الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطن: حقوق أم شعارات

محمد منصور

2004 / 5 / 19
حقوق الانسان


- لا تحولوا الوطن إلى مطالب وشكاوى شخصية.
- لا تغلّبوا الرؤية المرحلية التي قد نختلف حولها، على الرؤية الاستراتيجية التي لا اختلاف حولها.
- لا تغرقونا بالجزئيات التي قد نتوه فيها، ودعونا نتحدث بالعموميات لأنها تعطي الصورة الكاملة لمشكلات وهموم الوطن!
هذه اللاءات الثلاث، باتت في الآونة الأخيرة عناوين أساسية، لأي حوار يستهدف الحديث عن واقع الإصلاح والتطوير في سورية.. عناوين يطالبنا بها أصحاب نظرية: البلد بخير.. والتطوير جاري على قدم وساق.. والمستقبل الزاهر بانتظارنا!
 احتقار الألم الشخصي للآخرين
لكن واقع الحال.. يقول أن مثل هذه الأفكار التي تحاول أن تدعي الرصانة والحرص على مصلحة البلد، والتسامي فوق الصغائر، ما هي إلا دفاع عن مصالح ومواقع وقوى.. إن لم نقل إنها مستفيدة، فهي – بحسن نية واضح وجلي- منفردة ومتفردة بالرأي والقرار!
إنها لاءات لأناس – رغم احترامنا الأكيد لوطنيتهم- لا يعرفون معنى الألم الشخصي في الوطن.. لأن امتيازاتهم ومواقعهم تحميهم من مقاربة هذا الألم، وهم لا يعرفون معنى أن تكون مقموعا ومهاناً ومحاصراً في لقمة عيشك، لأنهم اعتادوا أن يبدؤوا سلم أولوياتهم الحياتية من مرتبة أعلى من هذه المشكلات، أي من البحث عن ارتقاء وظيفي إلى مناصب عليا، أو السعي للحصول على امتيازات سلطوية أكبر، أو تحقيق إثراء (مشروع ربما) لكنه لا يعرف حدود الشبع!
وهكذا فالفرق واضح بين من يئنون تحت وطأة الفساد والقهر، ثم يطلب منهم فوق ذلك ألا يحولوا الوطن إلى مطالب وشكاوى شخصية، وبين من يستفيدون من معادلات الوضع القائم التي تكفل لهم حرية المزيد من الإثراء، والمزيد من استخدام القوة والسلطة لغايات شخصية، والمزيد من التمتع بالملذات والامتيازات، ثم تصبح هذه الغايات الشخصية هي الوطن، وهي المصلحة العليا للوطن، التي يجب أن نناقشها بالعموميات لا بالجزئيات؟
ولماذا العموميات؟!
- لأنها ببساطة تخفي الفضائح والكوارث التي تحفل بها الجزئيات.. وتوفر علينا نشر الغسيل الوسخ
- ولأنها ببساطة تعفينا من ضرب الأمثلة المحرجة، التي يزخر بها واقع أكثر إحراجاً
- ولأنها ببساطة تسوغ الفساد باعتباره استثناء لا يستحق الوقوف عنده، وتقدم النظرية العامة باعتبارها القاعدة والمثال التي تجب أن نؤمن بها إيمانا أعمى
- ولأنها ببساطة – أيضاً.. وأيضاً - وسيلة مضمونة للهروب من الواقع المعاش إلى النظرية الشعاراتية.. وهاهنا ثمة مسارب ومتاهات كثيرة يمكن أن يتوه فيها الحوار، ويبتعد ويقترب، وتضيع فيه المعالم الحقيقية للواقع، فنغدو كمن ينظر إلى بلده من نافذة طائرة، فيراها بمجملها جميلة ونظيفة ومتناسقة، لا أثر فيها لمخالفات أو أبنية عشوائية، أو شوارع محفّرة، أو قمامة ملقاة على قارعة الطريق!
 استراتيجية العمر الضائع
والشيء ذاته ينطبق على الرؤية الاستراتيجية والرؤية المرحلية.. فإذا كان المواطن المقهور والجائع يتهم من قبل منظري الفساد والاستبداد – فوق قهره وجوعه- يتهم في عقله وقصر نظره.. وبأنه لا يرى أبعد من أنفه، فإن الرؤية الاستراتيجية ستطالبه على الدوام بأن يصبر على الكوارث والمظالم التي تحيق بحياته مرحلة وراء مرحلة، وبأن يظل متمسكا بصبره وقهره.. بينما يستمر الآخرون في فسادهم ونهبهم وسوء استخدام سلطاتهم، وهم مؤمنون حقا بأن الرؤية الاستراتيجية لمسيرة تطور الوطن، هو الشعار الذي يعفيهم من أن يحاسبوا، أو ترى ارتكاباتهم تحت مجهر الرؤية المرحلية القصيرة النظر!
وهكذا علينا أن نضيع أعمارنا، بانتظار أن نصل إلى رؤية استراتيجية تتحقق فيها رفعة الوطن وازدهاره.. وعلينا أن ننتظر وننتظر حتى يأخذ الله أمانته، ونحن ننظر للوطن من منظار العموميات، ونموت قهرا وكمدا تحت وطأة جزئيات كارثية لا تحتمل، رغم أن السكوت عنها- كما يريد منا رجال السلطة- هو منتهى الوطنية، وقمة التسامي على الصغائر التي هي أحلامنا وحياتنا ومستقبلنا، وهامش إنجازاتنا في هذه الحياة.. ليس أكثر!
 الصمت.. والصبر المرير!
والآن هل أدركتم معنى أن نصمت، ولماذا يجب أن نخجل ونخرس حين تكون القضية التي نناضل من أجلها هي قضية حقوق شخصية لمواطنين مهمشين.. بينما حق الآخرين من أبناء ورجال السلطة في الإثراء والاستئثار والتسلط، هي قضية وطنية نبيلة!
هل أدركتكم أي وطن يريدونه لنا؟!
إنه باختصار الوطن الذي يجلسون فيه على كراسي سلطاته إلى ما لانهاية، ويحققون إثراء من أمواله إلى ما لانهاية، ويمارسون علينا قهراً باسم الحفاظ على أمنه إلى ما لا نهاية.. ثم يحولون هذا الوطن في حياتنا المعاشة، إلى مكان تتكسر فيه أحلامنا الشخصية، وتعاق فيه نجاحاتنا الشخصية، وتضيع وتنتهك فيه حقوقنا الشخصية، تحت شعار: لا تحولوا الوطن إلى مطالب شخصية.. ولا تغلبوا الرؤية المرحلية على الرؤية الاستراتيجية.. ولا تغرقونا بالجزئيات بل دعونا نتحدث بالعموميات.. فهاهنا: الصورة الكاملة لمفهوم الوطن!
 دمشق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صلاحيات ودور المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي جرائم ا


.. كلمة أخيرة - أمل كلوني دعمت قرار الجنائية الدولية باعتقال نت




.. لميس:رغم اختلافنا مع بعض مضمون قرار الجنائية الدولية لكنه و


.. كلمة أخيرة - من هو كريم خان الذي طالب باعتقال نتنياهو؟




.. مسؤولون فلسطينيون: التصعيد الإسرائيلي في جنين رد على طلب الم