الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق... فوضى المواقف السياسية

عبدالله مشختى

2009 / 9 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


الواقع السياسى فى العراق يشهد الكثير من تناقض وتذبذب المواقف وتصادم الآراء في وقت يسير فيه البلد بإتجاه الانتخابات العامة ويقترب منها مع بداية السنة الجديدة . ويظهر جلياً ان الحراك السياسى لتشكيل ائتلافات وكتل انتخابية والتجاذبات التى تحصل بين الاطراف السياسية المختلفة انعكس على مواقف هذه القوى من القضايا العراقية المختلفة لاسباب انتخابية او غير انتخابية وربما لتنفيذ اجندات سياسية خاصة بها او لقوى وانظمة خارج اطار الدولة العراقية .

القضية الاساسية اليوم فى الحوارات السياسية بين الكتل والاطراف المختلفة هي الأزمة السورية العراقية والتى اخذت حيزا كبيرا ومساحة واسعة من التغطية الاعلامية والتراشقات والاتهامات المتبادلة ، إذ يظهر التباين السياسى الكبير بين مواقف مختلف القوى والاحزاب السياسية العراقية والتى يفترض وكان من المنتظر منها ان تتخذ موقفاً وطنيا موحداً كونها قضية تهم العراق وامنه واستقراره ولاينبغى ان تتحول الى قضية للدعاية الانتخابية لهذه القوى وهي تتفرج على الدماء العراقية التى سفكت وتسفك كل يوم من قبل قوى لاتريد الامن والاستقرار للعراق ولشعبه. فبدلا من التماسك والتوحد ازاء هذه القضية نرى اليوم كل جهة تتخذ موقفا مناقضا تماماً لموقف الجهة الاخرى .
ان اقدام الحكومة على الطلب من مجلس الامن تشكيل محكمة جنائية دولية كان قرارا صائبا رغم ان المالكى لم يستشر مجلس الرئاسة بالموضوع ، وقد اصبح موضوع انفراد المالكي بالقرار مشكلة بين الهيئة الرئاسية فى العراق وبين رئاسة الحكومة بل وتضاربت الآراء في الأوساط السياسية والثقافية والإعلامية أيضاً حول الموضوع، ولكن يبدو ان السيد رئيس الوزراء انطلق من قناعته كونه رئيسا للحكومة العراقية وهو المسؤول عن رسم السياسة العراقية وبالتعاون والتنسيق مع مجلس وزرائه حسب الصلاحيات الممنوحة له من الدستور العراقى . لكنه في الوقت نفسه تجاهل وتناسى بل بان كل القضايا السياسية التى تجرى فى العراق هى توافقية بين الكتل والتيارات ، علما ان رئيس واعضاء مجلس الرئاسة ينتمون الى احزاب ولهم ممثين فى مجلس الوزراء من نواب للرئيس ووزراء وكذلك يمثل احزابهم نواب في البرلمان ومن الغريب ان هؤلاء لم يستشيروا مراجعهم السياسية قبل اتخاذ القرار ومن ثم الموافقة عليه علما كان من الاجدى لرئيس الوزراء استشارة مجلس الرئاسة ولو من الناحية الادبية تلافيا لاية اشكالات قد تفرزها خطوته هذا ناهيك انه دستوريا لايمكن تغييب هيئة رئاسة الجمهورية عن القرارات الخطيرة تبعاً للصلاحيات الدستورية الممنوحة لهيئة الرئاسة هذه ، وعلى مجلس الرئاسة ايضا دعم خطوة الحكومة لانها قضية تتعلق بمصير الدولة والشعب ، رغم ان موقف مجلس الرئاسة كان مفاجأ لانه جاء بعد مرور فترة ليست بالقليلة على القرار ولكن يبدو ان مرحلة التفكير استغرقت وقتاً وتطلبت تعمقاً خاصة من قبل الرئيس الطالباني المعروف بحنكته في هذه الأمور انطلاقاً من تجاربه الحافلة. ورغم ان القضايا التى تطرح على مجلس الامن يجب ان تكون غاية في الخطورة وتستغرق وقتاً طويلاً كالمحكمة الدولية فى قضية اغتيال الحريرى ولكن يبدو انه بالنسبة للعراق كان الملاذ الاخير على حد وصف المسؤولين فى الحكومة العراقية بعد ان ياست من السلطات السورية فى تسليم المدانين والمتورطين والمطلوبين قضائيا من بقايا حزب البعث المنحل ومن قيادات العودة والتى يظهر من اسمها بانها تعد نفسها للعودة الى العراق لا للمشاركة فى العملية السياسية بل من اجل الانقلاب على السلطة الديمقراطية فى العراق واعادة نظام الحزب الواحد والدكتاتورية التى فقدتها قبل ست سنوات .ومهما يكن الامر بالنسبة الى الحكومة السورية كان من الاجدى لها الا تتعامل مع هذه المجموعات وتوفر لهم الملاذ الامن رغم معرفة سوريا مقاصد وجودهم فى اراضيها ، ان الارهاب الذى الذى دخل العراق بعد سقوط النظام السابق كانت يأتي من سوريا وايران والسعودية وبقية الدول المجاورة للعراق وكانت جنسيات الانتحاريين الارهابيين تتألف من جنسيات عربية مختلفة مصرية وسورية وسعودية ويمنية ومغاربة وجزائريين واخرى وهذه المجاميع البشرية التى تنفذ القتل وتعيث في العراق فسادا لم تكن تاتى من السموات او تنزل بالمظلات على ارض العراق ولكنها كانت تعبر من حدود هذه الدول الى داخل العراق ، وكانوا يحصلون على دعم لوجستى وربما مادى من قيادات الحزب المنحل وحتى التدريب على العمليات التخريبية والتفجيرية قبل دخولهم الاراضى العراقية ، وليس من المعقول ان تجرى كل هذه الامور على اراضى دولة مثل سوريا وهى معروفة بنظامها الامنى والمخابراتى ولاتعلم شيئا منها ، ولايمكن الجزم بان الحكومة السورية كلها تتحمل المسؤولية ولكن لابد أن هناك وجوداً لأجهزة أمنية سورية كانت وما تزال تدعم هذه المجموعات .
يقول المثل ليس هناك دخان بلا نار خاصة ان الانباء ترددت اخيرا عن محاولات تجرى لنقل محمد يونس الأحمد وسطام فرحان من سوريا الى لبنان ومنها الى السودان ، واذا ما تأكدت هذه المعلومات فان الدلاتئل ستثبت على حكومة سوريا تورطها فى هذه القضايا . ونتيجة للتحرك العراقى والامريكى والدولى لقطع دابر هذا الارهاب واعادة هيكلة القوات العسكرية والامنية العراقية قد خفت نسبة هذه الجرائم وساد هدوء نسبى اجواء العراق لفترة وتفرغت الحكومة والمؤسسات العراقية للتحول الى اعادة الاعمارو تنشيط التنمية ومحاولة لتقديم الخدمات للمواطن العراقى الذى حرم منها منذ سنوات .ولكن الظاهر بان هذا الهدوء لم يسر بعض القوى الاقليمية لان الهدوء فى العراق يعنى تثبيت المؤسسات الدستورية وسيادة مفاهيم الديمقراطية السليمة والحريات العامة وتأهيل العراق ليكون الدولة النموذج لتطبيق النظام الديمقراطى فى المنطقة التى تسودها انظمة حكم دكتاتورية وانظمة شمولية وعسكرتارية امنية . فكيف يمكن لمثل هذه الدول ان ترى على حدودها عراقا ديمقراطيا مستقرا منتعشاً اقتصادياً يتمتع بسيادة كاملة على اراضيه .
هذه الدول الأقليمية قد سعت وتسعى للتدخل فى الشأن العراقى لاجهاض هذه التجربة بواسطة الاعتماد على بعض القوى السياسية العراقية المرتبطة بها لتنفيذ اجنداتها واعادة العراق الى اجواء الاحتراب الطائفى والمذهبى والعرقى لشل كل خطوة له نحو الاستقرار والهدوء .
ان تواجد قيادات حزب البعث المنحل فى سوريا كان خطأ سوريا إذ لم يكن من مصلحة سوريا ايواءهم وتوفير الملاذ الامن لهم وينطلقوا من أراضيها ليمارسوا الارهاب ضد العراق شعبا وارضا وحكومة .
صحيح أن الحكومة السورية كانت قد احتضنت المعارضة العراقية لسنوات طويلة ابان العهد السابق ولكن يجب أن لا ننسى بان العلاقات بين سوريا والنظام البائد كانت سيئة جدا وكانت فى حدود القطيعة وكانت هناك خلافات حادة وعميقة بين جناحى حزب البعث فى العراق وسورية وفي المقابل ان المعارضة العراقية التي عارضت النظام الصدامي لم تكن معارضة تمارس الإرهاب أبداً ، أما الان لايمكن اعتبار قيادات وبقايا حزب البعث المنحل من المعارضة لانهم هربوا ونبذوا من قبل الشعب العراقي نتيجة لما ارتكبوه فى تاريخهم الحافل بالجرائم من قتل وذبح للعراقيين وتدمير لاقتصاد البلد الذى كان فى مصاف دول العالم الثالث باقتصاده وموارده ، ولكن نظام البعث قد جعل شعب هذا البلد ان يموت جوعا وبؤسا فى الشتات ودول العالم .
المعارضة موجودة فى العراق اليوم وهى تمارس نضالها ودورها السلمى فى معارضة الحكم وبكل الوسائل المتاحة من اضرابات ومظاهرات واعتصامات وعن طريق الاعلام والصحافة .

ان فتح سوريا ابوابها للمهاجرين العراقيين كانت خطوة تنم عن علاقات حسن الجوارومساعدة العراقيين انذاك هربا من الارهاب والتصفيات الطائفية والمذهبية وهؤلاء يختلفون عن قيادات حزب البعث الذين اعادوا تنطيم انفسهم من جديد فى سوريا . ان هذه الدول لن يهداً لها بال كلما خطى العراق خطوة نحو الديمقراطية والاستقرار وستبقى متربصة بالعراق لتحريك قواها الخفية من خلال عملائها داخل العراق لاثارة الفوضى والاضطراب وهذا يقتضى من العراقيين المؤمنين بالعملية الديمقراطية ان يتوحدوا داخل اطار وحدة عراقية والعمل على افشال مخططات الدول الاقليمية والعربية التى تناهض الديمقراطية فى العراق ، لا ان يكونوا آلة بيد هذه الدول تحركهم وفق رغباتهم ومشيئتهم لتدمير العراق وشعبه .

ان الشقاق والاختلاف بين القوى السياسية العراقية واتخاذ مواقف ضد التوجه الوطنى العراقى هى من مسببات فشل العملية السياسية ، كما ان التناقض والاختلاف بين هذه القوى لو كان لمصلحة العراق لكان قد حقق نتائج مهمة على الصعيد السياسى والامنى ولكنه يصب فى خانة المصالح الحزبية والفئوية البحتة وكذلك فى خانة مصالح بعض دول الجوار وغير الجوار من المحيط العربى لهذا بقي التكاتف السياسى والاتفاق على الركائز المهمة للوحدة الوطنية تراوح مكانها بل وتزداد عمقا واختلافا .

هناك قوى عراقية سياساتها معلنة ومعروفة للكل تريد الكيد بالديمقراطية والنظام الاتحادى والدستورى وهى ليست قوى طائفية فقط بل تعمل وفق ايديولوجية بعثية كاملة وتظهر مواقفها يوميا من خلال تصريحاتها وهي تريد اعادة العراق الى ما كان عليه ايام دكتاتورية الاقلية المتحكمة وفق منهج واسلوب متخلف وغير حضارى لا يقبل بمشاركة الاخرين فى ادارة دفة الحكم وهذا ما اعتادوا عليه خلال قرن مضى من الزمن ولم يتمكنوا من التغيير والاصطفاف مع الاخرين وهذه القوى هى العلة الرئيسية فى تفاقم المشاكل والازمات فى العراق اليوم .والا لماذا فقط العراق ؟
ان العراق اليوم تسوده فوضى سياسية وادارية فالجهة العليا فى الدولة تصدر قرارا والجهة التى عليها التنفيذ ترفض وتعلن موقفا اخر ،رئيس جامعة ينقل بقرار وزارى ويتم الرفض لانه مدعوم من حزب معين، الجهة القضائية تصدر مذكرة اعتقال بحق شخص او مسؤول او وزير ويتم الرفض لانه ينتمى الى الحزب الفلانى او الجهة الفلانية المتنفذة فى الحكم .
كيف تسير امور دولة لن تكون فيها قوانين تلزم كل جهة بالالتزام بالقرارات الحكومية التى تصدر فى اية قضية من القضايا وهذا كله بسبب اختلاف التوجهات وتناقض المصالح بين القوى والاحزاب السياسية الحاكمة او المشتركة فى السلطة والمحصلة النهائية لهذه التناقضات والاختلافات هى هدر المزيد من الدم العراقى والذي اصبح رخيصا جدا فى نظر هذه القوى والاحزاب ما دامت اجنداتها لن تتحقق ، ولكن هل هناك اذن صاغية من بين الساسة العراقيين الذين يهمهم استمرار هذه الاوضاع والتى تؤدى الى المزيد من التخلف وهدر لاموال الدولة والشعب وارجاع العراق الى الوراء لعدة قرون من الزمن ؟











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحافظون في إيران ذاهبون إلى انتخابات الرئاسة بمرشح واحد


.. توتر الأجواء بين بايدن وترامب قبل المناظرة الرئاسية | #أميرك




.. هل العالم يقترب من المواجهة النووية؟


.. انتخابات فرنسا.. استطلاعات رأي تمنح أقصى اليمين حظوظا أكبر ف




.. فيديو أخير.. وفاة مؤثرة تونسية خلال تواجدها في صقلية الإيطال