الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يقتلون ويبتسمون

ناجح شاهين

2004 / 5 / 22
الارهاب, الحرب والسلام


سألت سيدة جميلة الكاتب الإنجليزي جورج برنارد شو: " لماذا لا أرى عندك أزهاراً في البيت على الرغم من أنك تعشق الورود؟" فأجاب بسرعة بديهته المشهورة: " ولكنني يا سيدتي مغرم بالأطفال، فهل تنصحين يا ترى بقطع أعناقهم ووضعهم في مزهريات للفرجة؟" وقد قال الطيب صالح على لسان مصطفى سعيد في موسم الهجرة:" ليس في هذه الدنيا عدل ولا اعتدال." ولذلك ترى برنارد شو يرفض أكل لحوم إخوانه الطيور والخراف، بل ويأكل على مضض النبات لأنهم جميعاً إخوة أشقاء؛ ومن " يحب أن يأكل لحم أخيه ميتاً! " ناهيكم عن حياً.
زميله الروائي الأسطورة أرنست هيمنغوي يخاطب عجوزه السمكة: " أنت أخي أيها السيف، لكنني مضطر إلى قتلك." لا مهرب من ذلك أبداً يا أصحاب القلوب الكبيرة من الحلاج وابن عربي وأبي حيان التوحيدي حتى جان جينية وجورج جالاوي. لا مفر من بعض القتل في حالات الضرورة القصوى، لأن "الضرورات تبيح المحظورات."
إبراهيم نصر الله شاعر فلسطيني. كتب مغضباً عن مجموعة من الشبان الصغار الذين اختطفوا حافلة إسرائيلية مدنية عام 1985. وعندما حاصرهم الجنود لم يتمكنوا من قتل أحد من المدنيين لأن القتل هكذا " بدم بارد " لأناس عزل لم يكن سهلاً على قلوبهم الشابة الرقيقة. لقد كانوا قبل العشرين بقليل. قال إبراهيم لأنك طيب قتلوك. إذ بعد أن أمسكهم " جيش الدفاع " أطلق الرصاص عليهم رجال المخابرات. هكذا تكون الشجاعة والجرأة وإلا فلا. لا أقول ذلك متندراً إنما جاداً،ربما جاداً جداً. إذ كم يلزم المرء من القوة والصلابة وثبات الجنان لكي يأخذ قراراً بقتل فراشة! فكيف بحياة إنسانية كاملة بكل غناها بتفاصيل الشوق والألم والأمل ..الخ من يا ترى يقدر على إطفاء الابتسامة والغمازات ووميض العيون! لا بد أنه شجاع جداً، شجاع وجريء حد التهور، حد الجنون، وحد الغلظة التامة. حد التبلد الكامل للأحاسيس. وهذا بعض من العقلانية التي لا يقدر عليها الشرقيون باعتبارهم كائنات عاطفية ضعيفة ومهتزة. إنها في حاجة إلى تفوق حضاري ساحق كيما تتحقق. وقد فكر أبو بكر البدوي الذي يعيش ما قبل الحضارة بكل معنى الكلمة: ولا تقتلوا صبيا ولا رجلاً مسالماً ولا رجال دينِ..الخ ولا تقطعوا شجرة فإنها أشجار الله يستظل بها ويتفيأ ويتغذى مخلوقات الله جميعاً. لكن هذا كله عواطف شرقية بدائية لم تتقرى بعد دقة العلم والعقلانية الرأسمالية الحديثة. انتهى إلى الأبد ذلك الحس الطفولي الشقي الساذج والغبي وحلت محله ماكينة الحضارة الرأسمالية الراقية بكل تجلياتها المذهلة.
من الفالوجة إلى جنين، ومن رفح إلى أبي غريب القاتل واحد والجلاد واحد. إنه رسول حقوق الإنسان الأول، بابا الحضارة، اليانكي الأبيض من عرق سام أنجلوساكسوني. وهناك أيضاً ربيبة المدنية الغربية إسرائيل تشع أنواراً على العرب المتحجرين، وتسهم في إدخالهم مرحلة الحيوانات العليا: الشمبانزي وإخوانه الغوريلا والأورانج أوتان. نفس التقنيات والطرائق البديعة في التحضير بالاغتصاب والقتل. الحق أقول لكم نحن العرب الشرقيين نرتبك أمام الموت، ولذلك فإننا نرفع شعارات مسكينة بدائية عن كرامة الميت وقدسيته. نقول: "الميت لا تجوز عليه إلا الرحمة." لا نجرؤ على العبث بجثث البشر، فقيمة الإنسان تدهشنا وتثير فينا مشاعر الجلال والهيبة. نحن لم نعتد بعد أن نثمن الإنسان بقيمته المالية فهذا يحتاج إلى شركات غربية تبين لنا كم ثمن جمجمة الهندي الأحمر عندما يكون رجلاً أو امرأة أو طفلاً فلكل رأس سعره وقيمته الاستعمالية والتداولية.
ها هو العالم يرى موجة التتار الغربية في أبهى تجلياتها: قتل واغتصاب وتعرية وقصف للمدنيين في الأعراس وفي المسيرات المدنية التي تحتج على الموت، فتخن بالدم والموت والجراح. بل إن التتار كانوا يريدون شيئاً مما يفعلون، أما اليوم فماكينة القتل الأمريكية الإسرائيلية ملغزة، ولا يبدو لها أهدافاً واضحة تماماً باستثناء شهوة القتل المجاني.
أرغب مخلصا أن أطلب من علماء الغرب الأنثروبولوجيين وعلماء الاجتماع والنفس وعلم النفس الجماهيري، أن يقوموا بقراءة ما يجري. فنحن مثلما يعرف السادة في الشمال مجرد ساميين عرب شرقيين جهلة نعيش زمن الأسطورة إلى الأبد، وليس لدينا أدوات التحليل العلمي بمداخلها ومخارجها الغربية من ألفها إلى يائها. أتمنى عليهم أن يوضحوا لأنفسهم ونحن نتناول بإذن الله ما يساقط على مآدبهم: كيف ينهار الإنسان في جرف هار كهذا الذي وصله الرجل الأبيض صانع حضارة حقوق الإنسان ورافع شعار الإنسان أولاً وقبل كل شيء. لقد شاهدتم مثلما ششششششاهدنا جميعا: يقتلون الأطفال والنساء والرجال والشيوخ في المعتقل وهم في القيد، في المشفى وهم على سرير الموت أو الشفاء، في المدرسة، وفي غرف النوم، وفي رياض الأطفال. يقتلون ويرفعون شعارات النصر، يقتلون ويتسمون. فهل يا ترى لديكم من تفسير لهذا الفيض المدمر من القسوة والوحشية، ومن شهوات الموت؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت