الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة مياه أم أزمة نظر ؟

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2009 / 9 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الشارع السياسي في بلاد النهرين يضج اليوم بالصراخ ومر الشكوى من شحة المياه في النهرين العظيمين والبكاء على أطلال الزراعة وتصّحر العراق وعدم كفاية المياه حتى لإرواء ظمأ الناس وعطشهم . وهذه ليست المرة الأولى ، ولن تكون الأخيرة ، ألتي يرتفع فيها مثل هذا الصراخ على ضحايا كارثة وقعت ، أو على أخرى وشيكة الوقوع .
لقد ظهرت مسالة تقاسم مياه دجلة والفرات مع الدول الأخرى التي تشترك مع العراق في مجرى ومياه النهرين ، لأول مرة ، إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية ونشوء دول جديدة على أنقاضها في منطقة الشرق الأوسط في النصف الأول من القرن الماضي ، حيث نشأ واقع جديد وظهرت حقائق جيو- بوليتيكية فرضت نفسها على مختلف مجالات الحياة لشعوب المنطقة .
وقد تناولت المادة 109 في معاهدة لوزان المعقودة في 24 تموز 1923 بين تركيا ودول الحلفاء موضوع المياه وحددت العلاقة بين تركيا والأراضي التي انسلخت عنها ، ومنها العراق في نهاية الحرب العالمية الأولى . كما نصت المادة الثالثة من المعاهدة المعقودة بين بريطانيا وفرنسا بصفتهما الدول المنتدبة على العراق وسوريا في 23 كانون الأول عام 1923 على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أي مشروع في سوريا يمكن أن يؤدي لنقص المياه بصورة واضحة وكبيرة في نهري دجلة والفرات عند دخولهما الأراضي العراقية **.
ومنذ ذلك الحين توالت الاتفاقيات والاجتماعات والأزمات التي سببتها المشاريع التي أنشأتها تركيا وسوريا وإيران أيضا على النهرين ، والتي لم تتعامل معها العهود المختلفة في العراق بقدر كافي من الجدية ، يعادل جديتها في الدفاع عن مصالحها الذاتية وتثبيت أركان حكمها وقمع مواطنيها .
إن الأزمة لم تأت من فراغ وليست مؤقتة ، فمنذ سنوات والتحذيرات تتوالى من الخبراء عن أزمة المياه المقبلة ، وخاصة عن تركيا ومشاريعها في بناء سدود ضخمة على النهرين منذ ستينيات القرن الماضي ثم تلاها مشروع غاب (22 سد و19 محطة للطاقة الكهربائية) ، وأحدها سد أتاتورك الذي افتتح عام 1992 . ومنذ أكثر من عقدين والتنبؤات تتردد عن خطر حرب المياه القادمة في الشرق الأوسط ، وعن تصريحات في الصحف التركية بان العراق سيدفع قنينة من النفط مقابل كل قنينة من الماء !
لا يمكن القول إن العراقيين في السلطة وخارجها لا يعلمون بهذه المشكلة ، فهناك أكثر من وثيقة ودليل تثبت عكس ذلك ، منذ أربعينيات القرن الماضي ، ولكن قصر النظر وعدم الجدية في التعامل مع المصلحة العراقية العامة أوصلنا إلى الكارثة .
واليوم ربما هناك تطمينات لفظية وإجراءات مؤقته لمسؤولين أتراك أو غيرهم ، وربما هناك حركة لبعض المسؤولين في الحكومة العراقية ، أو حديث لهذا أو ذاك من أعضاء مجلس النواب حول المشكلة ، أو تصريحات لوزير الثروة المائية ، ولكنها تظل غير كافية ومحدودة التأثير .
المطلوب بدلا من ذلك ، القيام بعمل حقيقي ومتواصل ، على كل المستويات ، الداخلية والخارجية ومن بينها الضغط على تركيا وإيران وسوريا لمنح العراق حقه من المياه الذي تضمنه القوانين والمعاهدات الدولية ، ومعالجة الأزمة بصورة سريعة ودائمة ، وعقد مؤتمر (مؤتمرات ) علمية متخصصة برعاية الأمم المتحدة للتعامل مع تأثيرات الأزمة وانعكاساتها على الاقتصاد والبيئة والإنسان العراقي ، والقيام بإجراءات فعلية آنية ومستقبلية ، لكي لا نصل إلى اللحظة التي نواجه فيها حقيقة ما صرح به أحد موظفي وزارة الموارد المائية بـ( إن دجلة والفرات سيتعرضان للجفاف بالكامل بحلول عام 2040 إذا استمرت تركيا في سياستها المائية الحالية ... ) ، فهل هناك من يسمع ويتحرك ، أم نتهيأ لسماع معلقة جديدة تتباكى على أطلال الفراتين ، مطلعها :
الما يعرف تدابيره حنطته تاكل شعيره
ويومها سيحتاج السامع لخبير يفك له رموز ومعاني كلمات الحنطة والشعير ... والشلب !

* * شحة المياه في نهر الفرات – ندوة نقابة الزراعيين الفنيين 19/4/1975
صحيفة الدستور البغدادية العدد 1717 الثلاثاء 4 آب 2009








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج