الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسوار مملكة السر... رواية (القصل 14)

سعد الغالبي

2009 / 9 / 5
الادب والفن


الفصل 14
ولاية الناصرية 1945
مع بزوغ الشمس وارتفاعها فوق الأفق قليلا , وعند بوابة أحد الخانات ,التي تستخدم لايواء حيوانات عابري السبيل , والتي تقع عند أطراف المدينة من جهة الشرق ... ترجل "سعد آل منصور " من على ظهر جواده , وهو يرتدي ملابسه التقليدية,عندما كان ينوي الذهاب برحلة ـ تشبه التي يقوم بها الآن ـ الى المدينة.
كان ملبسه "الصاية" وعبائةوضعهاعلى متنه وهي تذكر الناظر بأن من أحاكها كام أمهر من عملوا بهذا المجال ثم إنه قد زين رأسه بيشماغ أبيض موشح بنقط سوداء صغيرة.
تقدم عامل الخان ـ بعد أن أمره مالك الخان ـ فأمسك بلجام الحصان ,ثم قاده الى حيث يمكن ايوائه ، وسعد ال منصور تقدم من صاحب الخان ليتعانقا ، ومن ثم حديث عن احوال المدينة .
في طرقات المدينة , وعندما بدأت حركة المارة تزداد , بدأ (سعد) يتخذ طريقه الى ذلك المقهى المطل على النهر والذي يفصلهما عن بعضهما طريقا غير معبد, ذلك الطريق المؤدي الى السراي ,حيث متصرفية لواء الناصريه.
في ذلك المقهى ـالذى يرتاده أعيان المدينة وشيوخ العشائرالممتدة عند أطرافها ـ وجد سعدآل منصور قدميه عند مدخلها , راح ينظر بأتجاه القهوجي, وبدأ يردد اسمه قائلا : حامد.... ياأبا نوفه
استدار القهوجي ببطأ , وهويظن أنه يعرف هذا الصوت , وعندما نظر ناحية مدخل القهوة ,أصبح في ذهول , ولكن لفرحه بقدوم هذا الصديق .
قال حامد وهوفي حالة اللا تصديق : من ؟ سعد آل منصور ! بشحمه ولحمه .
ضحك سعد , وتقدم نحوه ,الا أن حامد كان أسرع منه في الوصول اليه..... عانق سعد حامدا بحرارة, وبعد اأن تراجعاقليلا الى الوراء .
قال حامد : غيبتك طالت ياسعد , أيها الصديق ....آخر زيارة كانت لك , وبرفقتك فهد, في الصيف.
أشار حامد لضيفه بالجلوس و بيده قائلا : سوف آتيك بالشاي .
وبعد برهة من الزمن ,حامد قرب سعد ,يخوضون في حديث .....قال سعد : كيف حال الناصرية ؟
قال حامد بعدم اهتمام : مثلما تركتها آخر مرة ,لاشيء يستحق الذكر, باستثناء ثروة المتصرف ازدادت ليرات من الذهب , بظل وجود ناصر العاصي .
قال سعد :هولاء سيظلون يفسدون ما استطاعوا مادام الرقيب يغط في نومه.... ولكن قل لي , أين اصبحت شجاعتك ,وكلامك الذي كنت تقوله بأستمرار.
ضحك سعد عاليا , حامد ينظر اليه بأستغراب .....قال سعد: كنت دائما تقول سوف أوقف زحف بريطانيا العظمى ...سوف أوقف زحف بريطا....
عاد سعد للضحك ثانية, ثم قال : أنت تعترف أنها بريطانيا العظمى , ومع ذلك تقول ما كنت تقوله .
نظر حامد بوجه سعد وهو يبتسم ,ثم قال : لاأدري ما أقول !
قال سعد : لا بل قل , قل أنك كنت أكثر شجاعة...
قاطعه حامد قائلا : ولازلت شجاعا .
قال سعد : لازلت ! وأين أنت ؟ والقوم نهبوا الولاية , وصرخات الجياع تتصدر مطلع كل يوم ,فيما راحت بطون بعضهم تصيبها الأكلة .
قال حامد : ماذا عسانا أن نفعل , وأي واحد منهم نحارب ,فهم كثر .
ولكن فجأة ...خرج سعد بنظره خارج المقهى ,اذ أبصر عربة ربل يجرها حصان أبيض,تتوقف أمام المقهى,لعارض ما في الطريق .
ثمة امرأة تجلس في المقصورة, وقع نظر سعد عليها ,عندما كان جانب من وجهها قد انكشف له من خلال نافذة العربة, والذي يطل على القهى.
قضى سعد تلك اللحظات صامتا , وأكتفى منبهرا بذلك الوجه, اقترب حامد من أذن صديقه سعد ,هامسا فيها بكلام :تلك المرأة هي ابنة المتصرف . لكن الصديق كان في عالم آخر , وبعد اختفاء أثر الفتاة......نظر سعد الى حامد قائلا :ماذا تريد ياحامد ؟ .
ابتسم حامد , وقد غير نبرة صوته حين قال :ماذا أريد ؟!! ..... أريدك أن تأتي معي الى البيت لتذوق طعام ابنتي "نوفه ".... ثمة ديك في البيت, يصر على ازعاجي كل فجر , أريد أن أجعله طعاما لغذائنا هذا اليوم .
قضى سعد دقائق من الصمت, في مكانه يجلس ,بعد ان غادره حامد ,حيث انصرف لعمله .... ملامح فتاة العربة يرتسم أمامه وهولايعرف سببا لذلك .....انه طيلة السنوات التي قضاها , كان محملا بهموم يكاد يكون حملها ثقيل ـ لو حملها أحد غيره ـ لكنها هموم ذهب اليها وهو على علم مسبق بها .
الهدوء يعم المكان ,يكسره أحيانا صوت ملعقة الشاي ـ وهي تصطدم بزجاج القدح ـ الواقعة تحت رحمة أصابع ذلك الرجل والذي يحاول وباصرار ,بأجبارها على الدوران في قدح الشاي الممتلأ.
ولكن , وتيرة هذا الهدوءقد أخترقت ,عندما اقتحم رجل ـ يرتدي البنطال , ويضع على رأسه العقال ـ يستغيث وهو يطلب النجدة لفتاة وقعت تحت براثم لص من لصوص المدينة ......وما أن أنهى الرجل استغاثته , حتى كان سعدخارج المقهى , وحامد يلحق به .
ثمة رجل ملثم ,يعتلي عربة الربل , ينازع القتاة ,راكبةالعربة, على شيء يخصها ...... أسرع سعد بأتجاه العربة,استطاع الأمساك بذلك المتعلق بباب العربة,ثم طرحه أرضا........ حامد كان على مقربة يراقب وقد استشاط غيضا .
أنهض سعد الرجل , وقاده ليس ببعيد عن العربة, ,أ سند ظهر الرجل على حائط بيت مجاور , قال سعد(بحدة) محدثا الرجل :
ـ هل رجولتك تستدعي أن تهاجم امرأة وتنازعها ..... عن أي شيء كنت تنازعها؟! .
قال الرجل , وهو مصمم على عدم نزع لثامه : تلك المرأة .... هي ابنة المتصرف ..متصرف الولاية ,هي وأبوها ينعمان بالخير, ونحن نسلك دروب الذل من أجل كسرة خبز.....ابنة متصرف الولايةهذه....تأتي الأسواق مرتدية أحسن الثياب , ويديها تتلألأ ذهبا.
قال سعد وقد تغيرت نبرة صوته, اذ بدى هادئا : وأنت تريد أن تسلبها الذهب .
الرجل : .................. !
أردف سعد قائلا : لماذا لا تسلك طريقا مباشرا ,حيث يمكنك أن تأخذ حقك دون أن تفقد كرامة نفسك ؟!.....اذهب الى الذي سرقك, وخذ منه ما سرقك اياه !!..... لا أن تسرق الذي سرقك, فتكون سارقا مثله , بل كن مسترد حق .
وبعد برهة..... قال سعد : اعطني الذي أخذته يداك ,لأسترده الى الفتاة .....سوف أتظاهر بأنك أفلت من يدي , وحاول الأختباء .
غادرت العربة المكان , وتركت في نفس سعد جملة من التساؤلات.
عاد الهدوء الى المقهى ، بعد أن اختفت مظاهر التوتر التي حدثت في الطريق ، وحده كان سعد جالسا على طرف الآريكة الخشبية وعينيه على ارض الطريق المحاذي لبوابة المقهى...... جاء حمدان نحوه حاملا قدح الشاي ، قدمه الى سعد ، جلس على الطرف الآخر من الآريكة .
بدآ يتسائلان ، أحدهما ينظر للآخر ... لماذا هذا الواقع الذي نعيشه ، واقع فقر وفاقة ، هل اننا أهل بلاد ،أم ان هذا المكان يرفض وجودنا، وان كان الأمر كذالك ، من أعطى الحق للآخر أن يكون الراعي ونحن نقبل أن نكون الرعيه....... ماالعمل اذن؟
ان الأشرار منتشرين في كل أرض وكل زمان ،والحالمين بيوم جديد لازالوا يؤمنون ان الغد قادم ، وثمة صراع ـ أزلي وأبدي ـ يبقى دائما بين الأشرار والحالمين .
الدخول السريع لرجل عبر بوابة المقهى, قطع تلك المحاورة ...... جاء لينقل خبر, حين وقف في منتصف المكان ,قال بصوت مسموع :
ـ من يعرف سعد آل منصور .
نظر حامد الرجل القادم ,نظرة متفحص له , ثم قال : أنا أعرفك .... أنك من الخاصة التي تعمل عند متصرف الولاية, وأظ.....ن ! أنك تعرف سعد آل منصور ! فلماذا هذا السؤال ؟ وأنت تراه؟!
قال الرجل , ولم يكن محرجا ,أو فقد شيء من ثقته بنفسه :أجل أعرفه , ولكن أنا رسول ,أحمل رسالة , وكان لزاما نحوي أن أجهر أمام من كان حاضرا , فبي المكان , أناس كثر, ورغبة المتصرف أن يعلموا ,بأنه يود رؤية سعد آل منصور .
قال سعد : لك ما تريد أيها الرسول .
قال حامد : وأين يود ...مقابلته؟
قال الرجل : في بيته ...عند الساعة الثالثة عصرا .
انصرف الرجل , وعيون حامد تلاحقه ... التفت حامد نحو سعد وهو يقول :ماذا يريد , هل عندك علم بالأمر ؟ .
قال سعد (بأستقراء) :حسب ما جرت عليه الأمور قبل قليل ,فان خبر الحادث قد وصل الى أ سماع المتصرف .
قال حامد : تقصد حادثة عربة الربل ؟! اذن يريد ان يشكرك على صنيعك الذي صنعته !!.
قال سعد : أو قل يريد أن يعرف ان كان حادث عابرقد طرأ في الطريق من مجرد لص , أوهي رسالة موجهة أليه وأتباعه .
قال حامد :هل تريد أن تذهب ؟
قال سعد (باسما) : لايوجد مانع من الذهاب ...أظن اني سأقبل الدعوة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح


.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال




.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل


.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع




.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو