الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شرهان والشيخ { ماهود } أبو الخرز

مديح الصادق

2009 / 9 / 3
كتابات ساخرة



سيداتي , سادتي الكرام , طاب مساؤكم , وسعدت لديكم الاوقات

كعادته في قض مضجعي , آخر الليل , عاود الاتصال بي شرهان

لكن المرة هذه ليست كالسابقات , بالهاتف , فقد بشَّرني بأنه أجاد استخدام ثمار ثورة المعلومات , وهاهو يكتب ما يريد , ويوصله لمن يريد , عبر الكمبيوتر , والإنترنت , رحم الله الإنترنت , والذين اخترعوه , فخلصوني من مشاكسات شرهان , في عزّ النوم



بدأ الرسالة - مثل جده أبي إسحق الصابي - بالشكر والتحميد , والدعاء , وحسن الابتداء بتعداد مناقب المخاطبين , وحسن صفاتهم , بعيدا عن النفاق , والرياء , ليستدرج قارئ خطابه , فلا يجد نفسه إلا منغمسا في متابعة المكتوب على اللوح حتى آخر حرف فيه متلهفا , إما لمزيد , أو للعودة من حيث ابتلع الطعم





واصلت القراءة حتى قوله : رحم الله والدي , كان معلمي في الحياة , ومرشدي بعد الموت , ما أن تفتحت بصيرتي حتى انهال على بسيل
من الوصايا , والدروس , يطعمني إياها كل يوم , صباح مساء , قبل النوم , وبعد أن أستفيق , مرَّة بأسلوب خبري , خال من المؤكدات , وأخرى إخبارا طلبيا , أو إنكاريا , مما أدركتُه بلاغيا بعد حين , ومرَّة يوظف في درره أساليب الإنشاء , استفهاما , أمرا , نهيا , تمنيا , وغير ذلك من رصيده في مفردات اللغة , أو أصول الكلام



الوصية التي كانت وما تزال ترن في أذني كانت نهيا قد خرج إلى النصح والإرشاد : إيَّاك والغرور , فإنه قاتل مجهول , لا تكن مثل

الشيخ { ماهود أبي الخرز } . يرددها على مسمعي كل يوم عدة مرات , لكنني لم أكن في سن تؤهلني لمقاطعة الكبار , والاستفسار عمَّن هو { ماهود } الذي حفظته أكثر مما حفظت من مبادئ الصلاة التي لم أفهم منها شيئا , إلا جملا شربتها عن ظهر قلب من جدتي , فهي مسكينة , مثلي , تردد ما سمعته من رجل الدين الذي لا يقوى على فك حرف من الكتاب المخطوط باليد , الملفوف بأكثر من قطعة قماش , المقبوض عليه بكلتا يديه , كأنه أثمن كنز


صبرت - والصبر سلاح الشجاع - حتى اختط قليلا شارباي , وأحسست أن الخشونة في صوتي بدأت تلفت الانتباه , خصوصا عندما أجد نفسي بين مجمع للنساء , إذ يسارعن - وما كنَّ كذلك من قبل - إلى إخفاء ما لم يُولينَّه أهمية , أحاضرا كنت , أم غادرت ؟

استجمعت قواي وطالبت والدي أن يُطلعني على حقيقة { ماهود } الذي بات بالنسبة لي كما تفعل المقبلات قبل الأكل , فانفرجت أساريره , وأشرق محيَّاه , سارع إلى تغيير هيئته , كما يفعل عندما

يغادر إلى مقهى المحلة كل يوم , أنيقا , ذواقا في اختيار , وتجانس

ألوان الملابس , على بساطتها , المسبحة الكهرب , علبة التبغ واللفافات , قداحة الغاز , الغترة الحمراء , والعقال المرعزي المائل

قليلا إلى اليسار , مع خصلة شعر على الجبين , علامة الشباب الطامعين باصطياد معشوقة جديدة , تحفزه على الإبداع أكثر عند انتدابه للغناء في حفلات الزواج , وأطوار المحمداوي , الردة الساعدية , والبستات , على سطوح المنازل , أو عندما تكون الزفة

صفا من الزوارق تنساب ومجرى النهر



بإشارة منه فهمت القصد , رافقته , متلهفا لكشف حقيقة كنت أحسبها ضربا من الأمثال التي تختلط فيها الحقيقة والخيال , أو على الأقل يلحقها شيء من المبالغة والتفخيم , لكن الأمر مختلف أدركته من لهجة والدي في الحديث وإصراره على أن أرى , بأم عيني , ذلك النموذج السيء الذي حذرني من سلوكه طول العمر

لم أفقه كلمة مما حدثني به فقد ذهبت في خيالي إلى عوالم أخرى , كيف لي ان أشاهد { ماهودا أبا الخرز } ؟ أيكون فتَّاح فأل يضرب

الخرز والأحجار فيضحك على ذقون المغفلات , والمغفلين ؟ أم إنه

متكسب من بيعها { على باب الله } ؟ , وقد تخيلته مرة يلف أطواقا منها حول العنق , أو الخصر , أو يبيع المسابح على أقل تقدير



أفقت من تخيلاتي بوخزة من والدي حين أيقن أني لست بمصغٍ لما يقول , أشار بما يسمونه هنا { لغة الاجساد } غمز بحاجبه , ما الغريب في الأمر ؟ إنه نفس الرجل الذي أشاهده يتربع منفردا , كل يوم من بعيد , لا خرز , لا أطواق , لا أحجار , لا مُحدِّث , ولا أنيس

أجلسني بجانبه برفق , فهي المرة الأولى التي أدخل فيها المقهى , عيب , وقلة تأديب أن يدخلها مَن هم في سن لا يقبلها الكبار , والتمست العذر لنفسي أنني بصحبة الوالد , والأمر مُعوَّل عليه



ماهود هذا - ياولدي - كان شيخ قبيلة متغطرسا , متجبرا , يحيطه من كل صوب منافقون , مطبلون , مصفقون , يقلبون الخير شرا , ويلبسون الباطل بالحق , فلا يسلم من إفكهم شجاع أو شريف , ولا

تسلم من طعونهم المحصنات , هؤلاء مَن قال عنهم كرَّم الله وجهه الإمام { علي } : يميلون مع كل ريح , وينعقون مع الناعقين

غير مسموح لذي رأي أن يبدي رأيا في حضرة الشيخ { ماهود } إذ

لا خيار ثالثا لديه : الخنوع والذل , أو الرحيل عن القبيلة بلا رجوع

وكلما يخبره المنافقون برحيل واحد من الفرسان يقول لهم : { ضعوا خرزة بدلا منه } غير مبال بهذا الفراغ



في ليلة غبراء اغتنم الفرصة أعداء له وهم كثيرون , فأغاروا علي القبيلة , طامعين بالمال , والحلال , والنساء , فما كان أسرع في الهزيمة من المنافقين , وظل الشيخ بأعلى صوته يصرخ طالبا النجدة

ولا مجيب إلا عواء الكلاب , وتوسلات النساء بالأعداء

أين الرجال ؟ أين الرجال ؟ يا غانم , يا مبروك , أين أنتم ؟ أولاد العم ,

لم يبق في الدار من الحاشية سوى مبروك { العبد المملوك } , هاهم الرجال , ياعم , أقبل مبروك حاملا كيسا من الخرز , ألقى به في حضرة الشيخ { ماهود } : هاهم الرجال , ياشيخ , لقد حوَّلتهم إلى خرز , يا حضرة الشيخ , اليوم يوم الخرز , يا حكيم الحكماء ؟؟؟



لا أخفيكم سرا , فقد أبكتني , وأضحكتني حكاية قام بسردها شرهان

وكلي ثقة بأنكم تشاطرونني الرأي , { فماهود } هذا يعيش فينا منذ بدء الخليقة , في كل زمان , وفي كل مكان , في الحقل , وفي المقهى , في الشارع والزقاق , تحت التاج , وفوق العروش , في غرف النوم , أو مطارحات الغرام , خلف لوحات الدرس , في المصانع , أينما تولوا وجوهكم تجدوا { ماهودا } بالمرصاد , في أدق شعيرات الدم , وفي حصى الكِليات

آن الأوان لأن يُخرج كل منا { ماهوده } من تحت إبطيه , ويلقي به

إلى حيث تستحق أن يُلقى بها { المواهيد } لينظف الكون



مديح الصادق

الثالث من أيلول - 2009












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال