الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضية صعدة في اليمن: وجهة نظر في الإشكال والحل

محمد القاهري

2009 / 9 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يجري الحديث عن قضية صعدة ولكن دون تعريف دقيق لها. وفي وجهة النظر هذه اقترح تعريفاً يرتكز على تعيين متغيرات للقضية في حقلي الإشكال والحل. ذلك انه لايمكن حل اية قضية دون تعيينها في متغيرات تكون هي حامل الاشكال واداة العمل لتطبيق الحل.
فعلى مستوى المفاهيم، مثلما كانت هناك صحوة اصولية على صعيد التيار السني في اليمن من المنتظر ان تكون هناك صحوة اصولية على صعيد المذهب الزيدي. فهذه الصحوات تنتج عن انتشار المدارس، حيث ان تعميم التعليم يكسب اعدادا كبيرة من الناس قدرة القراءة والتحليل، فيوظفوا هذه القدرة في عملية تقييم النماذج المكنة في تنظيم المجتمع بدءاً بالاصول (او الموروث) في الثقافة والتاريخ الاسلاميين.
والصحوة الاصولية على صعيد التيار السني في اليمن اخذت مداها، حيث طورت مؤسساتها الدعوية من خلال انظمة التعليم والاعلام والمساجد وموسسات سياسية تمثلت بالفصائل الاسلامية التي انضوت تحت لواء حزب الاصلاح وجماعات السلفيين.
الصحوة الدينية في المذهب الزيدي في اليمن أتت متأخرة نسبياً بسبب تأخر التعليم بشكل عام في اليمن من جهة، ومن جهة اخرى بسبب استقلالية الزيدية عن التيار الشيعي في العالم الاسلامي. فهذه الاستقلالية اضعفت كما يبدو تبادل الزيدية مع صحوة التيار الشيعي فلم تظهر الصحوة الصريحة في الزيدية الا بشكل متأخر مع نشاط الشباب المؤمن وتنظير حسين الحوثي.
لكن عكس الصحوة على صعيد التيار السني فان الصحوة في الزيدية لم تأخذ مداها وانما ووجهت بالتضييق. ويرجع ذلك لاسباب تأتي من اربعة مصادر. الاول التحالف الحاكم، اذ يبدو من خطاب الرئيس صالح انه يقدر ان هذه الصحوة تمثل احتمالا جديا لانتزاع السلطة من التحالف او لمنع توريثها فيه. والثاني، ثقافة سائدة لدى اطراف في الطبقة السياسية (سلطة ومعارضة) تتصرف وكأن للدولة اليمنية مذهباً رسمياً هو مذهب السنة والجماعة بينما المذهب الزيدي مذهب فرعي ينبغي ان يلحق بالمذهب الرسمي. والملاحظ ان نفس ثقافة الضم والالحاق هذه هي التي ووجه بها الجنوب في ظل الوحدة وتسببت في ظهور القضية الجنوبية. والثالث، مجموعة اعتبارات نظرت الى الصحوة في الزيدية وكأنها تحول إلى الشيعة المعروفة في إيران والعراق،،،الخ ومن ثم ابتعاد عن المذهب الرسمي وعن الزيدية نفسها. والخوف من هذا التحول مبالغ فيه لان الصحوات العقائدية تبدأ عادة بالطفور ثم تعود إلى الاعتدال للتوازن مع بيئتها كونها أصلا وليدة البيئة أكثر منها وليدة التأثيرات الخارجية. والمصدر الأخير يرجع إلى اعتبار أن شعار حركة الحوثيين يستعدي الخارج أكثر مما هو عليه الحال بينما المفترض في الحركات الاجتماعية غربلة العلاقات الدولية لاستدعاء المنافع فقط. ولكن ايضاً هنا فإن مصير الاعتدال الذي افترضناه بالنسبة للمصدر السابق والوصول إلى حل للقضية سيؤديان إلى اختفاء او تعديل الشعار.
