الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن وأميركا.. والسلام

محمد السهلي

2009 / 9 / 3
السياسة والعلاقات الدولية



منذ أشهر عدة، ينشغل مراقبون سياسيون في قياس المسافة التي تفصل ما بين موقفي واشنطن وتل أبيب تجاه مسألة الاستيطان في الضفة الفلسطينية. ولا يخفي هؤلاء تفاؤلهم كلما تبين، حسب أدوات قياسهم، ما يؤشر إلى حصول تقارب بين الموقفين المذكورين.
هذا الأمر يدفعنا إلى التساؤل:
ماذا يعني تقارب موقفي نتنياهو وأوباما من مسألة تجميد الاستيطان بعد أن أخرج نتنياهو الحملات المتواصلة لتهويد مدينة القدس من «قاموس الاستيطان»؟
ولماذا لا يجري تسليط الضوء على المساحات الكبيرة التي تجمع موقفي الإدارتين الأميركية والإسرائيلية من سبل حل الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني؟.
فقبل أن تحسم مسألة تجميد الاستيطان والمدى الزمني لهذا التجميد، أعلن خافيير سولانا، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي (1/9/2009) أن قمة ثلاثية يتوقع انعقادها على هامش أعمال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر الشهر الجاري، تجمع القمة كلا من باراك أوباما وبنيامين نتنياهو ومحمود عباس، ورجحت مصادر عدة أن يعلن عن إطلاق قطار المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية في ختام تلك القمة.
في الوقت نفسه، كشفت مصادر إعلامية عن تبلور إطار أو هيكل سياسي أميركي يعكس تصور إدارة أوباما تجاه «عملية السلام» في المنطقة ويرتكز هذا التصور على ثلاث نقاط:
1ـ تستند المفاوضات إلى «خارطة الطريق».
2ـ السقف الزمني للمفاوضات عامان.
3ـ الولايات المتحدة شريك فعلي على طاولة المفاوضات.
وعلى الرغم من أن أحد المسؤولين الأميركيين أحال حسم مسألة تجميد الاستيطان في الضفة إلى «اجتماع قادم» مع الجانب الإسرائيلي، إلا أن التأجيل يرتبط كما يبدو باستكمال قبض ثمن هذا الحسم مسبقا بعد «تحقيق سلسلة من خطوات التطبيع من دول عربية تجاه إسرائيل» كما قال مسؤول أميركي آخر. ويتراوح مستوى هذا التطبيع الذي «أنجزته» الجهود الدبلوماسية الأميركية والأوروبية ما بين إعادة فتح ممثليات «أغلقت» سابقا، مرورا بالسماح لرحلات جوية إسرائيلية باستخدام المجال الجوي لدول أخرى، إضافة إلى منح تأشيرات سياحية لسياح ورجال أعمال إسرائيليين. في حين تشير مصادر عربية مطلعة إلى أن هذه الخطوات من جانب دول عربية عدة مرشحة للاتساع بسرعة كبيرة وربما يدخل التبادل الاقتصادي على خط العلاقات التطبيعية «الناشئة» والمستعادة.
يجري هذا التدهور العربي في ظل الحديث (مجرد الحديث) عن تجميد مؤقت للاستيطان في الضفة (دون القدس) وكأن الاستيطان ظاهرة مستقلة عن الاحتلال الذي يفترض أن تبحث المفاوضات ـ كما نراها ـ بآليات إنهاء كافة أشكاله وفي مقدمتها الاستيطان.
ولا يبدو أن الجانب الفلسطيني المكبل أساسا بـ «الالتزامات» ببعيد عن المطالبة الأميركية والإسرائيلية بدفع ثمن الجهود التحضيرية لإطلاق المفاوضات. هذا على الأقل ما يشير إليه مسؤولون أميركيون في مداولاتهم مع نظرائهم الأوروبيين عندما تحدثوا عن اتفاق يجري العمل على بلورته تحت عنوان «خطوات بناء الثقة» بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، ويتضح أن واشنطن تستعجل الأمر حتى ينجز هذا الاتفاق قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، ونتحدث هنا عن ثلاثة أسابيع كحد أقصى. وعلى الرغم من أنه لم تجر تسريب أي من عناوين هذا الاتفاق إلا أن التوجس مشروع في أن يتضمن شروطا مسبقة على الجانب الفلسطيني «تضمن أهليته كشريك في المفاوضات» كما علق أحد السياسيين الإسرائيليين.
من الملاحظ أن كل ما يجري إعلانه و«تسريبه» من خطوات منجزة تمهد لإطلاق المفاوضات إنما يحمل عنوانا أساسيا واحدا هو إرضاء الجانب الإسرائيلي و«طمأنته»، في حين يسود الغموض وربما الصمت الأميركي والغربي تجاه المطالب الفلسطينية حول الاستيطان والحصار والحواجز والاعتقالات.
فتجميد الاستيطان المؤقت قد حدد الجانب الإسرائيلي سقفه (عدة أشهر) ولا نعرف هنا في حال انطلقت المفاوضات التي حدد مداها الزمني بعامين، هل سينهي الجانب الإسرائيلي حالة التجميد ربطا بانتهاء سقفها الزمني أم أنه سيطلب ثمنا إضافيا (فلسطينيا وعربيا) لتمديدها.
ومع ذلك، فإن الخطر الحقيقي الذي يتهدد الفلسطينيين وقضيتهم لا يتعلق فقط بما سبق وإن كانت هذه المقدمات تشير بوضوح إلى النتائج المتوقعة وهي غير مشجعة على الإطلاق لأن الجهود الأميركية والغربية ومعها جهود رسمية عربية تنصب على إطلاق المفاوضات بشعارات عامة ليبدو وكأن المفاوضات أصبحت هدفا قائما بحد ذاته وأن هذه المفاوضات وليس زوال الاحتلال هي ما يضمن الاستقرار في المنطقة.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن دخول الولايات المتحدة كطرف فاعل في المفاوضات التي يجري الحديث عن قرب إطلاقها، لا يعني بالضرورة مكسبا فلسطينيا لأن واشنطن وتل أبيب متفقتان تماما حول سبل حل عدد من العناصر الأساسية المكونة للقضية الفلسطينية وخاصة ما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين التي يضع لها الطرفان حلا تصفويا عبر التوطين وإعادة التشريد. ونذكر أيضا «التفهم» الأميركي لشعار «يهودية دولة إسرائيل» الذي عبر عنه بوضوح جورج ميتشل مبعوث الرئيس الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط، والموقف الأميركي المعروف تجاه ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل، واستحضار «مبدأ» تبادل الأراضي إلى جانب التركيز على أولوية أمن إسرائيل بما يعني قبول الحديث الإسرائيلي عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح وهو ما شدد عليه بنيامين نتنياهو في خطابه الشهير (14/6/2009).
يلاحظ أن السلطة الفلسطينية تعيش حالة من الانتظار وهي تراقب التطورات المتسارعة من حولها. وإذا كان مهما متابعة مواقف مختلف الأطراف، فإن الأهم هنا على المستوى الوطني الفلسطيني البدء فورا بصياغة استراتيجية تفاوضية جديدة تجري بلورتها في الأطر القيادية في الهيئات الوطنية الائتلافية وعلى نحو خاص في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها مرجعية السلطة الفلسطينية.
وعندما نتحدث عن إستراتيجية تفاوضية وطنية جديدة فإننا نعني قيامها على أساس قرارات الشرعية الدولية التي تكفل للشعب الفلسطيني حقوقه في إقامة دولة كاملة السيادة ونظيفة من الاستيطان على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس، وضمان حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها.
إن التداعيات التي عرضناها وخاصة على المستوى العربي في مقايضة مسألة تجميد الاستيطان بالتطبيع مع إسرائيل تضعف الحالة الفلسطينية إضافة إلى ضعفها القائم وهي تعاني تداعيات الانقسام الحاد، وهو ما يجب أخذه بنظر الاعتبار عند الحديث عن إطلاق المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. وهذا يعني أن المفاوضات في ظل الانقسام الحاد وفي ظل غياب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة عن جدول أعمالها إنما هي استعادة لحالة الدوران في الحلقة المفرغة.. ليس إلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث