الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزارة التموين . ضرورة مستعجلة - بقلم عدنان الاسمر

عدنان الاسمر

2009 / 9 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


شهد النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي تغيرات أساسية في قواعد الأداء العام، وتعديلات هامة على المقولات الأساسية للاقتصاد الرأسمالي،وابرز ما في ذلك سقوط قاعدة المنافسة التامة والشروط المتساوية للمنافسة ،وسقوط النظرية الحدية ( الإيراد الحدي والكلفة الحدية ) وظهور نظريات أخرى مثل نظرية ربح الفرصة، ونظرية النفقات الكاملة ،كما لم تعد الأثمان في سوقي الإنتاجي والاستهلاك تتكون عند توازن كميات العرض مع الطلب الفعال على السلع والخدمات وكما برزت ظاهرة جديدة في النظام الرأسمالي هي الكساد التضخمي فالقاعدة البديهية في الاقتصاد الرأسمالي تقول انه في حالة الكساد أو الانكماش تنخفض الأثمان استجابة لانخفاض الطلب ،إلا أن الملموس في السوق من قبل المستهلكين هو أن انخفاض الطلب لا يمنع الارتفاع المتواصل في الأثمان وهذا ما دفع المجتمعين من أعضاء مجموعة العشرين في اجتماعهم الأخير بالتوصية بضرورة تدخل الحكومات لمنع ارتفاع وعدم استقرار أسعار السلع الغذائية، من هنا تأتي أهمية وزارة التموين كضرورة ملحة بصفتها الأداة الحكومية لحفظ التوازن في السوق ومراقبة الجودة والصلاحية، ومطابقة السلع للمواصفات والشروط الصحية ،ومنع استمرار تأكل الأجور والرواتب، والتصدي لاحتكار القلة التي توقع ضررا فادحا بالاقتصاد الوطني الكلي فانخفاض القوة الشرائية للمواطنين بسبب الارتفاع المتزايد في الأثمان وما يرافقه من انخفاض في مستوى الطلب الفعال على السلع الاستهلاكية يؤدي إلى النتائج الوخيمة الآتية :
- تزايد مستويات البطالة بين صفوف القوى العاملة لان انخفاض الطلب على السلع يؤدي إلى تخفيض مستويات الإنتاج وهذا يدفع المستثمر لتخفيض عدد العمال فاطلب على الأيدي العاملة للتشغيل مشتق من الطلب على السلع النهائية ، وهذا يؤدي للبطالة حيث يتزايد الملتحقين بفئات العاطلين عن العمل الأخرى مثل البطالة التكنولوجيا والبطالة الناتجة عن تأنيث قوى العمل والبطالة الناتجة عن الشركات عابرة الحدود والتي تستثمر في مشاريع كبرى مثل الأبراج كي تجلب عمال أجانب من جنسيات مختلفة للعمل في مشاريعها بالإضافة إلى البطالة الناشئة عن الاستثمارات الأجنبية في المناطق الحرة حيث تشغل عمال من جنسيات مختلفة تستوردهم من دولهم وهذا كله يعمق النتيجة البالغة الضرر في الاقتصاد الوطني وهي تناقص عرض العمل الكلي على المستوى الوطني .
- انخفاض مستويات الادخار في المؤسسات المصرفية لعدم توفر السيولة النقدية لدى المواطنين والمستثمرين ، بسبب ارتفاع أثمان السلع الذي يهلك الدخول من أجور ورواتب مما يعمق المشكلة الكبرى التي تواجه بلادنا وهي التمويل حيث ترتفع كلفة الإقراض على المستثمرين ويدفعهم لزيادة الربح باعتباره الكلفة الحدية لرأس المال وتخفيض أجور العمال حيث يقع عدم توازن بين عوائد عناصر الإنتاج فكلما تتزايد الأرباح تقل الأجور والعكس صحيح ،وهذا يحدث خلالا في توزيع مكتسبات التنمية وعوائد عناصر الإنتاج من الدخل الوطني الإجمالي ويعمق التفاوت في المستوى الطبقي والاجتماعي لمواطني الدولة .
- انخفاض واردات الدولة من الرسوم والضرائب والجمارك والأنواع الأخرى من العوائد المالية بسبب الانخفاض في الطلب الفعال على السلع والخدمات والذي يؤدي إلى ضعف الطلب الفعال على السلع والخدمات من الخارج وهذا بدوره يؤثر سلبا على نسب النمو في الاقتصاد الوطني فعناصر الإنتاج متداخلة فكل زيادة على احد العناصر تفترض زيادة على عناصر أخرى إنتاجية

- إن انخفاض القوة الشرائية للأجور والرواتب يؤدي حكما إلى انخفاض مستوى المعيشة وتفشي ظاهرة الفقر والجوع والحرمان والتهميش الاجتماعي وسوء الأحوال الصحية والسكنية والتعليمية، كما أن انخفاض مستوى المعيشة ،يؤدي إلى إعاقة الخطط الحكومية في التنمية والرفاه الاجتماعي، والتقدم الاقتصادي ويكون بمثابة مشتله لنمو ظواهر العنف والإرهاب والتخلف والجرائم ،و يحول دون استجابة المواطنين وتفاعلهم مع معطيات ثورة المعلومات والتقدم التقني فالمواطن المستهلك بصفته رجل اقتصادي يقرر التوزيع الأمثل لدخله وذلك بالمقارنة التفضيلية للسلع الاستهلاكية واختيار ما هو ضروري، ويحقق له أعلى إشباع لحاجاته وأكثر منفعة وهذا احد أشكال أجور حد الكفاف التي تتناقض مع التطور الحاصل في حقوق العمال ومكتسباتهم فالعنصر الحاسم في الطلب على السلع الاستهلاكية النهائية ليس إشباع الحاجات فقط بل توفر النقود بصفة رواتب وأجور والتي تسمح بتحقيق الاستفادة والمنفعة للمستهلكين .

- نشوء مظاهر للفساد نتيجة احتكار القلة والمنافسة الاحتكارية وتزايد تمركز رأس المال في أيدي فئة قليلة جدا من المواطنين،وهذا يعمق الإختلالات البنيوية في الاقتصاد الوطني فمثلا تنتشر مراكز التسوق النمطي ( المولات ) والمباني الشاهقة والمكلفة جدا ( الأبراج ) كما تنتشر المطاعم وأماكن الترفيه التي تحمل ماركات أجنبية وتنتشر المقاهي التي تتجمع أمامها السيارات الفخمة ،ويلاحظ أن بعض أحياء غرب عمان صار ليلها نهارا وان العديد من الأسر ذكورا وإناثا والشباب والفتيات يسهرون طوال الليل بكل أمان وطمأنينة وينفقون أموال طائلة على شراء سلع أو خدمات ذات طبيعة استهلاكية ترفية بذخية مكلفة، في حين أن أحياء أخرى ينام سكانها مبكرا وبعض الأسر يعيشون على الكفاف ودون الحد الأدنى بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وهذا يحدث تناقضا حادا في المجتمع ويخل بمعادلة العدالة الاجتماعية والعدالة في توزيع عوائد التنمية بما في ذلك التوزيع الوظيفي والتوزيع الشخصي وقد تضمنت تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية ولعدة سنوات تحذيرات صارخة للحكومات بضرورة الانتباه لإقصاء قوة مجتمعية عن طريق الفقر والجوع والتخلف، بل واعتبرت أن ذلك سيكون من أسباب عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في تلك الدول فأستمرر الركود وطول مدته يتسبب في خروج الكثير من المستثمرين وخاصة في القطاع التجاري وقطاع الخدمات من السوق وتضخم ظاهرة الشيكات بدون رصيد وعدم القدرة على دفع الإيجارات أو الالتزام في دفع ما يستحق عليهم من ضرائب أو رسوم ترخيص ومزاولة مهن وهذا بدوره يؤدي إلى تحول فئات اجتماعية من الطبقة الوسطى إلى طبقة الكادحين كما يؤدي إلى ضياع كتلة نقدية لا يستهان بها من النظام المالي والمؤسسات المصرفية التي بدورها تتضرر من عدم الوفاء لمستحقاتها المالية فلا توجد مصلحة وطنية في زيادة رفع قضايا الشيكات بدون رصيد وبالتالي مطاردة المعنيين بذلك وإصدار أحكام توقيف أو حبس وهذا يضاعف أثار الركود وانخفاض الطلب .

لذا يعتبر إعادة إحياء وزارة التموين ضرورة مستعجلة للتصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية ومكافحة الفساد والتعاطي المرن مع تأثيرات الهيمنة والعولمة ،ونتائج التطور اللامتكافئ كما تعتبر وزارة التموين الأداة الحكومية المؤهلة والقادرة على الاستجابة للتحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني وخاصا في ظل الأزمة المالية العالمية وارتداداتها والتي أعادت الاعتبار للحكومات في النظم الرأسمالية في المراكز للتدخل المباشر للسيطرة على اللازمة والحد من نتائجها الكارثية ،من هنا تأتي أهمية وزارة التموين ذات الأداء المرن وفق العمل المؤسسي وأتباع سياسات واضحة وثابتة، تخدم مصالح الوطن العليا ومصالح جماهير الكادحين فإذا كانت المراكز الرأسمالية الكبرى لجأت للدور الحكومي فلماذا نحن نتردد في ذلك .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -