الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


11 سبتمبر مرة أخرى

هاشم صالح

2009 / 9 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


11 سبتمبر 2009م

ألم نمل من 11 سبتمبر بعد؟ يخيل إلي أن ذكراه تمر باهتة هذه السنة. فلم أشعر حتى الآن بأن الصحافة الفرنسية مثلا تستعد كثيرا للاحتفال به. وهذا دليل على أن أعظم الأحداث قد تفقد بريقها بمرور الزمن. ولكن هذا الهدوء الظاهري لا يعني أن 11 سبتمبر قد انتهى. فالواقع أنه لا يزال يتوالى فصولا حتى الآن ويؤثر على السياسة الخارجية للغرب كله. إنه دون شك الحدث الذي دشن القرن الحادي والعشرين. وسوف نعيش في ظله وظل تفاعلاته وتحت كابوسه زمنا طويلا.

قلت بأنه يؤثر على السياسية الخارجية للغرب ودليلي على ذلك هو أن موضوع الإسلام لا يزال موضوع الساعة. فالكتب التي تنشر عن الأصولية الإسلامية في اللغات الغربية لا تزال تحتل الواجهة وتحظى بالاهتمام والأرقام القياسية للمبيعات. بالفعل لقد حلت الأصولية محل الشيوعية في مركز اهتمام الغرب. وإذا كانت الشيوعية قد شغلته مدة خمسين سنة من الحرب الباردة فإن الأصولية قد تشغله نفس المدة إن لم يكن أكثر. كل قادة الغرب يعترفون بذلك بمن فيهم المعتدلون الذين لا يكنون العداء المسبق للعرب أو للإسلام. أذكر من بينهم على سبيل المثال لا الحصر وزير خارجية فرنسا السابق هوبير فيدرين. فقد صرح هذا الرجل المحترم لمجلة النوفيل أوبسرفاتور مؤخرا قائلا: أيا يكن رأينا في نظرية صدام الحضارات لصموئيل هانتنغتون فمن الواضح أن لها نصيبا من الصحة. من الواضح أن هناك مشكلة بين الغرب والإسلام أكثر مما هناك مشكلة بين الغرب وأي نطاق حضاري آخر كالصين أو الهند أو روسيا.. وينبغي أن نأخذها على محمل الجد ليس على طريقة المحافظين الجدد بالطبع وإنما على طريقة الحوار الأخوي ومد الجسور لكيلا تستفحل الأمور وتزداد الهوة اتساعا بيننا وبين عالم العرب والإسلام.
وأما مفكرو الغرب وفلاسفته فيذهبون أيضا في نفس الاتجاه ويقولون لك بما معناه: الإسلام يعيش أزمته مع نفسه قبل أن يحصل إصلاحه الداخلي وهي أزمة حادة قد تطول. وهي تشبه ما حصل في المسيحية الغربية قبل قرنين أو قرن ونصف. وبالتالي فينبغي أن نتفهم ظروفه لا أن نعقدها له أكثر فأكثر عن طريق التشهير به أو عن طريق سياسات هجومية وعدائية خاطئة. الفيلسوف الكبير بول ريكور قبل أن يموت عام 2005 قال بما معناه: أنا واثق أن الإسلام سيخرج من أزمته الطاحنة وسوف يجد طريقه نحو الاستنارة والتسامح والاعتراف بالأديان والعقائد الأخرى يوما ما. نحن، المسيحيين، كم حاربنا قيم العالم الحديث قبل أن نتصالح معها ونتوصل إلى تفسير عقلاني لديننا وتراثنا؟
نفس الشيء يقوله عالم اللاهوت الشهير هانز كونغ الذي يصرخ في وجه السياسيين والصحفيين الغربيين قائلا: «كفوا عن تخويفنا بالإسلام بمناسبة ودون مناسبة! خففوا من تركيزكم على الإسلام! الإسلام ليس بعبعا هاجما عليكم لكي يلتهمكم! ما هذا الهراء أو بالأحرى الهذيان! كل مشكلة تلصقونها بالإسلام حتى لكأنه مسؤول عن كل مشكلات العالم. هذا ليس صحيحا. هذا كلام مبالغ فيه. هناك أيضا تعصب لدى الأصوليين اليهود والمسيحيين وبقية الأديان الأخرى. اتركوا للإسلام الوقت الكافي لكي يحل مشكلته بنفسه ويجد طريقة معقولة لإقامة المصالحة بين تراثه الطويل العريض وبين الحداثة العلمية والفلسفية والسياسية. هذه قصة كبيرة. هذه مسألة ضخمة تتطلب وقتا ولا تحل بين عشية وضحاها.
نفهم من هذا الكلام وسواه أن عقلاء الغرب وحكماءه يتفهمون الوضع الصعب للعالم العربي الإسلامي ويستخدمون لغة مسؤولة عندما يتحدثون عنه. وتلاحظ أن في لهجتهم حرصا حقيقيا على التواصل معه ومساعدته على أن ينتهج الطريق الصحيح المؤدي إلى الخلاص. وبالتالي فالغرب ليس كله كتلة واحدة صماء، بكماء، عمياء، على عكس ما يحاول أن يوهمنا التيار الغوغائي القومجي الأصولي المسيطر على الشارع عندنا. ولكن المشكلة هي في التيار اليميني المتطرف المعادي لنا بشكل مسبق في الغرب والذي يستمتع إذ يرى عالمنا الإسلامي يتخبط في مشكلاته ويشغل العالم بتفجيراته. بل وأكاد أراهن على أن هذا التيار يتمنى أن تقوم «القاعدة» بتفجيرات جديدة وضخمة كل يوم لكي يرسخ في أذهان الشعوب الغربية تلك الصورة السوداء عن كل ما هو عربي أو مسلم. من هنا الخوف الحقيقي. ذلك أن ذوي النوايا الطيبة من كلتا الجهتين يجدون أنفسهم محاصرين من قِبل التطرف والتطرف المضاد. وبالتالي فليردع الغرب سفهاءه عنا لكي نردع سفهاءنا عنه! فهو أيضا له متطرفوه ومتعصبوه وحاقدوه. لا ريب في أن الرئيس أوباما فعل الكثير في هذا الاتجاه وله الشكر. فقد استخدم لغة جديدة وفلسفة سياسية ذات نزعة إنسانية مضادة لتلك التي يتبناها المحافظون الجدد. وأخيرا فإذا كانت لـ11 سبتمبر من ميزة فهي أنه سيجبر الجميع على مراجعة أنفسهم والتكنيس أمام بيوتهم. على الأقل هذا ما نأمله ونرجوه.


* نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات