الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقطة الخروج في مسرح أوجين يونسكو

محمد سمير عبد السلام

2009 / 9 / 6
الادب والفن


ثمة نقطة ملتبسة بين الموت ، و الحياة في مسرح أوجين يونسكو Eugène Ionesco ؛ يمكننا أن نطلق عليها نقطة الخروج ، و تمثل اللحظة التي يتحول عندها إدراك الإنسان للعبث إلى نشوة داخلية خفية ؛ تلك النشوة تدفعه إلى إعادة تعريف كينونته انطلاقا من التناقض الأصلي ، و الثراء الدلالي للصوت ، و الجسد .
إن العبث يمثل أزمة الإنسان ، و نقطة خروجه في الوقت نفسه عند أوجين يونسكو ؛ فالإيغال في الأداء العبثي يكشف عن بداية التجاوز للمنطق الإنساني ، و التحام الشخصية بمرح العالم حين يبدو كدوال مفككة ، أو مادة قيد التشكل في سياق تحول اللامعقول عن مدلوله المظلم ؛ و في هذه المرحلة تتلاشى الحدود ، و تنبثق الأطياف ، و الأصوات ، و الرؤى متحررة من الألم ، و الوجود التاريخي ، و الأبنية المعرفية التي ينتجها الوعي .
و يمكننا تتبع تلك النقطة في ثلاث مسرحيات ليونسكو هي ؛ المغنية الصلعاء ، و الدرس ، و تعلم المشي ، و قد صدرت بالعربية ضمن الأعمال الكاملة ليونسكو ، ترجمة الدكتور حمادة إبراهيم عن هيئة الكتاب المصرية سنة 2006 .
في " المغنية الصلعاء " تتبع الشخصية تناقضات اللغة ، و انهيار الوصف العقلاني للموجودات ؛ فسؤال الهوية يظل معلقا في انتشار النماذج المتضادة ، و التي تمثل جميعها الكينونة الفردية .
إن يونسكو يبني شخصياته من خلال مفهومي الغياب ، و الانتشار الدلالي اللانهائي ، و كلاهما يناهض أحادية البنية ، و لو كانت نسبية .
في حوار السيد سميث مع زوجته مدام سميث يتذكر الأول وفاة الصبي بوبي واتسون ، و أن زوجته لها الاسم نفسه ، و عندما تسأله زوجته عن ملامحها يذكر تارة أنها بالغة الطول ، و الضخامة ، و ليست عادية ، ثم يصفها بالجمال ، و بأنها بالغة القصر ، و النحافة ، و نعرف من الحوار أن بوبي اسم منتشر في العائلة ، و أن أفراد العائلة كلهم تجار جوالون .
من هو بوبي ؟
إنه الحركة المضادة للسؤال عن الكينونة ، و هو بهجة الولادة المتجددة دائما من الغياب . إن بوبي يحتل زوجته ، و أعمامه دون أن تتشكل بنيته . إنه يقاوم الموت من داخل الحياة في صورتها الوظيفية لا الفردية ، و هذه فيما أرى نقطة خروج بوبي من عبث التشابه .
يكشف يونسكو في حوار سميث مع زوجته عن اتحاد مثلث ( الوعي ، و اللغة ، و الواقع ) في التناقض الأساسي ، و الانتشار العلاماتي الذي يفكك أي محاولة للتعميم ، رغم احتجاب الهوية في الوقت نفسه .
و في وصف سميث لزوجة بوبي استحضار خفي له ، و كأن الموت يكمن في تجدد الحياة . إن بوبي / الميت يتبلور في تناقضات زوجته ؛ فهي شخصية فنية تنبع من أصالة اللامعقول ، و بهجته الحركية ؛ ففي الفضاء الممثل للزوجة نرى أثر بوبي الميت ، و امرأة نحيفة ، و أخرى بدينة في الوقت نفسه . لقد فجرت اللغة موجودات الواقع ، و الوعي المدرك معا باتجاه الثراء اللانهائي في المنظور ، و الهوية .
و يبرز نص " المغنية الصلعاء " العزلة المستمرة للكائن ، و رغبته في التجدد من خلال إحداث الطفرات في الوحدات الحياتية المتكررة .
هل هي لذة الدهشة الإبداعية التي يفتقدها الإنسان في تكرار الحتميات ؟ أم أنه انفصال مضاعف للظلمة المحيطة بالوعي في سياق العبث ؟
في الحوار الطويل بين السيد مارتان ، و زوجته – و كانا ضيفين لدى السيد سميث ، و زوجته – يحاول كل منهما استرجاع المكان الذي التقيا فيه حتى يصلا إلى نقاط متطابقة حول غرفة النوم ، و السرير ، و ابنتهما آليس ، و هي ذات عين بيضاء ، و أخرى حمراء .
ثمة غربة ذاتية يعانيها الوعي في علاقته بالآخر . ثمة فراغ ، و نقص أساسي تولده الدلالات القديمة للمعرفة . إن يونسكو هنا يشكك فيما نطلق عليه أمر معروف ، و مفهوم في إطار بعينه من داخل وحدة الوعي ، و عزلته ، أو رغبته في الخروج من الأنماط الكلاسيكية المطمئنة للحياة ؛ و لهذا كانت آليس ذات عين حمراء ، تلك العين هي طفرة الخروج من الارتباطات المعرفية بالآخر . إنها الاختلاف الذي يكشف رعب احتجاب الوعي في اصطدامه بلاواقعية الواقع .
ماري /
تجسد الخادمة / ماري الرغبة في الخروج ، و استبدال الضمير المتكلم ؛ فتقول " أنا شرلوك هولمز " عقب تحليلها لحورات السيدين مارتان . ماري توغل في استبدال الهوية ؛ لكي تنفي المعرفة التقليدية بالكامل في ذلك الصوت الذي استحضرته ليمثلها في المشهد ، و هو شرلوك هولمز . ماري هي سؤال التغير الذي قاومه السيدان مارتان ، و قد صار واقعا منافيا لثوابت الحياة البورجوازية الراقية .
الإطفائي /
لشخصية الإطفائي بعدان رئيسيان في مسرحية " المغنية الصلعاء " هما :
الأول : البروز المفاجئ ؛ فقد أتى بلا حريق ، أو حدث يستدعي وجوده عند آل سميث ، و قد مزجه يونسكو في النص بطيف يطرق الباب قبل ظهوره .
ثانيا : يرتكز المدلول النصي للإطفائي على وظيفة الحكي ؛ أي أنه حكاء ، و ليس إطفائيا ، و من ثم فهو يمثل تعدد الهوية ، و إحداث فجوات بين الدال ، و المدلول .
يقص الإطفائي بعض الحكايات التي يسميها نوادر مثل ؛ رجل تزوج معلمة شقراء تدعى ماري ، تزوج شقيقها من ماري أخرى ، هي أيضا معلمة شقراء .
الإطفائي يفرغ الحدث من الحدوث الفردي ؛ فالحدث عنده معلق في دائرة من السخف ، و التكرار ، و التشابه ، و كأنه يفكك الحكي نفسه ، و يقول لآل سميث أن لا شيء يحدث ، مثلما جاء هو دونما حريق أو منطق .
الإطفائي يستدعي التكرار الدائري ؛ ليهدد الهوية ، و يعيد إنتاجها في تناقض ثوري ؛ فقد سأل مدام سميث عن المغنية الصلعاء ، فأجابته بأنها مازالت تمشط شعرها .
لقد اكتسبت الهوية هنا ثراء لا يمكن اختزاله أبدا ؛ فالمغنية الصلعاء ولدت فجأة – مثل بوبي – من الغياب ، و في اللحظة نفسها ازدوجت في الدوال المتضادة المتعالية على الصوت الواحد .
و في هذه المرحلة من التطور النصي يمتزج الرعب ، و الفانتازيا ، و المرح في غناء بشري لا ينتمي للمنطق ، فتتكرر الأصوات الجماعية المجردة من شخوص المسرحية .
الصوت الجماعي يتخذ من التناقض نموذجا تأويليا للعالم .
و في مسرحية " الدرس " ينتقل المدرس من الحساب إلى فقه اللغة ، و يمتزج حديثه للفتاة عن علامة / السكين في اللغات المختلفة ، بانهيار تدريجي في طاقة الفتاة الجسدية ، ثم يقتلها ، و يأمرها بالانصراف ، و في تذكيرها له بالجريمة تربط الخادمة بين فقه اللغة ، و القتل .
يؤكد يونسكو في هذه المسرحة تناثر الشخصية ، و انقسامها في تعدد الحالات ، و الأصوات داخل المدرس ، و لكننا نكتشف أن هذا الانقسام الأساسي في الكينونة يتضاعف في علامتي السكين ، و الفتاة ، فالسكين هو التدمير المجازي الذي يمارس إغواء داخليا بالتفكك . أما الفتاة فتسقط في آلام الجسد ، و انهياره الذاتي ، أو رغبته الخفية في الخروج من حتميات السلطة .
ثمة خروج سلبي في هذه المسرحية من الأبنية ؛ فمطابقة الدال للمدلول في اللغة تستدعي أن يكون السكين مدمرا في وعي المدرس ، فالمطابقة هنا تنطوي على تناقضات اللامعقول ، و انفتاح طاقته الخفية من داخل الدرس ، و نموذجه المهيمن على الوعي .
في اللحظة التي يكتشف فيها المدرس سطوة العبث ، يولد مرح التنامي اللانهائي لهذه الطاقة المجهولة فيتفكك الصوت خارج تاريخه ، و وضعه الاجتماعي الأول .
و يتخذ الخروج مدلولا إيجابيا في مسرحية " تعلم المشي " ، و فيها يتحول الفتى المشلول فجأة إلى راقص ماهر ثم يصعد عبر سلم مضيء إلى السماء . أما ممرضته فتصبح راقصة أيضا ، و تنزع عنها الملابس في مكان يذكرنا بتجدد الحياة في الربيع بعد أن كان مستشفى .
إن يونسكو ينتقل هنا من أقسى درجات الرعب في مسرح العبث ، و هي قبول الصمت ، و السكون ، أو الموت ، إلى بهجة الحياة المتجاوزة لأي قلق عدمي إنساني .
لقد انبثق الموت فجأة في النص في سياق لا معقولية توقف أعضاء الجسد ، و من اللامعقول نفسه ينتقم يونسكو من الموت بتحويله إلى رقصة باهرة مضيئة تسترجع عودة الربيع ، و تجدد الجسد الأنثوي للممرضة .
لقد صارت بنية الجسد بحد ذاتها حلما بالخروج ، و استباقا للحياة في تضاعفاتها اللانهائية .
محمد سمير عبد السلام – مصر










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع