الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشكلة التخلف الاقتصادي

سلمان بارودو

2009 / 9 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لقد تزايد الاهتمام بمشكلة التخلف الاقتصادي وعدم التكافؤ في مستويات المعيشة والتطور التكنولوجي بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، والواقع أن ظاهرة التخلف الاقتصادي ظاهرة قديمة وأن الجديد في الأمر هو الشعور بأهمية هذه المشكلة حتى أصبحت تحتل مكاناً أساسياً من الاعتبار.
فعلى المستوى المنطقة وإلى وقت غير بعيد, كانت شعوب الدول المتخلفة تبدو وكأنها قد استسلمت لهذه الظاهرة, ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت أكثر تساؤلاً وانتقاداً لما يحيط بهم من أوضاع واخذ الشعور بمساوئ ومضار كل أشكال التخلف يتزايد, كما تزايدت الرغبة في التصدي للأوضاع القائمة وتغييرها. وقد ساعد على هذا الاتجاه حصول الكثير من الدول المتخلفة على استقلالها منذ ذلك التاريخ فتحررت من السيطرة الاستعمارية, وأصبحت حركات التحرر لا تسعى إلى تحقيق الاستقلال السياسي فحسب بل تعمل أيضاً لبلوغ الاستقلال الاقتصادي حتى أصبح شعار هذه الدول "الاستقلال والتنمية".
إن المشكلة الاقتصادية مشكلة عامة بالنسبة لكافة المجتمعات مهما كانت درجة تقدمها أو تطورها. ومن نافلة القول أن مستوى هذه المشكلة وتبعاتها تختلف في الدول المتطورة عنها في الدول المتخلفة، لأن الأخيرة لا تمتلك خطط وأدوات المعالجة والمواجهة ولم تستطع بعد تكوين بنيانها القوي لأن معاناتها أكبر وظروفها الذاتية والموضوعية أصعب وتعاني من ضعف الهياكل والبرامج الاقتصادية والأجواء السياسية السليمة.
لذلك، تتطلب الحاجة من هذه الدول إلى إجراء تغيير جذري في نهجها الاقتصادي متلازماً مع تغيير جذري في نهجها السياسي لينطلق منه إصلاح اقتصادي وإداري شامل مع خطط للتنمية ومشاركة شعبية من خلال مؤسساتها المعنية في إعداد هذه الخطط، لأن العلاقة بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي علاقة جدلية قائمة على التأثير والتأثر المتبادل.
وهنا لابد من التذكير إلى أن الإصلاح الاقتصادي لا يعني الانقلاب على الذات، وإنما مواكبة التطورات الجديدة انطلاقاً من أهمية التعاطي والتواصل معها وفق طريقة واقعية عملية وعلمية. وهو أيضاً بحاجة إلى وعي مجتمعي في كل مناحي الحياة.
صحيح أن للإصلاح مخاطره وثمنه، لكن التردد في الإصلاح لا يقل خطراً عن الإسراع فيه، وقد أصبح البطء فيه يهدد الدول النامية بمزيد من التهميش والضعف والتبعية في زمن العولمة والثورة المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة.
ولا يمكن أيضاً الحديث عن تحقيق أي إصلاح بدون توفر الإرادة الحقيقية وشروط موضوعية كمقدمات أساسية التي يمكن أن تشكل الأرضية المناسبة لانطلاقته.
إن تفاقم ظاهرة التخلف الاقتصادي وخاصة في السنوات الأخيرة بسبب تأخر الدول في إجراء الإصلاحات المطلوبة مما أدت إلى تراكم المشكلات، على الرغم من الدراسات والحوارات الكثيرة التي تجري هنا وهناك، وتظهر في الصحف المحلية حول مشاكل القطاع الاقتصادي، حيث لم يستطع القائمون على هذا القطاع حتى الآن إعداد رؤية أو إستراتيجية أو برنامج عمل واضح وشفاف لإصلاحه، بينما يستمر استنزاف هذا القطاع للقدرات الإدارية والمالية، ولا يستمر الاستفادة من الثروات الوطنية بالشكل الأمثل أو من الاستثمارات المحلية والخارجية.
