الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوشارون: العد التنازلي

أوري أفنيري

2004 / 5 / 21
القضية الفلسطينية


هذا المخلوق الغريب المدعو بوشارون يتعرض لمشاكل كبيرة.

الجزء الأمامي من هذا الحيوان – جورج دابليو بوش - متورط في قضية صور العراء. وليس فقط للأسرى المساكين في العراق الذين ظهروا على الشاشات بينما كانت جندية تبتهج فرحا وتشير إلى عورتهم – بل أيضا صور بوش نفسه وهو عار.

منقذ الشعب العراقي من براثم الاستبداد القاسي ومن أتى بالديمقراطية إلى أرض دجلة والفرات، ممثل الحضارة الغربية التي تقاتل البربريين - اتضح هو ذاته بأنه بربري بشع.

ليس لأي شخص أن يوهم نفسه: إنها ليست حادثة لبعض الساديين والساديات الذين اجتمعوا صدفة في مكان واحد. أصبح من الواضح الآن تمام الوضوح بأن هذا كان تنكيل مدروس لهؤلاء السجناء – تعريتهم، إذلالهم جنسيا، إدخال كلاب لنهشهم، منع النوم عنهم، تقييدهم بأوضاع مؤلمة لفترة طويلة، تغطية رؤوسهم بأكياس نتنة، تهديدهم بالإعدام بالصدمة الكهربائية – هذا معروف وقد تم تصويره. ولكن لا شك في أن مثل هذا المكان الذي يلقى فيه المعتقلون مثل هذا التعامل، تنتهج أيضا تعذيبات أكثر قسوة لم يتم تصويرها.

هذه الطريقة معروفة لتحطيم السجناء ليس في هذا المعتقل فحسب وليس في معتقلات أخرى في العراق، بل أيضا في أفغانستان في جزر غواتانامو وفي سائر الأماكن التي اعتقل فيها أشخاص مساكين، ألقي على معظمهم القبض بالصدفة دون ذنب يقترفونه. بما معناه: إنه قرار قيادي يصدر من أعلى الرتب.

يثير الجنود والجنديات الذين تم تصويرهم ينتشون في هذه الأفلام الفورنوغرافية المقت، ولكن كل من يواكب الحياة العسكرية يعلم بأن هذه ليست مبادرة شخصية. مثل هذه الأعمال لا يمكن أن تتواصل لفترة طويلة، بحيث يتم تصوير المئات من الصور، دون أن تتورط القيادة في ذلك.

كل جندي يتأثر بروح قادته، على الأقل حتى قائد الكتيبة. وقائد الكتيبة يتأثر بقادته، حتى رئيس الأركان وإلى ما لا نهاية. لقد ثبت في هذه الحال أن قادة البنتاغون ووزير الدفاع قد علموا بالحقائق منذ فترة طويلة ولكنهم تجاهلوها. صحيح أن الجنرال المحقق لم يعثر على أوامر خطية، لكن مثل هذه الأوامر تنقل دائما شفويا وفي بعض الأحيان بحركة يد أو بغمزة عين. لو لم يكن بوش شريكا في هذا لكان سيقصي القيادة كاملة، ابتداء من وزير الدفاع وحتى قائد المعتقل.

هؤلاء الجنود، الذين قدم أغلبيتهم من بيوت طيبة، تصرفوا كما يتصرف الناس في جمع يكيل الضرب لشخص واحد، ولنفس السبب: انتزاع إنسانية شخص من عرق آخر يعتبر ما دون البشر. العنصرية هي التي تحول الأسياد ذاتهم إلى ما دون البشر.

لقد خسر جورج بوش كل شيء عند الكشف عن هذه الصور الفظيعة. كل ادعاءاته الأخلاقية لتعليل حربه في العراق انهارت فجأة. لا ديمقراطية، لا حرية، لا ثقافة. ما بقي هو العداء السافر من قبل هؤلاء المغتصبين السفهاء، القساة، الأكثر سوءا من فتوّات صدام.

وإن جازت النبوءة: لقد بدأ هذا الأسبوع العد التنازلي لنهاية جورج دابليو بوش.



أما الجزء الخلفي من هذا الحيوان - أريئيل شارون - فهو غارق أيضا بمشاكل كبيرة.

بدأ ذلك بهزيمة مخططه "الانفصال أحادي الجانب" في استطلاع "منتسبي الليكود" – وهم أقلية لا تذكر من الجمهور، قادها المستوطنون. منذ ذلك الوقت يجول شارون كحيوان مفترس في قفص. ليست لديه أغلبية داخل كتلته وداخل حكومته (اللتان قيدتا بنتائج الاستطلاع)، إمكانية إقامة حكومة أخرى غير متاحة أمامه (أعضاء الكنيست من كتلته لن يسمحوا له بذلك)، وإمكانية تنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه أمام بوش غير واردة (وبذلك صوّر الرئيس كمغفل).

يتمتم شارون الآن حول "برنامج آخر" يبلوره – يتماشى مع روح غروتشو ماركس: "هذا هو رأيي. إذا لم يكن يعجبكم، فلدي آراء أخرى".

لو كان شارون ينوي حقا الخروج من غزة، لكان سيفعل ذلك فورا، دون كل هذا الصخب، بتحديد جدول مواعيد مكثف ودون تغيير التفاصيل كل عدة أيام. كان برنامجه سيشمل إزالة "محور فيلادلفي"، وهو ذلك القطاع المجنون الذي يبلغ عرضه عدة مئات من الأمتار بين غزة ومصر، والذي يجتث ضحايا بشرية ودمار البيوت كل يوم.

بعد أسبوع من الاستطلاع نزلت ضربتان قاضيتان. مصفحة مدججة بالمواد المتفجرة دخلت إلى مدينة غزة لتفجير البيوت، فمرت فوق عبوة ناسفة وضعها مقاتلون فلسطينيون وانفجرت بالجنود الستة الذين كانوا فيها. غداة ذلك اليوم حدث الأمر ذاته في مكان آخر في قطاع غزة: مصفحة مدججة بالمواد المتفجرة، أتت لتفجير نفق تحت "محور فيلادلفي"، أصيبت من سلاح مضاد للدبابات وانفجرت بطاقمها المؤلف من خمسة جنود. لقد أدت قوة هذين الانفجارين إلى نشر أشلاء الجثث بقطر وصل إلى كيلومتر واحد. الدولة كلها شاهدت في التلفزيون كيف يجثو الجنود على أربعة ويصفّون بأيديهم الرمال كي يجمعوا "أجزاء جثث" أصدقائهم الصغيرة. لقد تنافست وسائل الإعلام فيما بينها بهستيرية مستحضري الأرواح، بينما بدأ يتبدل الحديث عن "أجزاء الجثث" بتقارير عن مراسم الدفن.

لا يمكن تجاهل العلاقة المباشرة بين استطلاع الليكود ضد الانسحاب وبين استشهاد الجنود. لقد عبر الممثل شلومو غيشينسكي عن ذلك بأبسط الأشكال، وهو والد ليؤور الذي قتل في المصفحة الثانية، عندما اتهم اتهاما لاذعا منتسبي الليكود بقتل ابنه.

للمرة الأولى يشاهد الجمهور صورة غزة الحقيقية: لا "إرهاب"، لا "مخربين"، بل حرب عصابات كلاسيكية يشارك كل السكان فيها بنضال ضد المحتلين. غزة اليوم والضفة الغربية غدا.

لا يمكن إحراز الانتصار في مثل هذا النزاع. يمكن قتل الفلسطينيين بالجملة ويمكن تدمير أحياء كاملة، كما يحدث الآن. ولكن من غير الممكن إحراز الانتصار. الجمهور بدأ يفهم ذلك. "واليسار الصهيوني" بدأ يستفيق، على ما يبدو، من غيبوبة دامت أربع سنوات.

ستنسحب إسرائيل من قطاع غزة كما انسحبت من المنطقة الأمنية في جنوب لبنان. فالتشابه بين هذين القطاعين ظاهر للعيان حتى أن هذه المقارنة تحولت إلى عنوان مبتذل في وسائل الإعلام.

وإن جازت النبوءة: بدأ هذا الأسبوع العد التنازلي لنهاية أريئيل شارون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من ساحة الحرب إلى حلبة السباقات..مواجهة روسية أوكرانية مرتقب


.. محمود ماهر يطالب جلال عمارة بالقيام بمقلب بوالدته ????




.. ملاحقات قضائية وضغوط وتهديدات.. هل الصحافيون أحرار في عملهم؟


.. الانتخابات الأوروبية: نقص المعلومات بشأنها يفاقم من قلة وعي




.. كيف ولدت المدرسة الإنطباعية وكيف غيرت مسار تاريخ الفن ؟ • فر