الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نزار قباني الشاعر الذي رأى

هادي الحسيني
(Hadi - Alhussaini)

2009 / 9 / 1
الادب والفن



منذ الصغر وحتى بدأنا نفهم القليل من الشعر كانت قصائد نزار قباني هي الأسرع الى دخول قلوب المتذوقين وصاحبة الفعل المؤثر لدى الشباب والفتيات بشكل خاص ، جراء عذوبة جملته الشعرية التي تنساب بهدوء لتدخل القلب العاشق تحديداً ، كما وأن غالبية قصائده مكتوبة بلغة بسيطة وسهلة الامر الذي مكنها اختراق حاجز ذوق القارئ بسهولة تامة ، ليبرزالشاعر نزار قباني كواحد من عمالقة الشعر العربي الحديث الذي جاء بعد القصيدة الكلاسيكية ، ولعل رواد الشعر الحديث ، نازك والسياب والبياتي وآخرون قد ساروا في بداياتهم بالطرق القديمة لكتابة القصيدة ولكن سرعان ما كتبت نازك الملائكة قصيدتها الكوليرا بالتفعيلات المتعددة التي خرجت عن سياق نظام البحور التي تقيد الشاعر بتفعيلة واحدة ، وما ان نجحت التجربة حتى أستمر الكثير من الشعراء الكبار بتجريب هذا النوع الشعري الذي كسر القواعد الكلاسيكية الى الحداثة ، وكان نزار قباني احد هؤلاء الكبار الذين أستطاعوا الخروج عن المألوف في الشعر وظل يخاطب المرأة بطريقة غاية في الجمال والرقة ، كما وان هذا الشاعر الكبير استطاع ان يجعل من شعره لسان حال المرأة العربية المقهورة المظلومة من قبل مجتمعاتنا التي كانت ومازالت تعتبر المرأة عبارة عن جسد آيل للتبديل في أي وقت ممكن ، إلا أن قباني طرح في قصائده كل النقاط الحساسة التي تخصها وبين عيوب المجتمعات العربية التي تعاملها معاملة اكثر من قاسية .

وليس غريباً على شاعر مثل نزار قباني المفعم بالحب والاخلاص للمراة أن يكرس شعريته لهذا المخلوق الجميل والذي يعتبر عشق العالم ، فالمرأة في نظره هي الأم وهي الحبيبة وهي الزوجة والاخت والابنة .
في تاريخ الشعر العربي الحديث وحتى الآن لم يتمكن شاعر عربي في الوصول الى الشهرة الكبيرة في كافة البلدان العربية مثل الشاعر نزار قباني فقد وصلت وتعدت شهرته الى الطفل والشيخ بعد ان كانت مقتصرة على الشباب ، وجاءت هذه الشهرة الواسعة والكبيرة ليس فقط من خلال كثرة الدواوين الشعرية وانتاجه الغزير فقط ، بل من قصائده الرائعة التي ما افاق منها الا وقد اصبحت تتردد على كل شفاه من خلال بعض المطربين الكبار الذين استطاعوا أن يتغنوا بقصائد نزار ويتفاعلوا معها بالطريقة التي كانت تنسجم مع عذابات الشاعر التي يحسها خلال كتابته لقصائده ، فكان عبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة قد غنوا اروع أغنياتهم من قصائد نزار قباني الامر الذي جعل المستمع العربي لهذه الكلمات الساحرة ان يرددها باستمرار حتى يومنا هذا ، وقد نجح نزار قباني كذلك في كتابته للقصيدة التي تتحدث عن الشعوب المقهورة والتي تقاوم الاحتلالات وكانت رائعته التي غنتها ام كلثوم ، ( اصبح عندي الان بندقية ) خير شاهد على قصائده الوطنية التي أثرت بفعها داخل الشارع العربي بشكل عام ، يوم كان فعل الكلمة بالشعر كفعل الرصاصة حين تسدد للعدو في ارض المعركة ، نجح نزار قباني في ايصال قصيدته الى ابعد نقطة في الوطن العربي وهو كذلك ، فناشد المرأة وتحدث عنها الكثير وبطرق مختلفة عما كان يتحدث به الشعر العربي بشكل عام ، ولهذا لقب بالقاب كثير وكان اهمها شاعر المرأة الذي طغى على شهرته ، لكن الجوانب الانسانية الاخرى التي تناولها في شعره لا تقل أهمية عن تناوله لقضايا المرأة .
أن رحيل نزار قباني قبل عشرة اعوام كان بمثابة خسارة كبيرة للساحة الشعرية العربية والتي لم تستطع حتى هذه اللحظة أن تنجب شاعراً بمستوى نزار ، ولم يشغل مكانه ولو بعد عقود طويلة شاعر آخر ، ولهذا يعتبر الشعر العربي الآن في حالة ركود كبيرة بعد رحيل رواده الكبار باستثناءات محدودة جداً .

لقد شغل شعر نزار قباني وعلى مدى عقود قلوب المتيمين بالحب والعذارى ، وتمرد على الطغيان والاحتلال ، وأنحاز في كل جوانبه الى الانسان وعشقه لارضه وحبه لها ولحبيبته ، فكان ينضح بالانسانية المفعمة بالعشق الذي لا ينضب وأستمر على هذا النحو ومازال حتى بعد رحيله بعقد من الزمان مضى ، وعلى الرغم من أن أنجاز نزار قباني الشعري الكبير لم يأخذ حصته الكافية من النقد العربي الذي ظل ومازال يتخبط برموز وهميين حسبوا على الساحة الشعرية بطريقة أو باخرى نتيجة المجاملات الزائدة التي تخللتها مسيرة النقد العربي !

وفي عام 1998 حين سمعنا بنبأ رحيل الشاعر الكبير نزار قباني في لندن ، كان حزناً قد خيم ليس على المشهد الشعري والساحة الثقافية العربية فحسب إنما الشارع العربي برمته أنتابته موجة حزن فريدة من نوعها ، ولعل أجيال العشاق التي تعاقبت على قراءة شعر نزار والهيام في عذوبة جملته كانوا أكثر حزناً من الاوساط الثقافية التي ودعته الى مثواه الاخير ، ولم تتغير الذائقة الشعرية عند قاريء شعر نزار قباني بعد كل هذه السنوات التي مضت على عجل منذ رحيله ، لا بل تعمقت تلك الذائقة وكانت ومازالت دواوين نزار الاكثر مبيعاً من كل الشعراء الذين عاصروه او الذين سبقوه ، أنه حالة فريدة في الشعر العربي منذ عصر الجاهلية وحتى يومنا هذا ، وسيبقى شعر نزار قباني علامة فارقة في تاريخ الشعرية العربية الى مئات السنين وتبقى كلماته الاكثر تردداً على شفاه المحبين والهائمين بجمرة الحب التي لا تتوقف ابداً ، أنه عراب الحب الخالد في القلوب وذلك لان هذا الشاعر هو الذي رأى كل شيء ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