اذاً هذا التضييق على الصحوة في الزيدية هو أساس قضية صعدة.
وعندما ننتقل من مستوى المفاهيم هذا إلى المستوي التطبيقي أي نحول القضية إلى متغيرات ملموسة كما اشرنا فان قضية صعدة تتحدد بثلاث متغيرات: 1- خفض الحقوق الثقافية والسياسية لأتباع الصحوة في الزيدية، 2- رفع وتيرة العنف المادي ضدهم، 3- رفع وتيرة العنف المعنوي ضدهم.
1- فبالنسبة لمتغيرة الحقوق فمن الواضح انه يتم خفض الحقوق الثقافية والسياسية لأتباع الصحوة الزيدية. ويمكن الإشارة إلى عدة عناصر على سبيل الذكر وبوسع القراء إضافة عناصر أخرى اذا اتفقوا مع هذا الطرح.
ففي الجانب الثقافي، من الواضح انه كان لممثلي التيار السني التأثير الغالب في إعادة صياغة مناهج التربية الإسلامية والتاريخ في التعليم العام. فصاغوا محتويات المقررات وفق رؤية الصحوة السنية لتعمم على جميع المدارس في الجمهورية. بينما كان من المفترض ان يترك لممثلي الصحوة الزيدية وضع رؤيتهم لمقررات المناهج ضمن صيغة توفيقية، أو على الأقل للمقررات التي تدرس في المناطق الزيدية مع ترك الحق لطلبة المدارس في المناطق المختلطة لاختيار مقررات إحدى الرؤيتين حسب انتمائهم أو ميولهم.
وعنصر آخر ذو طابع ثقافي برز من خلال نفوذ السنيين من السلفيين في المساجد والمدارس والمكتبات الواقعة تقليدياً في نطاق الزيدية. ولا غبار على النفوذ في حد ذاته لو كان طوعيا وإنما انه نتج عن عدم تكافؤ خلقه دعم التحالف الحاكم المالي والسياسي المبكر لأتباع الصحوة السنية بينما قوبل دعاة الصحوة الزيدية بالتضييق. فمثلاً تتمتع جامعة الإيمان ومراكز السلفيين بحرية كبيرة ودعم مالي حكومي بينما يتم التضييق على نشاط مركز بدر الزيدي في صنعاء. كما أن هناك إنكار لبعض الطقوس الخاصة بالزيديين كعيد الغدير.
وفي الجانب السياسي والاقتصادي، الصحوة السنية ممثلة تنظيميا من خلال حزب الإصلاح والجماعات السلفية التي تحظى برعاية الحكومة بالإضافة إلى منظمات مدنية خيرية ومؤسسات إعلامية عديدة ومؤسسات اقتصادية مثل البنوك والشركات الإسلامية. بينما تم تدمير وحل حزب الحق الذي اعتبر ممثلا للزيديين الهاشميين وتم ضم عناصره إلى حزب الحكومة ثم عندما استقلت هذه العناصر للعمل من خلال الشباب المؤمن عوملت بالعنف كمخربين وتعرض الكثير من مريديهم للسجن والإخفاء القسري. ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإعلامية محدودة العدد والنشاط والمؤسسات الزيدية ذات الطابع الاقتصادي معدومة تقريباً.

2- وبالنسبة لمتغيرة العنف المادي، فتتمثل برفع وتيرة الحرب الشاملة ضد الحوثيين بدلا من الاستجابة لمطالبهم الحقوقية التي تفرضها الصحوة في مذهبهم فضلا عن التصفية الجسدية لزعيم الصحوة حسين الحوثي ولآخرين من أسرته وأتباعه وتعرض آخرين كثيرين للحبس والتعذيب والإخفاء القسري والحصار. بل إن الذين يغلبون خيار الحرب في التحالف الحاكم وفي المعارضة يريدون الوصول بها إلى إبادة الحوثيين كلية أو نفيهم كسبيل للقضاء على مطالبهم. وفي ذلك مخالفة أخلاقية وقانونية من حيث أن الموقف يقدم أولوية الإمكان الفني على أولوية الحق الإنساني، بمعنى انه لو كان التحالف الحاكم يمتلك فنياً القدرة العسكرية لأعطى الأولوية لإبادة دعاة الصحوة (الحوثيين هنا) على الاستجابة لمطالبهم الإنسانية، رغم أن خيار الاستجابة هذا اقل كلفة على المجتمع من خيار الحرب والإبادة.

3- وبالنسبة لمتغيرة العنف المعنوي فيتمثل في خطاب إعلامي للتحالف الحاكم عنيف ومتجاوز يلصق بالحوثيين وأتباعهم التهم التي تشوههم وتحمل الرأي العام المحلي والخارجي عليهم. ويستمر هذا الخطاب حتى أثناء الهدنة والشروع في حوار لحل القضية.

خلاصة: الحل
حل القضية يمر عبر العمل من خلال المتغيرات الثلاث بالاتجاه التالي:
إيقاف العنف المادي، أي إيقاف الحرب فوراً وعدم العودة إليها تحت أي مبرر.
الامتناع عن العنف المعنوي، أي إيقاف الحرب الإعلامية التي تشوه الحوثيين.
منح أتباع الصحوة الحقوق التي يطالبون بها، وقد اشرنا أعلاه إلى بعض عناصر تلك الحقوق.

في آليات منح الحقوق
لدينا معضلة منهجية دائمة في اليمن وهي ان القوى السياسية حتى عندما تنطلق من حسن نية ومصداقية لحل المشاكل فإنها تفشل في ذلك لأنها تظل تدور في حقل المفاهيم دون الانتقال الى آليات او متغيرات التنفيذ. والمحاولة أعلاه لتعريف القضية من خلال متغيرات تعطي بذاتها فكرة عن الآليات الواجب الأخذ بها لنجاح الحل. ومنها:
1- إقرار الفيدرالية بتقسيم جيوغرافي وتوزيع اختصاصات جيدين يمكنان سكان المناطق المعنية بالصحوة الزيدية من إدارة شؤونهم المحلية وفقاً لحاجات وتطلعات السكان، مع ملاحظة ان تمتع هؤلاء السكان بحقوقهم لايخفض حقوق سكان المناطق الأخرى. ويندرج ضمن هذه الاختصاصات: - إدارة عملية التعويض وإعادة الاعمار بالتنسيق مع السلطة المركزية والمجتمع المدني، - حفظ الأمن، - تخطيط وإدارة التعليم العام، - تنظيم وتشغيل وسائل الإعلام الحرة السمعية والبصرية والمقروءة، - تأطير أنشطة الإرشاد والتوجيه الديني، - فضلا عن المشاركة الفعالة في تخطيط وإدارة عملية التنمية ومكافحة الفقر، - وإدارة حشد وتحصيل موارد الضرائب والرسوم المحلية.
2- تحسين التمثيل السياسي لأطياف المجتمع على صعيد الحكم المركزي وذلك عبر اعتماد آليات لتداول السلطة بفترات متقاربة زمنياً وآليات أخرى تضمن عدالة أنظمة الاقتراع، وكذا منح حصص متكافئة لمختلف الأطياف في شغل مناصب المؤسسات المركزية (الجيش، القضاء، السلك الدبلوماسي، الجمارك، ،،،،الخ).
3- إثراء مقررات التربية الإسلامية والتاريخ لمدارس المناطق الزيدية والمناطق المختلطة بتضمينها وجهة نظر دعاة الصحوة في الزيدية.
وللشروع في الحل يمكن بشكل استثنائي إجراء انتخابات محلية مبكرة على مستوى مناطق الخلاف والحرب يتم على إثرها نقل اختصاصات الفيدرالية والميزانيات الموافقة لها إلى السلطة المحلية المنتخبة في هذه المناطق.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