الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخواء البدوي في خيمة القذافي

مهدي النجار

2009 / 9 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


قبل ستة قرون (في العام 1377 ) اطلق ابن خلدون صرخته الخائفة، القلقة: "إن الحضارة هي نهاية العمران وخروجه الى الفساد ونهاية الشر والبُعد عن الخير" ووفقاً لذاك القلق والخوف شدَّ القائد العربي معمر القذافي رحاله متوجساً من تفشي ظاهرة الحضارة وسعى لنصب خيمته وسط مدنها الغربية العملاقة ( في نيوجرسي وقبلها في باريس ومستقبلاً في روما ) محذراً الملأ بأن الحضارة هي نهاية العمران (الاجتماع) وكانت تلك الخيمة مثل جرس إنذار مبكر لإيقاف زحف شرور المدنية وإرجاع العالم القهقرى الى صفاء البداوة وبساطة حياتها، ولكن هل سيصغي الناس الى نداء القائد بعد ان ذاقوا حلاوة التحضر وتنعموا بأنوار التمدن ؟! الجواب يأتي وفقاً لاستدراك ابن خلدون الذي ورد في مقدمته: " التمدن غاية للبدوي يجري اليها / والحضري لا يتشوف الى احوال البادية ".
حقيقة الأمر لم تكن خيمة القائد القذافي سوى الرمز الوهمي للخيمة البدوية الاصليه فكما تناقلت وكالات الانباء فإن كلفتها بلغت 280 الف دولار وتضم في جوفها ما طاب ولذة من متاع و اكل وشراب، تضم كل وسائل الخدمات والترفيه واجنحة الراحة والاستجمام والضيافة والاجتماعات السياسية وغير السياسية وربما احجار الدومينو واوراق البوكر ومن المؤسف ان الوكالات ذكرت ايضاً ان الخيمة لم تكن مصنوعة بأيدٍ بدوية إنما صممها واشرف على صناعتها مهندس ينتمي الى طائفة الهنود السيخ وإن قماشها وحبالها واعمدتها واوتادها مستوردة من مناشأ غربية ذات صلة بالامبريالية العالمية. اذن ماذا تبقى من " البداوة " العربية ليراهن عليه السيد العقيد ؟ بالتأكيد يريد ان يوصل من خلال خيمته رسالة الى عالم الغرب الحضاري مفادها نحن الارقى ونحن الافضل فتعالوا الى خيمتنا لنريكم سفالة انظمة الاستبداد السلالية البدوية التي اكلت اكباد شعوبها بحيث جعلت نصفها تعيش على القمامة، تعالوا لنريكم الاستبداد الديني المتشدد كيف يغذي عقول العامة بالكراهية والضغينة ويكفر مشايخه بعضهم البعض ويدفع الشبيبة الى اليأس والإتكال والانتحار، هل يراهن السيد العقيد على أسوأ وأفجع الارقام والنسب المئوية التي بلغها العالم العربي والاسلامي في مجالات التنمية والفقر والامية والمرض والفساد المالي والاداري وانتهاكات حقوق الانسان واضطهاد النساء...سيهزأ اهل الحضارة من هذا التبجح والتباهي والزعم بالمركزية والتفوق لانه مجرد هراء ومجرد جعجعة بلا طحين.
صحيح ان الحضارة المعاصرة او الحداثة ( كما في مفاهيمنا المعاصرة ) فيها جوانب مظلمة وقاسية وشريرة تستهدف إذلال الشعوب ونهب ثرواتهم والاستعلاء عليهم ولكن من ناحية ثانية فيها جوانب مشرقة ورحيمة وخيرة، فاضافة الى تطور العلوم االحديثة والتكنولوجيا أرست الحداثة مبادئ انسانية جديدة لم تكن معروفة للبشرية في عصورها السالفة، اسست مبادئ دول الحق والقانون وهي مبادئ تختلف جذرياً عن مبادئ دول الاستبداد وانظمة الحكم الوراثية كذلك شرعت الحداثة مبادئ حقوق الانسان والتسامح وقبول الآخر واشاعت روح المواطنة والمواطن الحر، اصبحت الحداثة ظاهرة تاريخية حتمية وكونية ليس بوسع أحد ان يرفضها او يتجنبها او يتغاضى عنها إلا اولئك الذين يعيشون في ظلمة الكهوف فمن يريد ان يعيش تحت الشمس لابد له ان يفهم الحداثة ويندرج في مضمارها الواسع وإلا اصابه التضعضع والانقراض، وإذا ارادت الشعوب العربية والاسلامية ان تندرج في مضمار الحداثة ولا تدع الاشرار ان يستحوذوا عليها فيلزمها ان تشارك بصناعتها لا ان ترمي بخرقها البالية وخيمها الخرقاء وسط الحداثة كشئ فاقد المعنى والصلاحية، على هذه الشعوب ان تجتهد وتكدح ليل نهار لتتعلم وتستوعب فلسفة الفعل الخلاق وتفكر بمنطق العلم المعاصر، منطق الاستقصاء والادلة والبراهين، لا تظل متكئة تحت خيام التفوق والشموخ تشتم الآخر وتلعنه وتشيطنه كمن اخذته العِزة بالإثم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينتزع الحراك الطلابي عبر العالم -إرادة سياسية- لوقف الحرب


.. دمر المنازل واقتلع ما بطريقه.. فيديو يُظهر إعصارًا هائلًا يض




.. عين بوتين على خاركيف وسومي .. فكيف انهارت الجبهة الشرقية لأو


.. إسرائيل.. تسريبات عن خطة نتنياهو بشأن مستقبل القطاع |#غرفة_ا




.. قطر.. البنتاغون ينقل مسيرات ومقاتلات إلى قاعدة العديد |#غرفة