كما إن استمرار العديد من المشاكل الاقتصادية مثل: ارتفاع الأسعار- واستمرار الفساد- وهدر المال العام- وزيادة معدلات البطالة والفقر, وما تحمل من آثار سلبية وضارة على الحياة المواطنين وعلى التركيبة السكانية، وضمن الشروط السياسية المحلية والإقليمية والدولية وما يعانيه المواطنون من آثار العقوبات المعلنة وغير المعلنة, إضافة إلى تدخل الأحزاب الحاكمة وأجهزتها الأمنية في أدق تفاصيل حياة المواطن، وفقدان المساءلة والشفافية وضعف المهارات والخبرات في دوائر الدولة بسبب تدني الأجور إلى أدنى مستوياتها, كل ذلك يؤثر سلباً في إضعاف إرادة المواطن وإبداعاته وإقصائه تهميشه وبالتالي إفقاره.
إن المعيار الأساسي الصحيح لأي تنمية هو الوصول إلى إشباع الحاجات الأساسية في المجتمع كالتوزيع العادل للدخل وتوفير التعليم والصحة والغذاء والسكن الملائم لكل المواطنين، وأيضاً العدالة في توزيع الثروة الوطنية وغيرها من الخدمات الأساسية.
من المعلوم أن أي نظام اجتماعي في أي مجتمع يؤثر تأثيراً ملحوظاً على النشاط الاقتصادي فيه، فالدول النامية تعترضها صعوبة التغلب على الكثير من المفاهيم والعادات والتقاليد العقيمة والتي لم تعد تتلاءم ومتطلبات المجتمع الحديث، فالتراث الاجتماعي لهذه الدول - والذي يتمثل في شكل ممارسة العادات والتقاليد البالية والتمسك بالأقوال المأثورة من "الحكم والأمثال"- يعوق عمليات التنمية الاقتصادية.
ومن الأمثلة على هذه العادات والتقاليد السائدة في غالبية الدول النامية إبعاد المرأة عن مجالات الإنتاج بينما هي تمثل نصف المجتمع, وكثرة إنجاب الأولاد بما لا يتناسب مع دخل الأسرة بحيث لا يمكن تهيئة الظروف الصحية والسكنية الملائمة وتوفير متطلبات الحياة الأساسية، كذلك فان تعدد الزوجات وكثرة الطلاق في بعض المجتمعات, من شأنه أيضاً أن يزيد من حدة المشاكل الاجتماعية.
كما تعتبر المعوقات السياسية أيضاً من أهم الأسباب التي تواجه عملية التنمية الاقتصادية في الدول النامية وتتمثل هذه المعوقات في حالات الاستبداد والقهر السياسي وغياب الديمقراطية والحريات العامة، والتنظيم السياسي القادر على تحقيق الاستقرار في الدولة والمجتمع والعامل على تغليب المصلحة الفردية على المصلحة العامة, والذي يحفز الإدارات لتقوم بأداء واجباتها بصورة إيجابية نحو المجتمع يهدف للتقدم والنمو في كافة المجالات.
إن وجود التنظيم السياسي المستند إلى التوجهات العلمانية والمؤسساتية في إدارة الدولة من شأنه أن يبلور قوة قادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية, وبدون تكامل التنظيم السياسي بالدولة مع التنظيمات القانونية والاجتماعية والإدارية يتعذر- إن لم نقل يستحيل – القيام بتنمية اقتصادية فعالة ومستمرة.
لذلك فوجود تنظيم سياسي متحرر من التقاليد البالية وبعيد عن مفاهيم الاستفراد بالحكم وإقصاء الآخر وقادر على مواجهة المشاكل بعقلية منفتحة، يعتبر أحد العوامل الأساسية اللازمة لنجاح أية سياسة للتنمية الاقتصادية، بالإضافة إلى ذلك فان تهيئة المناخ السياسي الملائم للتنمية يتطلب الارتفاع بدرجة الوعي السياسي لأبناء المجتمع بحيث يعرف كل فرد حقه على المجتمع وحق المجتمع عليه ومن ثم يستطيع أن يواجه كل محاولة لاستغلاله أو الانحراف به من جانب أياً كان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا