الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مدلولات الأفق الاستراتيجي الكارثي لحكومة نتنياهو اليمينية !

احمد سعد

2009 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


يواجه مسار التطور والصراع في منطقتنا، خاصة فيما يتعلق بالصراع الاسرائيلي-الفلسطيني وسبل الخروج من دوامته المخضّبة بالدماء والمعاناة الفلسطينية، اشبه ما يكون بسيولة المعروضات في سوق الدلالين من بضائع فاسدة عصيّة على القبول والاقتناء ممن هم بحاجة الى نوعية افضل منها. فلا يكاد يمر اسبوع واحد الا ويُسرّب الى وسائل الاعلام بشكل منهجي متعمّد من قبل حكومة نتنياهو اليمينية عن اتفاق جديد او برنامج جديد او"سلة تفاهمات" جديدة، بين حكومة الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلية وادارة اوباما الامريكية تبعث على التفاؤل والامل باستئناف المفاوضات حول الحل الدائم بين اسرائيل والقيادة الشرعية الفلسطينية. برامج وخطط لتسوية الخلافات غير الجوهرية والتناقضات غير التناحرية في الموقف بين حكومة الاحتلال والادارة الامريكية يجري الترويج لها اعلاميًا وبشكل مكثف هذا اليوم مثلاً، اما في الغد فيجري الترويج لتفاهمات اخرى لا تتطابق تماما مع ما رُوّج له بالامس. وكل ذلك يندرج حسب رأينا في اطار المناورة التي تلجأ اليها حكومة نتنياهو اليمينية في "الحرب النفسية"مع الفلسطينيين ولكسب مزيد من الوقت لفرض معطيات وحقائق جديدة على ارض الواقع تخدم الهدف الاستراتيجي لحكومة اليمين المتطرف بمنع قيام دولة فلسطينية طبيعية قابلة للحياة والتطور على جميع المناطق المحتلة منذ الرابع من حزيران السبعة والستين من القرن الماضي.
وخلال الايام القليلة القادمة سيحضر الى المنطقة المبعوث الخاص للادارة الامريكية الى الشرق الاوسط، جورج ميتشل، كما انه في النصف الثاني من هذا الشهر، في الثاني والعشرين من شهر ايلول الجاري ستبدأ الدورة السنوية الجديدة للجمعية العمومية للامم المتحدة.
ويجري التأكيد تارة والتكذيب تارة اخرى حول احتمال عقد لقاء ثلاثي في نيويورك وعلى هامش دورة الجمعية العمومية للامم المتحدة بين الرئيس الامريكي باراك اوباما والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو او رئيس الدولة شمعون بيرس. واستقبالاً لهذه الاحداث بدأت حكومة الكوارث اليمينية تسرّب الاخبار التفاؤلية عن جسر الهوّة في الموقف من الاستيطان الكولونيالي الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة بين حكومة نتنياهو وادارة باراك اوباما وانه حسب صحيفة "يديعوت احرونوت" يوم الجمعة الاخير- الرابع من ايلول، "ان نتنياهو سيعلن في آخر الشهر عن تأجيل مؤقت للبناء في المستوطنات مقابل اجراءات حسن نية عربية"! فعن ماذا سيعلن نتنياهو؟ هل من جديد في الموقف ستتخذه حكومة اعتى قوى اليمين المتطرف والفاشية العنصرية والترانسفيرية الصهيونية والاصولية الدينية اليمينية اليهودية المتشدة؟!
**ألهدف الاستراتيجي لم يتغير:
في عددها الصادر يوم الجمعة الاخير، كتب في صحيفة "يديعوت احرونوت" شمعون شيفر، احد محرري الصحيفة اعتمادًا على مصدر موثوق من احد المسؤولين الكبار في حكومة نتنياهو انه "بعد ثلاثة اسابيع من المنتظر ان يعلن رئيس الحكومة عن تجميد الاستيطان في المستوطنات كجزء من التفاهمات المتفق عليها مع الامريكان"!! والحديث هنا لا يدور من حيث مدلوله السياسي حول تجميد كلي لمختلف اشكال الاستيطان، بل عن مخطط تآمري مرهون باشتراطات املائية اسرائيلية تجعل من "التجميد" حسب مدلول ما هو مقترح رافعة لترسيخ اقدام الاحتلال الكولونيالي الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وبشكل يجعل أي كيان فلسطيني مرتقب ليس اكثر من محمية استعمارية هشة لا يجمعها أي جامع مع المفهوم السياسي لدولة مستقلة ذات سيادة اقليمية وسياسية واقتصادية وامنية على ارضها. وخطة "التجميد" التي يتبناها نتنياهو للتفاهم والتوافق مع ادارة اوباما تنطوي على ثلاثة مؤشرات غاية في الخطورة.
- المؤشر الاول : انه حتى يتم الاتفاق نهائيًا مع ادارة اوباما الامريكية حول التفاهمات بخصوص الاستيطان، فان حكومة الاحتلال والاستيطان اليمينية تطلق ايدي النشاط الاستيطاني بتوسيع العمليات الاستيطانية في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية المحتلة وضواحيها، الامر الذي يعني مصادرة وتهويد اراض فلسطينية جديدة وخلق وقائع كولونيالية جديدة تمزق اوصال الوحدة الاقليمية للمناطق الفلسطينية المحتلة مما يجعل من الصعوبة بمكان اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة والتطور.
- المؤشر الثاني: اضفاء الشرعية السياسية على الاستيطان والمستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. فهذا هو مدلول لجوء نتنياهو وحكومته الى استبدال مقولة "تجميد الاستيطان" بتأجيل النشاط الاستيطاني وربط ذلك بشرط املائي اسرائيلي ان تكون مدة التأجيل لعدة اشهر قليلة اذا لم يقدم العرب من الانظمة العربية "المعتدلة" اجراءات حسن النية في البدء بتطبيع العلاقات مع اسرائيل فان حكومة نتنياهو تعود الى ممارسة النشاط الاستيطاني. اذا التزم العرب من انظمة الدواجن الامريكية في منطقة الخليج العربي الفارسي امثال قطر وعُمان والبحرين والسعودية وبلدان شمال افريقيا خاصة المغرب وتونس وموريتانيا بتطبيع العلاقات مع اسرائيل بفتح مكاتب مصالح ودفع عجلة السياحة المتبادلة وفتح الاجواء العربية في وجه الطيران الاسرائيلي وغيره، اذا التزم هؤلاء بهذا، فان حكومة نتنياهو ستدعم وتدفع عجلة خطة ادارة اوباما لاقامة "سلام اقليمي" امريكي على قاعدة تطبيع العلاقات الاسرائيلية- العربية تحت المظلة الامريكية.
- المؤشر الثالث: ان خطة حكومة نتنياهو في موضوع الاستيطان تستهدف ان يكون التجميد أو التأجيل ليس كليًا بل جزئيًا انتقائيًا يُخرج القدس الشرقية المحتلة التي تواجه التطهير العرقي الصهيوني، تهويد المدينة جغرافيا وديموغرافيا من اطار أي تجميد فهي ليست "مستوطنة"- حسب رأي نتنياهو وحكومته بل هي جزء من "القدس الموحدة" عاصمة اسرائيل. كما يندرج في اطار التجميد الانتقائي مواصلة البناء في المستوطنات لالفين وخمسمائة وحدة سكنية في طور البناء.
اضافة الى هذه المؤشرات الكارثية التي لا يمكن ان تكون مقبولة من
جانب طرف الفلسطيني، فان قواريط وايتام ارض اسرائيل الكبرى من داخل وخارج الليكود والائتلاف الحكومي يلجأون الى مسرحية معارضة ومواجهة أي "تنازل" من قبل نتنياهو وحكومته و"الخنوع" للامريكان وادارة اوباما بتجميد الاستيطان او باخلاء البؤر الاستيطانية الهشة. فغلاة اليمين المتطرف من داخل الليكود، من وزراء واعضاء مركز هذا الحزب ينشطون لاقامة معسكر معارض بقوة لاي تراجع او تجميد او اخلاء في موضوع الاستيطان. ويضم هذا المعسكر الوزراء موشي كحلون وغلعاد اورن ويولي ادلشتاين واعضاء الكنيست داني دنون وتسيبي حوطوبلي وايوب قرا ويريف ليفين وزئيف الكين، اضافة الى الوزراء، موشي يعلون وبنيامين بيغن ويوسي بيلد ويسرائيل كاتس ورئيس الكنيست روبي ريفلين. وقد اطلق المتطرفون اليمينيون على معسكرهم هذا اسم "المخلصون لارض اسرائيل في الليكود". وينشط هؤلاء لدعوة مركز حزب الليكود بهدف "املاء على نتنياهو المعارضة وبشدة للضغط الذي يواجهه من قبل اوباما"!! هذا وسيعقد يوم الاربعاء من هذا الاسبوع اجتماع احتجاجي لهؤلاء اليمينيين المتطرفين بهدف كربجة أي تراجع في مجال الاستيطان الكولونيالي.
والحقيقة هي انه دائما استغلت حكومات اسرائيل المتعاقبة عواء ذئاب اليمين كوسيلة اضافية لابتزاز تنازلات سياسية من الطرف الفلسطيني ولتبرير جرائم سياستها المنتهجة. وعواء ذئاب قوى اليمين المتطرف داخل الليكود ومعهم الى جانبهم احزاب المستوطنين وارض اسرائيل الكبرى من المتطرفين اليمينين والفاشيين العنصريين امثال "هيئحود هلئومي" و"اسرائيل بيتنا" وعصابات كهانا الفاشية، عواء هؤلاء من خلال حكومة يمينية متطرفة يغتال أي امل تفاؤلي بالتقدم نحو تسوية عادلة. فموقف حكومة نتنياهو اليمينية يتناقض تناقضا صارخا من ناحية ايديولوجية وسياسية مع التطلعات لانجاز تسوية عادلة.
**الازمة والعزلة:
برأينا ان السياسة الاجرامية التي تنتهجها حكومة نتنياهو اليمينية برفضها للتسوية العادلة واصرارها على الانتقاص من ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية، الانتقاص من حدود السيادة الجغرافية – الاقليمية والسياسية قد اوصل الوضع الى الطريق المسدود، الى ازمة سياسية لا يمكن تجاوزها الا بغروب السياسة القائمة وبفرض تسوية عادلة في ظل ممارسة ضغط دولي ناجع على حكومة الاحتلال الاستيطاني.
فجرائم الاحتلال الاسرائيلي ومجازره الوحشية وتحدّيه للرأي العام العالمي بتصعيد استفزازاته وتنكره للحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية قد بدأ يعكس آثاره ببروز مؤشرات اولية توحي باحتمال اتساع طوق العزلة الدولية لمحاصرة وضغط على النظام الاحتلالي العدواني الاسرائيلي. فاعلان وزير المالية النرويجية كريستين هالفورسين يوم الخميس الماضي (3/9/2009) عن سحب الاستثمارات النرويجية الموظفة في شركة "ألبيت معراخوت" الاسرائيلية احتجاجا على نشاط هذه الشركة في تمويل بناء جدار العزل العنصري في الضفة الغربية، هذا الاعلان والاجراء يعتبر ضربة اقتصادية- سياسية للمحتل الاسرائيلي، بداية مباركة لفرض عقوبة حصار اقتصادي- تجاري على المحتل الاسرائيلي. وقد اثارت هذه الخطوة النرويجية الجريئة حفيظة المحتل الاسرائيلي وقلقه من ان تتخذ دول اوروبية اخرى نفس الموقف النرويجي.
ولم يكد يفق حكام اسرائيل من الضربة النرويجية حتى واجهتهم الضربة الموجهة من المهرجان السينمائي العالمي الذي سيعقد في نهاية هذا الاسبوع. فقد اعلن كبار رجال السينما المشهورين من ممثلين ومخرجين انهم سيقاطعون المهرجان احتجاجًا على "تعاون وتواطؤ المنظمين للمهرجان مع ماكنة الدعاية الاسرائيلية"، وتجاهل معاناة الشعب العربي الفلسطيني وتشرده والجرائم التي ترتكب بحقه في المناطق المحتلة على ايدي المحتل الاسرائيلي وعصاباته الارهابية والفاشية العنصرية من سوائب وقطعان المستوطنين الداشرة. فمن الاسماء البارزة التي اعلنت عن مقاطعة المهرجان سطع اسماء النجوم جون موندا وداني غلوبر والكاتبة نعمي كلاين والمخرج كان لوتس الذين اتهموا القائمين على المهرجان انهم رضخوا للضغط الاسرائيلي بهدف تجميل وتحسين طابع اسرائيل.
ان ازمة وبداية عزلة حكومة الكوارث اليمينية قد تقودها الى مغامرة عدوانية اجرامية الامر الذي يستدعي في بلادنا تحريك وتصعيد نضال الشارع الجماهيري الكفاحي اليهودي – العربي لمواجهة وكبح جماح حكومة العدوان والبلطجة العربيدة لمنطق "حق القوة". وعلى الشعب الفلسطيني رص وحدته الكفاحية المتمسكة بالثوابت الجوهرية لحقوقه وبـ م .ت.ف.كممثله الشرعي والوحيد.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: أين الضغط من أجل وقف الحرب ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مؤثرة موضة تعرض الجانب الغريب لأكبر حدث للأزياء في دبي




.. علي بن تميم يوضح لشبكتنا الدور الذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن


.. بوتين يعزز أسطوله النووي.. أم الغواصات وطوربيد_القيامة في ال




.. حمّى الاحتجاجات الطلابية هل أنزلت أميركا عن عرش الحريات والد