الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملامح السخرية في المجموعة القصصية -الخلفية - للعربي بنجلون.*

مصطفى لغتيري

2009 / 9 / 4
الادب والفن


لقد تعود الكثير من المتتبعين ربط اسم الكاتب المغربي العربي بنجلون بأدب الطفل ، و ذلك بسبب الكم الهائل من قصص الأطفال و الشباب الذي أغنى به الكاتب المكتبة المغربية و العربية على حد سواء ، و على الرغم من ذلك فإن للكاتب العربي بنجلون وجها جميلا آخر و مثيرا، و يتمثل في إبداعاته في مجال القصة القصيرة ، إذ أبدع هذا الكاتب نصوصا لامعة تستحق من المتتبعين أكثر من وقفة و التفاتة.
و هذا بعض ما أتمنى أن أقوم به من خلال وقفتي هاته عند مجموعته القصصية الموسومة ب"الخلفية" و الواقعة في ثلاث و ستين صفحة من الحجم المتوسط ، ضامة بين دفتيها ست قصص هي على التوالي :
الخلفية و الفياغرا و رائحة الموت و الوحل و العتمة و انتحار و الفيروس .

و مما استوقفني - و أنا أتصفح نصوص المجموعة- طابع السخرية الذي يهيمن على نصوص بعينها، مما أهل أسلوبها ليتميز بطابعه الخاص ، و لعل هذا ما يجعله قريبا من النفس،بل و ينتزع من شفتي القارئ الابتسامة تلو الأخرى ، و قد تبدت هذه السخرية في جملة من العناصر سنحاول رصدها خلال قراءتنا هاته للمجموعة.
و لعل أول ما يثير الانتباه في هذا الصدد العناوين الفرعية المكملة للعناوين الأصلية، و التي لم تسلم منها قصة من قصص المجموعة الستة ،و قد بنيت هذه العناوين التكميلية بشكل يوحي بالبعد الساخر الذي سينتظره المتلقي –لا محالة-في النصوص ،ومن ذلك نذكر مثلا أن القصة الأولى التي تحمل عنوان "الخلفية" اختار الكاتب أن يضيف إلى عنوانها الأساس عنوانا مكملا هو "ابن بطوطة في كف عفريت " و هذا العنوان لا يمكن سوى أن يوجه أفق انتظار القارئ صوب البعد الساخر للقصة ، و نفس الشيء تكرر بالنسبة للقصة الثانية التي تحمل عنوان "الفياغرا" فقد أضاف الكاتب إلى عنوانها عنوانا مكملا هو " رجوع الشيخ إلى صباه" أما قصة "انتحار " فاختار أن يضيف إلى عنوانها عنوانا مكملا هو "الانبطاح في زمن الانفتاح".
وقد طالت هذه السخرية بالإضافة إلى العناوين شخصيات القصص ، إذ أبدع الكاتب في وصفها بشكل يجعل منها شخصيات هزلية ، تعد بوقوعها خلال المتن الحكائي في مواقف ساخرة ، يقول السارد في قصة "الخلفية" متحدثا عن الشخصية الرئيسية في القصة " يجلس إلى طاولة متآكلة ، و كرشه متدلية بين رجليه القصيرتين ، يحتسي كؤوس الشاي المنعنعة بصوت حوشي ، ومن حين لآخر ، يفتل شاربه القطي ، و يجذب رشفة أو رشفتين من غليونه المغربي الطويل المزركش "السبسي" نافثا دخانه من منخريه الواسعين...ثم يحشو ثقبتي أنفه بالسعوط ، و شدقيه بالتبن أو التمر أو الجبن البلدي المالح.."
أما نادلة الحانة فيصفها بما يلي " بارميت تختال بخطى بطيئة ، كناقة سمينة"
و لم يكتف الكاتب برسم الشخصيات من أجل إبراز بعدها الساخر، بل تعدى ذلك إلى خلق مواقف تبدو فيها الأحداث سادرة في جو من التناقض و الغرابة ، لاعبا على معطى المفارقة اللغوية أو المفارقة في المواقف،و ذلك من أجل أن يزكي الملمح الساخر لنصوصه ، ففي القصة الأولى نجد هناك نوعا من اللعب على الألفاظ من خلال استغلال المعاني المتعددة للخلفية ، فحين تتبع الشخصية الرئيسية النادلة "البارميت يحدثنا السارد عن خلفيتها قائلا " يظهر من جيبه أوراقا نقدية ، لونها فاتح ، و يومئ – و العياذ بالله – إلى الخلفية التي تتمايل ذات اليمين و ذات الشمال ، و هي تبتسم ببلاهة و دلال"
و في نفس القصة تقع الشخصية الرئيسية في يد الشرطة السرية ، فيشبعونه لكما و رفسا ثم يستفسرونه قائلين "
- حدثنا عن خلفيتك يا ابن الزانية..أية خلفية تعنون؟ .. أنا مثل القرد الصيني ، أتالم و لا أتكلم ، أمشي في ظل الحائط .. أعمل ، آكل ، أنام ، كبهيمة عجماء.
- ماركسي ، لينيني ، لا تنكر ... و إلا لم تطيل لحيتك السوداء كالقار؟.
وهذا يجد القارئ نفسها حائرا في تفسير العنوان على ضوء ما جاء في القصة ن فأي الخلفيتين يرجح في التأويل؟
و في القصة الثانية الموسومة ب"الفياغرا" تتفجر الملامح الساخرة من الموقف الغريب الذي يضع الحاكم أو الملك نفسه فيه، فبعد أن أصيب بالعنة "البرود الجنسي"، جمع العلماء و الوزراء ليستفتيهم في الأمر ، فظن هؤلاء أن بلاء ما حل بالأمة ، لكنهم بعد أن عرفوا حقيقة الأمر اضطروا إلى مسايرة الملك باحثين له عن حلول تكشف عنه الغمة. فعبر أبو الجود نيابة عنهم قائلا :أبو الجود قائلا " حقا ما قلت سيدي ، أطال الله يدك في الخير .. إن القضية أخطر مما نخال و نقدر ، إذ ما يبقى للإنسان إذا فتر باهه ، و ذهب نشاطه و حيويته"


" حقا ما قلت سيدي ، أطال الله يدك في الخير .. إن القضية أخطر مما نخال و نقدر ، إذ ما يبقى للإنسان ، إذا فتر باهه ، و ذهب نشاطه؟".
ليقترح عليه في الأخير الدواء المعالج ، قائلا" لقد بلغني ، أيها السيد الكريم ، أن الإفرنج ، صنعوا حبة زرقاء ، أطلقوا عليها اسم "الفياغرا" تحول في ثوان فقط ، الخروف الحيران إلى سعدان ، و العصفور المكسور الجناحين إلى وحش كاسر...فحبة واحدة كافية بأن تقوي الباه ، وتبعث الحياة.."


و قد طالت السخرية – بالإضافة إلى ذلك- أسلوب الكاتب، إذ عمد هذا الأخير في بعض القصص إلى الارتكان إلى السجع كأسلوب في الكتابة ،و إن في درجاته الدنيا ، و هذا لا عمري تعميق للسخرية في النصوص ، ومن ذلك ما جاء في الصفحة 59 – 60 ، حين يقول السارد " كان قلبك معميا ،و بصرك معميا، لم تملك في دنياك غير غرمياتك الباريسية و اللندنية ، و بذاءاتك و طموحاتك الرعناء ، و تكديس المال في البنوك السويسرية ، و تلميع الأحذية الأمريكية و الأوروبية.."
و تبقى في الأخير المجموعة القصصية " الخلفية " زاخرة بالملامح الساخرة ، التي من الصعب رصدها كاملة ، و هذه الملامح تجعل من نصوص المجموعة نصوصا ممتعة و غنية، و تستحق بالتالي أكثر من وقفة لإبراز ما تزخر به من معطيات شكلية و مضمونية متنوعة.
*الخلفية -العربي بنجلون- مجموعة قصصية .-المطبعة السريعة 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?