الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطمع في الضبعة؟

محمد منير مجاهد

2009 / 9 / 9
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


يجب التصدي لهذه المؤامرة التي تستهدف مستقبل الشعب المصري بكل طوائفه، وهو أمر لا يخص العاملين بالكهرباء أو الطاقة الذرية فقط ولكنه يخصنا جميعا، ومما يثلج الصدر أن عدد من نواب مجلسي الشعب والشورى قد دعا إلى إقامة تحالف وطني يضم أعضاء في البرلمان وشخصيات عامة وأساتذة جامعات لمواجهة ما وصفوه بأطماع رجال الأعمال في موقع "الضبعة" المخصص لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، وطالبوا الرئيس مبارك بالتدخل لإيقاف عبث رجال الأعمال وأطماعهم في الموقع، وتعكس هذه الدعوة موقف مسئول من نواب الشعب يستحق التحية والدعم، ونرجو أن يتسع ليشمل قطاعات أوسع، ولعل مجلة المصور التي كانت سباقة بفتح هذا الملف أن تتبنى هذه الدعوة، وتنظم ندوات وتفتح صفحاتها لمقالات أهل الرأي والاختصاص الذين لا يملكون سوى حبهم لهذا البلد المنكوب بمترفيه.

لقد كان من حسن حظ البرنامج النووي المصري أنه احتفظ - رغم توقفه منذ عام 1986 - بالموقع الذي خصص له عام 1981 في منطقة الضبعة بقرار جمهوري بعد دراسة 11 موقع في مناطق مختلفة على سواحل البحر المتوسط والدلتا والبحر الأحمر وخليج السويس، وهو أمر لم يكن سهلا فقد تعرض الموقع لتعديات من الأهالي وإقامة إشغالات غير قانونية شجعها تراخي وإهمال – إن لم يكن تواطؤ – أجهزة الحكم المحلي في تنفيذ القانون حتى تدخلت القوات المسلحة في يوليو 2003 لإزالة الإشغالات والتعديات ودعم سيادة القانون، وتحويل استخدام هذا الموقع إلى أغراض أخرى غير تلك التي حددها القرار الجمهوري رقم 309 لسنة 1981 بإنشاء محطات نووية لتوليد الكهرباء، لا يمثل فقط إهدارا للمال العام يقدر بمئات الملايين من الجنيهات قيمة ما أنفق على تأهيل الموقع لإنشاء محطات نووية والتأكد من صلاحيته لهذا الغرض، وعلى إقامة البنية الأساسية اللازمة لإنشاء المشروع.

تروج مافيا الأراضي إلى أنه يمكن نقل مشروع المحطة النووية من الضبعة إلى أي مكان آخر، كما لو كان "كشك سجاير"، والحقيقة أن المناطق التي تصلح لإنشاء محطات نووية في مصر وفي معظم دول العالم محدودة لأنها تتطلب العديد من الاشتراطات يصعب أن تتجمع في موقع واحد، وهناك العديد من الدراسات التي يجب إجرائها لاختيار مواقع المحطات النووية والتأكد من صلاحيتها لإنشاء محطات نووية آمنة واقتصادية، وتحديد البنية الأساسية الواجب توافرها في هذه المواقع، وقد تمت كلها بالنسبة لموقع الضبعة بتكلفة تصل إلى نصف مليار جنيه مصري أي أنه قد تم اختيار موقع الضبعة وتأهيله لإقامة محطات نووية بعد دراسات مستفيضة ومكلفة وان موقع مشروع المحطات النووية بالضبعة هو الموقع الوحيد المتاح حاليا والمؤهل لإنشاء محطات نووية. ولا يمكن الجزم بصلاحية أي موقع آخر إلا بعد إجراء نفس الدراسات التي أجريت لموقع الضبعة والتي ستستغرق نحو خمس سنوات ويتوقع أن تصل تكلفتها إلى مئات الملايين من الجنيهات المصرية، ناهيك عن تكلفة إنشاءات بنية أساسية كتلك التي أنشئت في الضبعة.

ودون أن نكون خبراء في السياحة نستطيع أن نقرر أن أي مكان على سواحل مصر الممتدة من رفح إلى السلوم على شاطئ البحر المتوسط ومن السويس إلى رأس حدربة على ساحل البحر الأحمر على الحدود المصرية السودانية يصلح للسياحة البحرية، ولكن السؤال هو لماذا من بين هذه المساحات الشاسعة يتم التركيز على 15 كيلومتر فقط هي طول الموقع الوحيد في مصر المؤهل لإنشاء المحطات النووية على الساحل بعمق 3 كيلومترات؟ هل لن تتم هذه النهضة السياحية الموعودة إلا بعد تدمير إمكانيات مصر الحالية والمستقبلية في دخول العصر النووي؟

وليس معقولا أن نتخلى عن الموقع الوحيد الذي نملكه ونعرف خواصه ومتأكدين من صلاحيته لإقامة محطة نووية آمنة على أمل أن نعثر على مواقع أخرى بديلة في وقت نسابق فيه الزمن لتعويض تأخرنا الطويل عن الدخول في العصر النووي، وإذا كنا سننفذ برنامج ضخم للمحطات النووية في مصر فسوف نحتاج لأماكن إضافية لهذه المحطات، واستبعاد موقع الضبعة لن يؤخر فقط البرنامج النووي المصري لفترة تتراوح ما بين أربع وخمس سنوات - قبل أن نستطيع القول أن هناك موقعا آخر يصلح أو لا يصلح لإنشاء محطة نووية آمنة وبتكلفة اقتصادية تجعلها منافسة للبدائل الأخرى - بل سيمنع الحصول على أماكن أخرى وسيتحقق المخطط الخبيث الذي يسعى لحرمان الأجيال الحالية والقادمة من المنافع التي تحققها الطاقة النووية

وكما أوضحت في مقال سابق بالمصور (12/8/2009) فإنه بفرض إننا وجدنا موقع بديل للضبعة، وإذا افترضنا أن الشعب المصري المثقل كاهله قادر على تحمل التكلفة الإضافية الباهظة الناتجة عن استخدام وقود أحفوري طوال الفترة التي ستستغرقها الدراسات اللازمة لتأهيل الموقع الجديد، فهذا الموقع سيكون بالضرورة على ساحل البحر وبالتالي سيكون مجاورا لقرى سكنية أو مشروعات سياحية ومن ثم فإن السؤال الذي سيثيره سكان أي موقع جديد هو: إذا كانت المحطة النووية آمنة فلماذا لم تنشأ في الضبعة؟ وإذا لم تكن آمنة فلماذا تحرص الدولة على حياة سكان الضبعة ولا تحرص على حياتنا؟ وهو ما سيعزز المقاومة لإنشاء المحطة النووية في أي موقع جديد وكلما انتقلت المحطة من موقع جديد لموقع آخر ستزيد المقاومة أكثر وأكثر لأنه سيكون ورائها قائمة طويلة من الأماكن التي رفضت إقامة المشروع بها.

علينا أن نعترف بأن مافيا الأراضي قد نجحت في تحقيق بعض أهدافها، فقد نجحت في أن تجعل الحكومة تعلن عن البرنامج النووي دون أن تحدد حتى الآن أين ستبني المحطة النووية وتركت الأمر لاستشاري المشروع، وهو أمر يشبه ذهاب شخص إلى مهندس ويطلب منه أن يبني له بيتا، وعندما يسأله المهندس أين سيبني البيت يقول له اختار لي المكان، فيسأله ما هي مساحة الأرض، فيرد عليه اختار لي المساحة، وقد شجعها هذا النجاح على الاجتراء الذي يصل إلى حد البجاحة، فبدلا من أن يحدثونا عن صلاحية الضبعة للسياحة وهو ما قد يعرفونه، نجدهم يحدثونا عن عدم صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية!!،

والسؤال هو إذا كانت خواص الموقع التي تؤهله لإنشاء محطات نووية لا تتغير في فرنسا فلماذا تتغير في مصر؟ بالطبع - وعلى عكس ما تروج مافيا الأراضي - فإن البيانات الخاصة بالجيولوجيا والأرصاد الجوية وحركة الرياح والمياه الجوفية والتيارات البحرية وغيرها من البيانات المستخدمة في تقييم صلاحية الموقع لا تتغير في عشرة أعوام أو مائة عام ولو لم توقف الحكومة البرنامج النووي في الثمانينيات لكان لدينا الآن محطة نووية أو أكثر تعمل بأمان في موقع الضبعة.

ومنذ توقف البرنامج النووي عام 1986 لم تتوقف الدراسات الخاصة بموقع الضبعة، ويجري حاليا استكمال بعض الدراسات التكميلية، ولا أظنني أذيع سرا إذا قلت أن النتائج الأولية لهذه الدراسات حتى الآن تؤكد صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية بقدرة إجمالية 4000 ميجاوات (ضعف قدرة السد العالي تقريبا)، وإذا حدث لا قدر الله أن فقد البرنامج النووي موقع الضبعة فإنه سيكون انتصارا لمافيا الأراضي ولن يكون هذا لأسباب فنية أو علمية.

لقد روجت بعض العناصر القريبة من مافيا الأراضي أنه يمكن نقل الموقع إلى داخل الصحراء على بعد 40 أو 50 كيلومتر من ساحل البحر، وهو أمر معادي للعلم وخاطئ هندسيا كما أنه باهظ التكلفة – وإن كان هذا بالطبع لا يهمهم لأن من سيتحملها هو الشعب - فالمحطة النووية تحتاج لمياه تبريد مصدرها بحر، أو نهر أو بحيرة، وفي حالة عدم وجود هذا المصدر بالقرب من المحطة فيجب شق قنوات لنقل مياه التبريد في الدخول للمحطة والخروج منها، كما يجب تأمينها حتى لا يعبث بها العابثون ويجب السيطرة على المدخل والمخرج على ساحل البحر لنفس الأسباب، كما تحتاج لتوافر بنية أساسية من طرق ومدارس ومستشفيات وأقسام شرطة ومطافي وغيرها.

تعرض المافيا – على طريقة تجار وكالة البلح في تمثيلية لن أعيش في جلباب أبي – "أن تعَرّق وزارة الكهرباء عشان تخلع"، أي تعطيها التكاليف التي صرفتها لدراسة وتنمية الموقع في مقابل التخلي عن الموقع، ولكن هل هم مستعدون لتعويض الأمة عن ضياع مستقبلها بدون محطات نووية لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر؟ هل هم مستعدون لتعويض الأمة عن توقف التنمية – بما فيها منتجعاتهم وقراهم السياحية – لعدم قدرة الدولة على دفع الفاتورة الباهظة لإنتاج الكهرباء من المنتجات البترولية والغاز الطبيعي؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: تحت دوي الاشتباكات...تلاميذ فلسطينيون يستعيدون متع


.. 70 زوبعة قوية تضرب وسط الولايات المتحدة #سوشال_سكاي




.. تضرر ناقلة نفط إثر تعرضها لهجوم صاروخي بالبحر الأحمر| #الظهي


.. مفاوضات القاهرة تنشُد «صيغة نهائية» للتهدئة رغم المصاعب| #ال




.. حزب الله يعلن مقتل اثنين من عناصره في غارة إسرائيلية بجنوب ل