الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجامعة المستنصرية : الخوف والعنف وهبوط المستوى العلمي

عبد جاسم الساعدي

2009 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


د. عبد جاسم الساعدي
أكاديمي / رئيس جمعية الثقافة للجميع
أتخذ حوالي ثلاثين تدريسياً من الجامعة المستنصرية مقاعدهم في قاعة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، وهم في قلق تتنازعهم هواجس الشك والخوف من مغامرة الحضور والمشاركة والإدلاء برأي ما . يصوبون النظر بعضهم بعضاً ، خشية وجود " اختراقات " ما في القاعة .
أعلن أحد الإداريين ، أن " الاجتماع للأساتذة فقط ، نعتذر لغيرهم ، ثم قدم ورقة للتوقيع لتكون وثيقة بيد الوزارة . أشار بعض الحاضرين الى الاستغناء عن الأعلام والتصوير ، عادوا أدراجهم .
تركزت الأنظار نحو ثلاثة من الحاضرين لأنهم أصغر عمراً كما يبدو من غيرهم ، طلب الإداري الاطلاع على هوياتهم ، انسحبوا احتجاجا ، ثم عادوا الى الاجتماع بصورة طبيعية ومشاركة واضحة وجادة .
يقدم الاجتماع لمساته الأولى التي تصلح لأن تكون مادة للبحث والدرس والكتابة القصصية بما طفحت به القاعة من دلالات عميقة الأثر في التعبير عن الخوف .
آه من خوف يقصينا ، يتراكم فينا منذ عقود ...
طلبت " الأساتذة " من السيد الوزير الحماية ، كي تمارس حريتها في التعبير وتطلق الكلام ، للتغلب على العنف والتهديد والخوف الذي يطاردها في الجامعة المستنصرية .
الخوف والعنف ظاهرة بنيوية كما يبدو في الجامعة المستنصرية ، لهذا تتعطل كل الأشياء الأخرى الجميلة في العمل والحياة والحضور الجامعي مادامت تستشري مفاصلها وتفرعاتها على الإنسان والجامعة ، انشغلت القاعة بحضور السيد الوزير ، الذي كان متوثباً في الحضور والاستماع والمشاركة ، والأمثلة لا حصر لها ، يدلي بها الأساتذة تباعاً .. كنت في غاية الدهشة ، لأنني سمعت شهادات لم أكن على علم بمقدار حجمها .
وينصرف الخوف والعنف الى دلالات ذات صلة بالعملية التربوية ، منها " العنف " الذي يمارسه بعض الطلاب " مجموعات " و " أفراداً " في قاعة الدرس وقاعات الامتحانات والسلطات التي يملكونها في الفرض والإقصاء والتعيينات الإدارية والدراسات العليا .
ينتهي بك الحال وانت تسترق السمع الى هؤلاء الزملاء ، وكأنك في " غابة " ، تخشى على نفسك من الولوج الى أعماقها لأنك لا تعرف الدروب السالكة الى الحرية ، تحرص أن تكون في أطراف الغابة ، لأنها معبأة بأصوات أخرى ، شكلت في زمن " الغابة " والفوضى والهذيان والتواطؤ على الشّر والفساد الإداري .
كان بعضهم ممتلئاً في التعبير عن رأيه والظاهرة والأدلة بيده ، أنهم يئنون من مضاعفات الخوف والعنف ، وكأنهم وجدوا ضالتهم في قاعة الوزارة ليعلنوا تحررهم من قيود تكبلهم . كانت القاعة متنفساً ، زاوية من زوايا الحرية التي يبحثون عنها ، بينما الجامعة ، بما تحمل من معان ثقافية وعلمية ومسؤوليات وطنية وانتماءات عراقية وإنسانية ، تكون عامل طرد ومطاردة واستفزاز وخوف تلاحق حركتهم .
ونبقى مع الخوف والعنف والاقتراحات التي قدمها الأساتذة :
- إصدار تشريع قانوني وإجراءات وزارية صارمة ، لحماية الأساتذة والعاملين والإداريين من محاولات التضييق والتهديد وممارسة العنف في الجامعة .
- إبعاد الجامعة العراقية حصراً من المحاصصات والممارسات الطائفية .
- منع الحرس الجامعي والشرطة من الدخول الى حرم الجامعة ، وتحديد مواقع عملهم .
- تحريك دعاوى جزائية على مرتكبي العنف والمحرضين عليه بإشراف لجان قضائية .

هبوط المستوى التعليمي
يفتح الحاضرون الملف العلمي في الجامعة المستنصرية على مصراعيه ، وإن كانت الآراء مشتتة غير قائمة على ورقة علمية ، إلا أنها تؤكد هبوط المستوى العلمي الى أدناه ، وتدني مستوى الجامعة العراقية بالمقارنة مع الجامعة العربية والإقليمية والدولية .
فالجامعة العراقية غير منفصلة عن العملية التربوية بكاملها ، ابتداء من رياض الأطفال التي ذهبت الى القاع ولم تشكل شيئاً يذكر بحسب الدراسات والإحصاءات الدولية والعراقية لهذا لا يؤخذ المستوى العلمي في كل مفاصله وتفرعاته بمعزل عن حال الاضطراب والتفكك والفوضى ومضاعفات الحصار والطائفية والفساد الإداري وظهور فئات لا يجمعها مع المعرفة والإدارة والتعليم جامع سوى مصالحها والبحث عن امتيازات وهيمنة ليس غير .
والشهادات " المزورة " والألقاب " العلمية " تجري على قدم وساق وطرق الحصول على الشهادة واللقب أصبح سالكاً في طرق غير علمية ولا أدارية .
ربط الأساتذة المتحدثون بين تدني مستويات التعليم وحال العنف والاضطراب في الجامعة ، وغياب الشروط العملية في البحث والمكتبة والخدمات والمختبرات والمكان الملائم للأساتذة ، وضعف الإدارة ، بل " ترهلها " والخواء المعرفي الذي عرفته ما تسمى " المجالس العلمية " و " مجالس الكلية " ، غير المؤهلة ، لإعادة النظر بتكوينات الجامعة وسبل تطويرها ، بخاصة " المناهج " التي بقيت أسيرة الماضي / متخلفة بكل المقاييس ، لانّ الغالبية منها لم يمسّ حتى الآن وبقي في إطار الماضي .
شدّد السيد الوزير على ضرورة تحريك المناهج وتطويرها الأ أنّ الأمر ، كما يبدو يحتاج الى رؤية علمية وجداول عمل وتنسيق في الموضوعات المشتركة بين الجامعات بالاستفادة من التطورات العلمية الهائلة على مستوى العلوم الدقيقة و العلوم الاجتماعية .
لقد عقدت عشرات المؤتمرات والندوات في العراق وخارجه ، وتولت الحال منظمات دولية وإقليمية غير أنّ المناهج راكدة ، كما كانت ، أذ تحتاج إلى منهج علمي و" عقليات " علمية جديدة غير التي أصابها الخلل والشلل منذ عقود .
ولعلّ الوضع العلمي في الجامعة العراقية بحاجة الى طاقات عراقية علمية بتجارب متنوعة من داخل العراق وخارجه ومشاركة جهود علمية وعربية ودولية ، تقع في إطار البحث العملي وتشجع سبل الخروج من الأزمة العلمية والثقافية .
• أكد الأساتذة على أهمية التقاليد الأكاديمية والعلمية، والأخذ بيد طلاب الدراسات العليا بتوفير أفضل الفرص ، لإكمال دراساتهم في جامعات علمية رصينة ،
• والخروج من حال الضعف والهبوط العلمي، بعقد ندوات وورش عمل علمية واستضافة باحثين باختصاصات متنوعة ، وتشجيع النشاطات الثقافية الموازية التي ترسخ معاني الحوار والتواصل والمشاركة .
• إعادة النظر بالشهادات على أنواعها لوجود ظاهرة التزوير ، ابتداء من الشهادات الثانوية والجامعية الأولية .
• ضبط قضية القبول بالجامعة والدراسات العليا بحسب ضوابط ولجان علمية لا يرقى إليها الشك في اتخاذ القرارات العلمية الصحيحة .
• تشجيع الزمالات والبعثات والأجازات الدراسية ، بما يعزز المستوى العلمي في الجامعة العراقية .
• اكد بعض الأساتذة على أهمية النظر في موضوعات وثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية ومنح هذه المواد التدريسية إبعادا ثقافية ووطنية في الحوار واحترام الآخر والمعرفة وتجاوز الخلل الذي استشرى في الجامعة .
• اكد المشاركون على أهمية وجود إدارة جديدة تتمتع بصفات علمية والتخلص من حال الركود والترهل و " الشللية " وممارسة الديمقراطية في انتخاب رؤساء الأقسام والعمداء ورؤساء الجامعات .
• واقترح بعض الأساتذة ، تشكيل لجنة تنسيق دائمة بين أساتذة الجامعة المستنصرية ووزارة التعليم العالي لمعالجة الثغرات والنواقص ومضاعفات الأزمة وتداعياتها في صراعات وتكتلات لا تمت الى الجامعة بصلة.
• أبدى السيد الوزير تفهمه لمداخلات الأساتذة الساخنة وكان يعلق بين الحين والأخر في ما يخصّ سبل تطوير العملية التربوية والعلمية والأخذ بيد الطاقات الشابة وتوفير أفضل الفرص لها . وعبر عن دهشته للمعلومات والأدلة التي بينها الأساتذة ولم تصل الى الوزارة بهذا الحجم و العمق والتأثير .
• وكرر الوزير حرص وزارته على معالجة الأزمة في الجامعة المستنصرية والجامعة العراقية بما يعزز المستويات العلمية ويرفع شأن الجامعة من خلال برامج عمل متواصلة في البعثات والأجازات الدراسية وتوفير المختبرات وتجديد المكتبات والتفرغ العلمي .
• ولاحظ المتحدثون هبوط المستوى العملي في الجامعة لوجود " الخدر " و الإهمال وغضّ الطرف عن حالات التواطؤ والسكوت مداراة للوظيفة " الإدارية " وبخاصة ما يتعلق منها بمستويات أبحاث التخرج الهابطة ، التي في غالبيتها لا يعرف الطلاب شيئاً عن بحوثهم، لأنها معدّة في مكاتب " البحوث " او مستلّة من المواقع الإليكترونية . ولعل حال التراجع والتفكك في المستوى العلمي يعود في بعض جوانبه الى غياب المؤسسات والمنظمات والنقابات والهيئات العلمية والنقابية ، لتمارس دورها في حماية الأساتذة والجامعة وتكون مكاناَ للحوار واللقاءات الثقافية والنقد ، وغياب التشريعات القانونية التي ينبغي أن تؤسس لجامعة عراقية جديدة تناسب المرحلة الحالية لعراق قادم ، يخلو من الخوف والعنف والأساليب الديكتاتورية وهيمنة جهة أو جماعة أو طائفة !
• ومن المفيد الإشارة أنّ الأساتذة معنيون بالتغيير وقادرون على خلق معايير التغيير الجديدة إن مارسوا أساليب الاجتماع والنقد والحوار على مستوى الكلية والقسم " والجامعة وأن يكونوا صوتاً يعلو على أصوات " الغابة " والخوف ومحاولات التهديد كما أنّ طرائق التدريس القديمة القائمة على المنصة والكراسي ، لم تعد مجدية ، ولا بدّ من إعادة النظر في طرائق " خاوية " إلقائية تبعث على " النعاس " و " الخدر " ، ترافقها " الملازم " التي أكل الدهر عليها وشرب .
• ويقع جزء كبير من تجديد طرائق التدريس على برامج الوزارة في دورات وورش عمل وتغذية ذلك بطاقات علمية عراقية وعربية ودولية ، لمواجهة " العزلة " التي تعاني منها الجامعة العراقية والثقافة منذ عقود ، ويتصل الحال بإنعاش مراكز بحث علمي جديدة في الإدارة والكفاءات والمنهج ، بالاعتماد على " الشباب " والتواصل مع العالم .
• ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ، بعد هذه الجولة " التطبيقية " التي جرت في قاعة الوزارة ، تحتاج الى برنامج وطني تتكامل به مشاركة وزارة التربية ووزارة الثقافة ووزارة البيئة ، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الإحصاء ، وإن تعّد الوزارة ورقة عمل إستراتيجية للنهوض بالعراق علمياً وثقافياً وبيئياً ، فالتركة ثقيلة جداً في أبعادها الاجتماعية والإنسانية " التربوية " ولم يعد بالإمكان أن تحقق وزارة التعليم العالي شيئاً من هذه التركة الشديدة الوطأة على الإنسان والجماعة وعلى العراق ما لم تجتمع الطاقات العراقية الخلاّقة على أسس علمية بحتة بالاستفادة من تجارب شعوب مماثلة في العالم ...










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي باشتباكات في جباليا | #


.. خيارات أميركا بعد حرب غزة.. قوة متعددة الجنسيات أو فريق حفظ




.. محاكمة ترامب تدخل مرحلةً جديدة.. هل تؤثر هذه المحاكمة على حم


.. إسرائيل تدرس مقترحا أميركيا بنقل السلطة في غزة من حماس |#غر




.. لحظة قصف إسرائيلي استهدف مخيم جنين