الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غيمة أخرى وتكتمل سماء فراري: بحث عن رصيف

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2009 / 9 / 5
الادب والفن



(قراءة في قصيدة " مسرحية الفرار " للشاعر أحمد عبيد المطروشي)
سامي البدري

مسرح تضيئه غيمة... ربما بحثا عن وجه آخر لاسم ما زال معلقا على سماء فرار مرجأ ... أو عتبة قائمة على رصيف الانتظار..
مسرحية لفرار – هكذا ترى قراءتنا عنوان النص – تطلع يبحث عن طريق إلى ما حول... وهو فرار إزاحي إلى بنية البياض التي تؤثث ولع الغيمة – أية غيمة – في كل تطلع. وهذا الفرار تطلع يحاول كسر أصفاده الى مشروعه الذي يسألنا الناص (بدءا أم بداهة؟): هل ستشاهدها؟
إذن المسرح قائم هناك... (في أي عطفة إشراقات الذاكرة؟) وعلينا الدخول... (بحسب اقتراح المطروشي)... فهل سيتوجب علينا أن ندخله من أبواب متفرقة؟ المطروشي، الشاهد – الذي يتمسك بشهادته على (حصار) اقتراحه – يقول نعم!... وهو حساب للمحاذاة – محاذاة جفل اللحظة – وليس تجنبا ليناعة المواجهة أو مماطلة في حضور وليمتها.
هل يحق لنا التوقف هنا للسؤال عن هوية مخرجها أم فقط التلصص الى مخرج التملص من مماحكتها؟
لنبقي الأضواء مسلطة على خشبة المسرح ولنتسلل إلى ذاكرة المشهد الذي يقتطعه من ذاكرة (ذاكرته أم ذاكرة الحكاية؟)... هل بيننا من يتحسس حضوره – الناص أقصد – بين مقاعد الحضور – كشاهد كم يقترح مشروع القراءة؟
إنها مسرحية لفرار (من....؟) على أية حال.. وفي مثل هذا المسرح قد لا يمكننا تلمس كامل خيوط الإضاءة!
هل ثمة من سيواجهنا ببداهة أن لا كواليس مقترحة لمسرحية فرار تترك (العالم خلفنا يحترق)؟
يقول الفرنسي هنري باربوس: ليس من طريق الى الداخل ولا الى الخارج ولا الى ما حول... فإلى أين سيكون الفرار؟
وفي مسرحية مرسومة لصورة لفرار، هل علينا أن نعلق أعيننا على خشبة المسرح... فرارٌُ من سنشهد إذن؟
أعرف إن مثل هذا السؤال يستعجل نهايته! ولكنه اقتراح ينتصب هناك... أين؟ على خشبة المسرح أم على مشجب الذاكرة؟
من المسؤول عن اجابة هذا السؤال: النص أم شاهده... قلنا إن الناص (المطروشي تخصيصا) يصر على حضور مسرحية فرار (من؟) كشاهد... شاهد إثبات أم شاهد حضور؟

لو كنت مستلقيا على سرير رث في فندق
(قديم) ناء، تاركا العالم خلفك يحترق
وفجأة يخرج من صدرك كل الأشخاص الذين
رأيتهم في أحلامك وينقلب المكان الى مسرح،
تعرض مسرحية حياتك هل ستشاهدها
لترى نهايتك ايها المسكين.
رائحة الرماد المحترق، خرجت من فمك
كغيمة ممتلئة بالصراخ، وأنت تفر مذعورا
في الشوارع وليلك يلمع كحد سكين في
عينيك الداميتين، لا سماء تحميك ولا سقف
يعطف عليك، أيها الطريد من موتك، أي
هزيمة ستجعلك تركع له
المكان معتم وجاف لا يوجد شيء يسعفك
وأنت تنظر بوجه ممتلئ بالعرق والتراب.

شخوص المسرحية، بحسب اقتراح المطروشي: (كل الأشخاص الذين رأيتهم في أحلامك)... وهل لاحلامنا غير شخوصنا التي تتماهى في خيالات مرايانا؟
لنؤجل النظر في مشهد (نهايتك أيها المسكين) الى نهاية العرض... وهل من نهاية لعرض يستعرض وجوهنا الأخرى، التي تتلبس وجوهنا/ خواطرنا/ رغباتنا وجدلية شراكتها؟
لنعود الى مقاعدنا ولنحتمل جلسة أخرى، فالأضواء تكثف حضورها على خشبة المسرح ومازال في الامر متسع... لأي رهان؟
ليكن... ولو... لـ (رائحة الرماد المحترق) الذي يؤثث أصواتنا وأفق طرائدنا!
هي دعوة لمواجهة صرخات غيومنا إذن... قبل الفرار منها؟؟ مازال في البياض متسع لصوت آخر، يقول الناص وعلينا انتظار بقعة ضوء أخرى، رغم طيش تاريخها وتاريخيتها!... لاننا إن استبقنا لحظة ذعرنا فاننا سنستعجل لحظة عرائنا: شوارع وليل يلمع كحد سكين لا تشف الا عن عيوننا الدامية... بم؟
ومن قال إن في أجندتنا سماءا تحمينا أو سقفا يعطف علينا ونحن مطاردون بأوجاع ذاكرتنا وألواحها المنسية؟... نحن المطاردون بهزائمها وترجيعاتها؟ كم هزيمة زينت لنا هزيمتها؟
المكان معتم وجاف... وأنت بلا سقف يحميك! ومثل هذا الخواء لا تحميه الا كواليس بأبواب ذهبية! ولن نقول هنا رفعت الأقلام وجفت الصحف، لأن جدار العتمة مازال قيد الإنشاء ولن تفرغ أي سلطة من عملية بنائه مادام هناك شعراء يصارعون ويرتقون سماء أوجاعنا بغيوم من وحشة اللغة!

قنينة ماء مطر
معتق، لفافة، كتاب العالم السفلي، كسرة
خبز كلها في حقيبتك، هي أيضا بجانبك
إذا، أنت الآن لا تمتلك أحدا
ولا يمتلكك أحد
فارغا ستمضي تحت التراب
بلا وصايا، بلا امرأة

هل هذه زوادة الفرار؟ هل الفرار يحتاج لزوادة تزيد على قرار؟ الفرار قرار هو الآخر! ومادامت جهة الفرار يصل بها الناص الى أقصى درجات ايغالاتها، فلا يعود أمامنا غير مماحكة تفاصيل شهقة هذا الفرار..
وهي، كتضاريس حوارية الدوران حول الذات، محاولة لمشاطرة المرآة وجع الذات عبر ظهرها!
فارغا ستمضي إلى...
بلا وصايا، بلا امرأة
وهل ستحقق الإمتلاء (أي إمتلاء؟) وصية بالوقوف على قدم واحدة على حبل غيمة التمني ووجه امرأة؟

الطرقات مختلفة
هواء بلا فضاء وصوتك الجديد لن نسمعه
في أعماق الهاوية تتسكع
ولا جهة سوى الأمام
ضوء غريب يهبط على رأسك
يطهرك من خطايا جنتك
وقبل وصولك لمرحلة الختان
ثق بأنك ستكون سعيدأ سترى ولادة
ميدوسا في غابة لا مثيل لها
تحيط بك رغباتك كالظل

وإلى أي يقود هذا الأمام؟ الصوت الجديد يبحث عن جهة خامسة وعن طرقات لا تحاذي الا زفرات الريح ولا تستظل الا بأصواتها.. هل عاد أمام فرار بمثل هذا الفرض الدراماتيكي غير رصيف بحث؟... ولكن أي بحث هو وعن أي حلم؟ بالتأكيد هو ليس حلم لقاء ميدوسا – وإن كانت بصياغة شاعر.. فمرحلة الختان، وأراها – بما ينسجم مع قراءتي – مرحلة الفطام على حلم النهوض بأعباء الحلم: نائلة آساف!، لأن الناهض هنا معمد بزمزم الشعر لا الحكمة: تحيط بك رغباتك كالظل، ورغبة الشاعر السؤال لا غيره، لأنه الوحيد القادر على تطهيره من خطايا جنته... وهل غير الشاعر يرتكب الأخطاء في جنته لانها لن تزيد على كونها رصيف آخر لسؤال جديد.

من الآن ستصنع مجدك من لحظة البدء
إني أحسدك، في كل مساء
أضع أذني على الأرض كي
أسمع قرع حذائك
يرتطم في ممرات العدم
وأنت ترفع رأسك بغرابة المذهول نحو اللامرئي
تتحسس الصخور الرطبة
كي تعرف آذيس يجب أن يكون عقلك
فارغا، أنت في طريق عودتك إلى التحجر.

وها هو رصيف العناد يبرق بلحظة بدء أخرى، وأيضا جدلية رصيف آخرى... وسؤال المذهول نحو اللامرئي.
آذيس أبجدية الأرصفة... كل أرصفة العدم... وسرة السؤال..
من أين يبدء السؤال؟ من كتاب العالم السفلي؟
لنعود لتصفح وجوه خشبة المسرح بحثا عن وجه آذيس بينها..
الإضاءة الآن مطفأة... بإيعاز من؟
لا نكاد يشق صفحة الظلمة غير وجهك، أنت أيها السادر في غيمة السؤال و... وفم يغص برائحة الرماد المحترق وبعض العناوين المؤجلة السقوط... من أي ذاكرة؟
أين صوت المخرج؟ لا نتبين غير عصا المايسترو... وهي تشير، كديدنها، بالعزف ... لمن؟
إنه اللحن المنفرد ذاته.. وعلى عين وتر السؤال الذي يصدح في رأس آذيس... منذ لحظة السقوط من نهر العسل.
هل علينا الآن، وفي هذه اللحظة من عمر العرض بالذات، الإلتفات للخلف للتأكد من عدد حضور هذا العرض؟ لا أظن!
لا لشيء سوى ان هذا الحضور يصر على اهمال مراياه في الركن المهمل من خزانة حوائجه الفائضة في الزاوية القصية من ذاكرته!
أما إن بحثنا عن شاهد هذا العرض – الناص – فأعتقد انه قد غادر قاعة العرض منذ ما قبل نهاية الفص الأول الى أقرب رصيف بحث...!


مسرحية الفرار

لو كنت مستلقيا على سرير رث في فندق
(قديم) ناء، تاركا العالم خلفك يحترق
وفجأة يخرج من صدرك كل الأشخاص الذين
رأيتهم في أحلامك وينقلب المكان الى مسرح،
تعرض مسرحية حياتك هل ستشاهدها
لترى نهايتك ايها المسكين.
رائحة الرماد المحترق، خرجت من فمك
كغيمة ممتلئة بالصراخ، وأنت تفر مذعورا
في الشوارع وليلك يلمع كحد سكين في
عينيك الداميتين، لا سماء تحميك ولا سقف
يعطف عليك، أيها الطريد من موتك، أي
هزيمة ستجعلك تركع له
المكان معتم وجاف لا يوجد شيء يسعفك
وأنت تنظر بوجه ممتلئ بالعرق والتراب.

قنينة ماء مطر
معتق، لفافة، كتاب العالم السفلي، كسرة
خبز كلها في حقيبتك، هي أيضا بجانبك
إذا، أنت الآن لا تمتلك أحدا
ولا يمتلكك أحد
فارغا ستمضي تحت التراب
بلا وصايا، بلا امرأة

الطرقات مختلفة
هواء بلا فضاء وصوتك الجديد لن نسمعه
في أعماق الهاوية تتسكع
ولا جهة سوى الأمام
ضوء غريب يهبط على رأسك
يطهرك من خطايا جنتك
وقبل وصولك لمرحلة الختان
ثق بأنك ستكون سعيدأ سترى ولادة
ميدوسا في غابة لا مثيل لها
تحيط بك رغباتك كالظل

من الآن ستصنع مجدك من لحظة البدء
إني أحسدك، في كل مساء
أضع أذني على الأرض كي
أسمع قرع حذائك
يرتطم في ممرات العدم
وأنت ترفع رأسك بغرابة المذهول نحو اللامرئي
تتحسس الصخور الرطبة
كي تعرف آذيس يجب أن يكون عقلك
فارغا، أنت في طريق عودتك إلى التحجر.
"""""""""""""""""""""""""""""
+ مسرحية الفرار احدى قصائد مجموعة الوصول بلا نهاية للشاعر أحمد عبيد المطروشي الصادرة عن دائرة الثقافة والاعلام، حكومة الشارقة 2008.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد


.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??




.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد


.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية




.. صباح العربية | الفنان سامو زين ضيف صباح العربية