأهمها مجموعتان نقديتان ودراستان في شعر محمود درويش.
ونعيم عرايدي يحمل لقب أستاذ دكتور (بروفيسور) في الأدب المقارن (العبري/العربي)، وهو مترجم وكاتب أطفال.
وقد يكون عرايدي معروفاً عالمياً أكثر مما هو معروف في العالم العربي وذلك لأن العالم العربي ينظر إلى الشعراء الفلسطينيين من منظار واحد فقط وهو من خلال خلق الانطباع العام السائد عن الشعر الفلسطيني وعدم إدراك واقعه والتغيرات العميقة التي أصابته؛ وأحياناً يؤدي ذلك إلى تغييب الاعتراف بمكانتهم الأدبية ذات المستوى الراقي.
لابدّ من الاعتراف إن تجربة الشاعر نعيم عرايدي لها مكانتها في المشهد الشعري المعاصر. هذا الحضور الثقافي في حياة نعيم عرايدي كان بمثابة الشروع لدخول عوالم جديدة أعطت وأثمرت نضوج التجربة وترسخت لديه معايير وقيم شكلت مجمل أعماله الشعرية ولفتت إليه أنظار الوسط الثقافي في العالم. حصل على عدة جوائز وتكريمات عديدة، هذا وسيكرّم عرايدي في أواخر تشرين أول 2009 في مدينة روما، وسيُمنح جائزة "الريشة الذهبية" من قبل مؤسسة "تيرانوفا" الأوروبية للفنون. والجدير بالذكر أن من الحائزين على هذه الجائزة المسرحي الإسباني الكبير فرناندو أربال والشاعر الفلسطيني موسى حوامدة.
وبمناسبة عودته من الصين مؤخراً بعد أن شارك في المؤتمر / المهرجان العالمي للشعر هناك أجرينا معه هذا الحديث:

سؤال: حدثنا ولو قليلاً عن الصين، هذه الدولة الكبيرة التي يتمنى كل واحد منا زيارتها لأهميتها المتعددة الجوانب والاحتمالات.

جواب: الصين كما هو معروف بلد في آسيا، هي الثالث من حيث المساحة في العالم بعد روسيا و كندا. تشترك الصين في حدودها مع 14 دولة. عدد سكان أكثر من مليار ونصف نسمة. تعتبر الصين البلد الأكثر سكاناً في العالم اليوم. وقد اعتزمت الحكومة الصينية تقديم حوافز مالية للفلاحين الذين يلتزمون بقانون تحديد النسل ولا ينجبون المزيد من الأطفال وذلك في مسعى للسيطرة على الزيادة السكانية والتي تأتى بعد نحو 30 عاما من تطبيق الصين سياسة متشددة تحدد النسل بطفل واحد لكل أسرة . بلاد الصين هي أعجوبة بمعنى الكلمة.. وإحدى عجائب الدنيا السبع "سور الصين"، والصين أكبر أعجوبة بشرية، الدولة التي تستطيع أن تزوّد مليار ونصف من الناس بكل شيء هي بالفعل أعجوبة.
عندما يصل الزائر إلى الصين، يصاب بصدمة. فالأبعاد والأحجام غير مألوفة، الحضارة والسلوكيات والانفعالات وما شابه مختلفة عما يعرفه الإنسان هنا في الشرق القريب وفي أوروبا وأمريكا وإفريقيا.
اللغة لا تعرف الحروف التي نعرفها، ليس نطقاً ولا كتابة ولا شكلاً. القدرات والذكاء والآداب تلفت الانتباه، باختصار، الصين الشعبية تثير الإعجاب والتقدير حتى الحسد. كل هذا ناهيك عن الجغرافيا والتاريخ والطب والتكنولوجيا.

سؤال: تعددت زياراتك ومشاركاتك في مهرجانات الشعر العالمية، الفكرية والثقافية، هل هذه الزيارة الأولى للصين؟

جواب: هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها الصين الشعبية للمشاركة في مهرجان شعر دولي للشعراء حول بحيرة تشينغهاي في التبت؛ وقد زرت الصين قبل عامين أيضاً بدعوة من اتحاد الكتاب الصيني، لإلقاء المحاضرات في مدينتي بيجين العاصمة وشنغهاي، ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول هضم واستيعاب هذه التجربة الفريدة دون جدوى، فقد يمر وقت طويل حتى أستطيع التعبير الدقيق عن انطباعاتي من جراء هذه التجربة الفريدة والاستثنائية.

سؤال: وماذا عن المؤتمر الأخير في التبت؟

جواب: ما أستطيع الحديث عنه الآن هو معلومات تفصيلية عن هذا المؤتمر؛ فقد شارك فيه أكثر من مائتي شاعراً، خمسين منهم قدموا من أربعين دولة في العالم والآخرين شعراء وشاعرات من أقاليم الصين.
لقد كان مركز نشاط المهرجان في مدينة شينينغ التي تقع على حدود التبت ومنها كان الانطلاق إلى أماكن فعاليات المهرجان، وكانت ذروته على ضفاف بحيرة تشينغهاي في التبت التي ترتفع أربعة آلاف وخمسمائة متراً عن سطح البحر، حيث تمّ تكريم شاعر الأرجنتين الشيوعي الكبير خيلمان.

سؤال: هل كانت هناك مشاركة عربية في المهرجان؟

جواب: نعم، جدير بالذكر أن الشعراء الذين مثّلوا بعض الدول العربية هم الشاعرة روز مصلح عن فلسطين، والشاعر زياد كاجا عن لبنان. هذا وقد ترجمت بعض قصائد الشعراء المشاركين إلى اللغة الصينية وجمعت في كتاب ضخم تمّ توزيعه على الحضور.

سؤال: اختار منظمو المهرجان عنوان " العلاقة بين الواقع والشعر" شعاراً لمهرجانهم الكبير، ماذا قدّم الشعراء في خطابهم حول المشهد الشعري الراهن؟

جواب: لقد قدّم بعض الشعراء أوراقاً عن موضوع المهرجان/المؤتمر، طرح الشعراء من خلالها وجهة نظرهم وموقفهم من الشعر والواقع، وقد وجدت كما أجده في كل مكان أشارك فيه في العالم ضمن مهرجانات ومؤتمرات كهذه- أنّ همومنا تختلف عن همومهم وأن واقعنا اليومي والإنساني يختلف عن واقعهم.. لي بشكل شخصي على مستوى الفرد والقوم والإنسان- الجغرافيا والسيكولوجية- شعرُ همٍّ مختلف وهمُّ شعرٍ مغاير، ومع ذلك لا أحسدهم! أما الشعر الصيني والعالمي الذي قرأته وسمعته هناك فهو موضوع لدراسة ستأتي في المستقبل.

سؤال: هل استطاع الشاعر العربي تأكيد ذاته بشكل عملي وفلسفي في المؤتمر؟ أم أنها قضية شائكة في ثقافتنا العربية؟.

جواب: مرة تلو الأخرى أتحقق من جديد أن أكثرية الشعراء العرب لا يفقهون التعبير عن ذاتهم وقضاياهم بالشكل الجدير إزاء الزمان والمكان؛ ولأن العرب عامة لا يعرفون فنّ الاعتراف، أي لا يشرّحون بشفافية ذاتهم تشريح المراقب والناظر إليها من بعيد.. لذلك كلما تعرفت على شاعر عربي جديد يزداد احترامي للقلائل الذين عرفتهم وشدتني أساليب وأدوات تعبيرهم للمواقف الإنسانية بشكلها الجمالي. أعود دائماً واستذكر محمود درويش، أدونيس وموسى حوامدة وآخرين.

سؤال: أعرف أنه لك علاقة حميمة مع الأماكن؛ هل قمت بزيارة مواقع خاصة في هذه المنطقة المهمة من العالم؟

جواب: لقد تغيبت عن بعض الجلسات في المؤتمر لزيارة موقعين هامّين في مدينة شينينغ خوفاً أن تفوتني زيارتهما، الحي الإسلامي في مدينة شينينغ الذي يعج بالسكان الذين يتمتعون بديناميكية مميزة وحيوية بارزة. سوق الحي الأكثر إدهاشاً مزدحم بالمستهلكين الذين تتوفر لديهم إمكانيات الشراء من الحوانيت الضخمة التي لا ينقصها الشيء.. زحمة الألوان وزهوّها تحتل مكاناً رئيساً في كل مكان؛ وهناك زرت المسجد الكبير الذي يعد تحفة في التصميم والضخامة.
أما الموقع الآخر الذي ذهبت لزيارته وأردت لو أمكث فيه لأيام هو معبد بوذي على تلة بارزة في المدينة. أجواء هذا المعبد أشبه بهمزة وصل بين الإنسان والسماء. الهدوء والسكينة هما روعة هذا المكان وطمأنينته.. أوقدت بعض عيدان البخور على خلفية موسيقى بوذية لن أنساها أبداً.
بعيداً عن أجواء المهرجان، أرجو أن تجيبني ولو باختصار على بعض الأسئلة المهمة:

سؤال: تحدثنا عن مشاركتك الأخيرة في مهرجان الشعر العالمي في الصين، ماذا عن المهرجانات الأخرى التي شاركت فيها وما أهمية هذه المشاركات على الصعيد الشخصي والعام؟

جواب: تتمّ دعوتي إلى العديد من المؤتمرات والمهرجانات العالمية للفكر والشعر، ولمشاركتي فيها أهمية كبرى، فبالإضافة إلى الإثراء المتبادل والتجربة العالمية التي تنقلنا من المحلية والإقليمية إلى العالمية، فإننا نتعرف على شعراء من أنحاء العالم وعلى شعرهم وعلى أفكارهم ومواقفهم تجاه ما يحدث للمجتمع الإنساني من تقلبات وتطورات، نتبادل المشاعر فتتجدد حقيقة المقولة أن الشعر هو لغة، لغة عالمية يعرفها الجميع رغم الفروق اللغوية والحضارية. الشعر هو لغة الإنسان، وهو أجمل تعبير لهموم البشر المشتركة.

سؤال: نحن نعرف أن المؤتمرات الفكرية والأدبية والثقافية تحمل أهمية قصوى في طرح قضايا معاصرة للمجتمع الإنساني.. أين يقف المثقف العربي من هكذا المؤتمرات وما حجم مشاركته وتأثيره على مجرى الأحداث؟

جواب: أبدأ من البديهة التي لا جدال حولها، هو أن الشعراء العرب الكبار هم شعراء منفيون، وفي منفاهم يجدون-يا للغرابة- حرياتهم ويمارسونها في الشعر والفكر.. بدءاً من الجواهري وأدونيس ومحمود درويش والبياتي وغيرهم. الشاعر والأديب والمفكر لا يستطيعون أن يكونوا كذلك إلا إذا كانوا أحراراً. وعندما لا يجد الأديب حريته فهو لا يستطيع أن يبدع. ولهذا السبب ألتقي شعراء عرباً يأتون من بلادهم فأشعر بخيبة أمل كبيرة لأنهم ليسوا أحراراً في فكرهم وفي شعرهم، ولهذا لا يقدمون ما فيه الكفاية في المؤتمرات والمهرجانات.

سؤال: يقول أدونيس في حديث أخير له أن الحضارة العربية دخلت طور الانقراض، وقال خلال ندوة ثقافية أن جميع الحضارات الكبرى في التاريخ انقرضت من السومريين إلى البابليين والفرعونيين بمعنى أن الطاقة الخلاقة عندهم انتهت، اكتملت دورة الإبداع ولذا فإنهم ينقرضون بحيث لم يعد لهم حضور خلاق في الثقافة الحديثة الكونية. ما تعقيبك على ذلك؟

جواب: أختلف مع أدونيس إذا كانت فكرته هذه منقولة بدقّة. فالشعر العربي قام بانطلاقة هائلة في خمسينيات القرن الماضي؛ إلا أن هذه الشعلة آخذة بالإنطفاء، وهذه حقيقة. انشغال الشعراء العرب المتواجدين في أوطانهم بالأحداث المرتبطة بالزمان والمكان هو ما أبعدهم عن جمرة الإبداع. القيود وليس السياسة فقط التي تربّطهم هي ما يطفئ شعلة الإبداع لديهم. هناك ظاهرة الآن آخذة بالاتساع هي كثرة الشعراء العرب في منفاهم. آمل ألا يسميها التاريخ " الشعر العربي المهجري الثاني ". فمن هذا المنفى سينطلق الإبداع الشعري العربي، والله أعلم!.

سؤال: كان أثر الشعر العربي منذ بداياته الأولى شديداً للغاية، لكن حال الشعر والشعراء في زماننا لا يطمئن.. مع العلم أن لكل عصر صوت غير الصوت. سؤالي هو: هل الشعر العربي يمر في أزمة ما، فتور ما، واقع جفاء مع المتلقي، وما مستقبل هذه العلاقة خاصة بعد رحيل الشاعر محمود درويش؟

جواب: لا يمكن الحديث عن الشعر العربي والفلسطيني خاصة بعد محمود درويش. ولكن، لم يمر الوقت الكافي لفحص ذلك. محمود درويش هو ظاهرة إبداعية لمرة واحد تحدث مرة في القرن، والشعر العربي لم يكن ولن يكون مرتبطاً بشاعر معين أو بظاهرة شعرية معينة مهما كانت مميزة.

سؤال: نعرف أن التصوف ظاهرة من الظواهر النفسية التي كان لها أثر كبير في الشعر العربي ولا سيما بعد أن اشتد اختلاطنا بالأمم المفتوحة. إلى أي مدى اثر الخطاب الصوفي في تجربتك الشعرية؟

جواب: التصوف هو شيء والنفحات الصوفية هي شيء آخر. التصوف الإسلامي كان له أثر كبير على شعراء العالم، فهي موجودة لدى كل إنسان ولدى كل شاعر حقيقي لأن النفس البشرية تحمل هذه الطاقات وتعشقها؛ والشعر في الأساس هو عدو الواقع. وهذه هي المعادلة.

تمت








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دمار شامل.. سندويشة دجاج سوبريم بطريقة الشيف عمر ????


.. ما أبرز مضامين المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار في غزة وك




.. استدار ولم يرد على السؤال.. شاهد رد فعل بايدن عندما سُئل عن


.. اختتام مناورات -الأسد الإفريقي- بالمغرب بمشاركة صواريخ -هيما




.. بايدن: الهدنة في غزة ستمهد لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسر