الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسوار مملكة السر (الفصل 15 و 16 و 17 و 18 )

سعد الغالبي

2009 / 9 / 11
الادب والفن


الفصل 15
......هبط الليل وقد أرخى سدوله على بيوت المدينة القريبة من النهر،على سطح الدار ـ التي يسكن فيها حامد مع ابنته نوفه ـ أعد حامد متكأ لضيفه سعد ، والذي كان مشغولا ـ وهويقف بقرب الحائط الذي يعلو البناء , والذي يسمى مجازا"بالستارة" ـ بمراقبة موج النهر , اقترب حامد منه وراح ينظر باتجاه نظر سعد , ثم قال : تلك هي مدينة الناصرية في الليل , مدينة تحلم ...رغم انها لم تنم بعد ! .
قال سعد :تمنيت أن يطيل الله بعمري ......
زرع حامد ابتسامة سريعة على شفتيه, ثم قال : كم تريد ؟!
قال سعد :أريد ... أريد مئة عام أخرى , نعم مئة عام , حتى أرى كيف يكون حال هذه المدينة .
قال حامد , بعد أن اتكأبمرفقيه على حافة الجدار : بعد مئة عام ؟ ...أنا سوف أقول لك , أنظر الى النهر ,أنت تعرفه جيدا , بعد مئة عام ستراه كما هو, لاشيء وقد تبدل فيه ,والبيوت والطرقات والأسواق والخانات و و و,لاشيء قد تغير... الا أذا !
قال سعد :الا اذا ماذا ؟!
قال حامد : اذا جاء رجال ليسوأ على شاكلة هذا المتصرف وصاحبه ناصر العاصي .

الفصل 16
الليل متشابهة الساعات فيه , في كل الأرجاء, حيث الظلام ودخان المواقد في العراء ... لكن بعضهم يحاول أن يتبع دقات قلبه من أجل ايجاد طرفي حبل المودة لكي يتمكن من جعل اللذين يكون بقربهم في نقطة التقاء , هذا الأحساس قد قاده لاقامة وليمة يذكر فيها أسم الله ,لأنه أيقن منذ زمن, لو ذكر الله فان القلوب تطمئن .
الى بيته قد دعا أبوفاضل ... والوليمة أقيمت , بعد أن أنهض المزارع "أباكامل" آخر بعير من مجموعة الابل , وقد أفرغ حمولته من محصول الرز على الأرض, في باحة الدار الخلفية , حيث أعطت الأرض من خيرها هذا العام , ومن عادة الرجل الضرير" صاحب تلك الأرض " أن يقيم وليمته المعتادة في كل عام ، بعد توديع مراسيم حصاد المحصول .
اكتمل الحضور في تلك الوليمة ، ووجود "فهد "في هذا الأجتماع كان بمثابة تواصل للحديث عن أخبار الديار , حيث كل الآذان صاغية والعيون تحدق بأنتباه شديد ناحية المكان الذي يجلس فيه .
أحاديث ـ عن سطوة أصحاب القرار ومزايا الحياة التي يعيشونها ـ كان فهد يتلوها ، والجميع غارق في تفسيره لما يسمع من تلك الأحاديث .

الفصل 17
على مقربة من النهر القديم , وبين أشجار الصفصاف الكبيرة , بنى" شلال" بيته على بقعة من الأرض, تبعد مسيرة يوم عن القرية التي يسكن فيها أبافاضل , تشاطره السكن زوجته "سليمه" , وأخت وحيدة هي "جميله" .
سكن شلال هذه الديار, منذ أن استوطن أباه فيها قبل عشرات من السنين , وهويعرف هذه الأرض, وبوفاة الأب أصبحَ هو المالك لكل شيء , مشاركة مع أخته (جميله) .
عندما أزاح الصباح آخر خيط من خيوط الفجر ,أطلت "جميله" بوجهها المشرق ,كاشراقة الشمس, وقوامها الممشوق,الذي صاغته ساعات العمل الطويل , في ظروف شبه قاسية.
لم تكن جميله ,لتجعل من هذه العطايا التي وهبها الله لها , بمثابة أمر يمنعها من أداء ما تشعر به اتجاه أخيها شلال وحين تكون في موقع العمل ,اذ ان أباها قد هيئهاـ حين أدرك أن ولده سيكون وحيدا في يوم ما ـ لتتمكن من أداء هذا الدور .
كعادتها , منذ أن تطأ قدمها خارج حجرتها كل صباح , تبدأ مشوارها مع قطيع الأغنام ,حيث حلبها ومن ثم المشاركة في خروجها الى المرعى .
بين قطيع الأغنام كانت (جميله) تتخذ طريقا لها ,حين التقاها شلال :
ـ صباح الخير ياجميله .
جميله بين القطيع ظلت منشغلة , فيما اتخذ شلال طريقه نحو النهر ...وبجانب الضفة أناخ جسده وراح يغسل يديه ووجهه بماء النهر البارد لبرودة الصقيع ...... شلال لم يكن ليبدأ يومه حتى يمارس تلك الشعائر , صيفا كان أم شتاءاً .
ترك شلال مجرى النهر وحاول الصعود الى أعلى الضفة,تلك محاولة منه ليبدأ النظر ومشاهدة القادم من المراكب..... تلك المراكب ـ الصغيرة التي تأتي عند كل صباح وهي محملة بالبضائع ـ تعمل بقوة المحركات.... شلال يجهل كيفية عملها , ولكنه لا ينكر على نفسه ـ أحيانا ـ انبهاره بتلك المراكب .
كان الهدوء يعم المكان.أشبه ما يمكن قوله .. حالة صمت .. تطبق على المكان , ولكن !!
كلمات بدأت تتجمع لتكون جمل حوارية, لكنها ظلت أسيرة تحت وطأة الدوران في عقل شلال...ولكن ليس بأمكانه أن يدفعها للخروج , اذ تمنى أن يكون أحدا بقربه ليقول له ... أين طيور النورس البيضاء ,كانت تأتي كل يوم لتزور وجه الماء, لكنها اليوم ترفض المجيء .
اعتاد شلال أن يطيل النظر عند الصباح ناحية اليابسة ,لعله يرقب زائرا يأتيه ! ولكن أبن عمه الأكبر "أبافاضل" رجلا ضرير أما فهد ,فهو لم يراه منذ سنتين .
من بعيد ..... صوت هدير محرك مركب قادم ,يكاد يسمع ..... شيئا فشيئا بدأ يعلو مع اقتراب المركب.
كان شلال على معرفة تامة بكل المراكب المارة أمام محل سكناه ,لكن هذا المركب القادم !! , فهو حديث العهد به ,بل يكاد يجزم بذلك .
بدأ شلال يتكلم مع نفسه بصوت مسموع قائلا : انه يحاول أن يرسو على ضفة النهر ... عند الشريعة ! اذن انه يقصدني , أو لنقل يقصد داري, ترى من يكون ؟ وما الخبر الذي يحمله لي ؟ خبر مفرح يسر ,أم الآخر الذي يخنق الأنفاس ؟!
ترجل ذلك القادم من المركب ؛بعد أن نصبت له قنطرة من الخشب تنقله الى اليابسة , عندئذ ايقن شلال ان هذا القادم يقصده او بالأحرى يقصد المكان ....... هم شلال الخطى لأستقباله ,وثغره باسما حين احتضن كف يده الأيمن ,كف يد الرجل القادم وهو يصافحه .
ثم....ادرك شلال ان الترحيب لايكون كما يجب , حتى يكون الضيف في بيته ... وهناك ,جلس الوافد الجديد وشلال في حركة مستمرة أمامه , يحاول أن يقدم لضيفه بوادر كرمه ....... حين عرف شلال أن ضيفه يود الحديث بكلام يرغب فيه , أصغى اليه
عندما قال:
ـ لو كان الأمر بيدي ما أتيتك طالبا لشيءٍ , هو يخصك وعزيز عليك , وانا على هذا النحو من المجيء , اذ من عادة الوافد لمكان ـ وفي نفسه رغبة كالتي أحملها ـ لا يأتي بمفرده , بل يجمع اليه ثلة من خيار الناس , ولكن ... ولكن العين تخشى العمى دائماً !! .
لم يخفى على شلال , ان هذا الرجل قد جاء مكرها , والذي بعثه... مَن يُخشى منهم .
أبصر شلال ، وبفراسة الى ذلك الرجل وما يرتديه من حلة , تكاد تدنية من مرتبة الشيوخ أو أعوانهم .... لكن شلال لم يستبق الأحداث ،اذ عاد ليقول : ايها الضيف ,اقترب في كلامك بما حئت به , ثم افصح ! .
قال الرجل :بعثني كبيرنا .
استغراب شديد, بدت ملامحه ترتسم على وجه شلال ,عندما أخبره الضيف بأسم ذلك الذي قصده بالكبير ... انه ناصر العاصي .
ماذايريد هذا العاصي ؟ اذ انه لاياتي شيئا الا ويعلم انه سيأخذه , حتى .... لو كان الأمر يتطلب القوة ! ولكن ماذا يريد ؟
هزه الجواب كثيرا , بل شعر وكأن قلبه قد فر من صدره ,عندما علم ما يبتغيه كبيره المزعوم.... ماذا يصنع وقد هربت كل الأجوبة من رأسه.... ولكنه اهتدى الى القول : اعلم أيها الضيف ,ان كنت تريد أن تكون كذلك , أن أختي لاتطلب يدها للزواج هكذا ..... أعلم كبيرك قولي هذا ..... ثم اعلم أن لها أجنحة يمكنها أن تطير بها متى شاءت .
ضحك الرجل ثم قال : أجنحة !! قل كلام غير هذا .
قال شلال وقد بدى متجهما :مثلما سمعت , فهو كذلك.
قال الرجل : ماذا تقصد ياشلال ؟!! .
قال شلال :لها أولاد عم , لو ذكر إسم أحدهم ,لفر من كان في نفسه جأش ... لها إبن عم إسمه فهد , ولا أظنك تجهل اسمه ؟ .
ارتد الرجل الى الوراء , وظل لبرهة من الوقت صامتا , لا يفعل شيئا سوى النظر بوجه شلال .. نهض الرجل , ولكن ليس كما جاء .
قائلا: سوف أجعل كلامك هذا على مسمع ناصر العاصي .
اتخذ المركب الذي جاء مسارا للعودة من حيث قدم , وعلى متنه ذلك الزائر الغريب ... فيما عاد الى مداولة الأفكار ,لعله يهتدي الى سبيل الصواب .
بدأ شلال بالبحث عن صبار , ذلك الرجل الذي اعتمده شلال لرعاية قطيع الأغنام , ولكن أين صبار؟ جاءه الجواب من اخته جميله... انه في المرعى .... خرج قبل ساعة .
اعتلى شلال صهوة جواده , بعد أن أيقن ان الحل يكمن عند أةلاد عمه , ولاسيما فهد ..... فهو وحده القادر , أن يجعل خطوات
الأمر المبهم ـ ان حصل ـ ميسرة, ويكون الحل خلالها .

..... مع خيوط الفجر الأولى , اتخذ صبار طريقه نحو ديار أبي فاضل ....تاركا خلفه شلال يعيش في دوامة من الأحساس المرعب .
عندما كان يجلس بجوار النهر , أدرك ان شرفه في خطر ....ماذا لو تم لناصر العاصي ما يريده ؟ سأل نفسه , ثم أردف قائلاً :
ماذا ؟ هل تكون جميله احدى سباياه ؟!
اهتز كيانه وبدت يداه ترتجف ... من أعطاه الحق أن يفعل , أو...سيفعل .
أدار شلال وجهه ناحية الغرب .... ثم قال : أين أنت ياصبار الآن , بل اسرع وسابق الريح حتى تعثرعلى فهد , ابحث عنه في كل مكان,ثم أخبره أن الظن به كبير , ولي به عهد قديم أرتجيه الآن.
ولكن ...... لو علم شلال ـ أن رسوله قد حل ضيفا هذا الصباح ...وعند ابن عمه قد جرى حديث عنه ـ لاستراح قلبه ، وربما يهدأ باله !

الفصل 18
قال أبو فاضل : أيها الضيف , ان فطورك قد حضر , فخذ منه ما أستطعت .
ولكن صبار ! يحمل هما حين قال: ان حاجتي للطعام كبيرة , ولكن .... ما أحمله من خبر يمنعني من أن أقضي تلك الحاجة .
..... صاحبي الذي أرسلني , أظنه لم ينم ليلة الأمس ,حيث أنا في طريقي اليكم .
بعد اندهاشةٍ ... قال أبو فاضل : لك العذر ان لم تتناول الطعام , ولكن هل لنا أن نفهم ؟ لعلنا نساعد !
تمنى صبار لو يستطيع أن يزيح ذلك الحمل الثقيل الذي أعياه حمله ...عندئذ قال :ان ما أحمله من أخبار , هي منكم واليكم !
فهد كان يصغي , ولكن هذا الحوار بدأ يقلقه كثيرا ..... فأوحي لهذا القادم أن يفصح , فجاء الرد يتخلله بعض الأسى :
ـ ان لكم ابن عم يسكن جهة الشرق؟
نبرة صوت عالية أطلقها فهد : شلال ؟
قال صبار : نعم شلال , وأنا رسوله .... ان أخطار بعض المفسدين قد أحاطت به , وقد تصل الى أركان بيته... فهل لكم أن تنصروه ؟
قال فهد : بل قل سوف نفديه ان تطلب الأمر .... شلال ! أنه أخ ,وابن عم .
نهض فهد من مكانه وبدأ يقول بصوت منخفض , وقد بدى يستذكر شخصية شلال كما عهدها شلال رجل يذهب الى السلم على قدميه
ولكن ! من يكون هذا المفسد ؟ .
قال صبار : انه ناصر العاصي .
وبألم في كلامه, قال فهد : شرور الدنيا قد اجتمعت فيه , وكل صفات الأشرار صارت صفته .... هذا هو العاصي .
مضى بعض الوقت , وصبار يتحدث اليهم والجميع في اصغاء .
وبعد حين ... أوفد فهد فاضلا ,مبعوثا يحمل رسالة الى صديقه سعد آل منصور ,بدعوة منه للألتحاق به , حيث يكون اللقاء .
وبقرب الجواد ـ الذي سوف يحمل فاضل الى يلك الديار ـ وقف فهد قائلا : خذ معك من تأتمنه حقا ليكون لك رفيق درب .
قبل أن يعتلي ظهر الجواد.. قال فاضل : لقد أوعزت له بالخروج معي , انه راضي .
انطلق فاضل في رحلة , يرافقه راضي ، ذلك الصديق الذي رسم معالم طريق التحدي في اعماقه مسبقا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي