الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسم الحزب مرة أخرى

فيصل لعيبي صاحي

2009 / 9 / 12
مواضيع وابحاث سياسية



بدايةً علي أن أثمن المبادرة التي قام بها الرفيق أبو ياسر في دعوته الكريمة لمجموعة من الديموقراطيين والشيوعيين السابقين مع أعضاء عاملين في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، قبل فترة ، لتدارس الوضع، وهي تعكس حرص الذين إستجابوا للدعوة على ضرورة أن يأخذ الحزب دوره الطبيعي في العملية السياسية الجارية الآن في عراقنا الحبيب.
والدعوة ليست الأولي ولن تكون الأخيرة ، فقد عقدت ندوة مشابهة في الدانمارك أيضاً قبل فترة بنفس الإتجاه و نتمنى على رفاقنا في الحزب أن يستثمروا ويستفادوا منها في تصويب مسيرة الحزب وتدقيق سياسته العامة. كما اتمنى على الرفاق في كل مكان أن يبادروا الى مثل هذه الملتقيات لمعرفة موقف الجمهرة الواسعة من اليساريين والديموقراطيين من سياسة حزبنا وأخذ العبر والآراء الصائبة لتطوير أدواتنا وأساليب عملنا القادم.
أن توسيع هذه الندوات في عموم العراق والخارج ، يعتبر دعم معنوي لنا وعون كبير لتلمس الطريق الصحيح في دربنا الوعر والمحفوف بالمخاطر.

لقد طرحت أفكار ومقترحات نافعة جداً لحزبنا وتنبع عن تقدير صائب للدور المهم المطلوب بالحزب القيام به، كما شخّص العديد من الأصدقاء طبيعة الوضع الصعب الذي يمر به حزبنا والظروف التي يعمل من خلالها وكذلك قدّر العديد من الحاضرين إمكانية الحزب بشكل واقعي وثمنوا الجهد الإستثنائي الذي يبذله الشيوعيون من أجل ان تنهض الحركة الديموقراطية وتأخذ دورها المفترض.

كان موضوع أسم الحزب قد أثير مجدداً في ندوة لندن هذه، وقد أيدت الأغلبية الحاضرة تغيير إسم الحزب باستثناء القلة الذين كنت واحداً منهم، ولهذا رأيت من المناسب مناقشة هذه القضية بروية وتفكير مسؤول وحريص على مستقبل اليسار العراقي الديموقراطي وفي المركز منه الحزب الشيوعي العراقي بالذات.

ولكي نحلل اسباب مثل هذه الدعوات، علينا أن نفكر كذلك بمن يريد أن يتخلص من ثقل التحدي الذي يمثله الحزب في التاريخ السياسي العراقي الحديث، فغياب أسم الحزب الشيوعي كان ولا يزال من أهداف قوى معروفة ولها تاريخ دموي مع هذا الحزب، ولا أظن ان الأصدقاء الذين طالبوا الحزب بتغيير أسمه قد تفوتهم مثل هذه الأمنية القديمة لمجموعة واسعة من القوى العاملة اليوم في الحقل السياسي العراقي ، ولا أغالي لو قلت أن رأس الحزب الشيوعي العراقي مطلوب من قبل قوى وأحزاب خارج العراق أيضاً .

ما السر إذن في إستمرار الحزب مع كل هذه المذابح التي نظمت ضده وكل الحصار الذي يحيطه؟
شخصياً لا أزال أردد بين بعض الأصدقاء عبارة" المعجزة العراقية " التي تم تحقيقها في القرن العشرين والتي تتكون من التشكيل العراقي والشعر العراقي واليسار العراقي، وهناك ترابط بين هذه الجوانب التي تبدو غير مترابطة، لكن المتمعن فيها، سيجد الوشائج المتينة فيما بين الفن والأدب الحديثين واليسار في العراق.
ولا تختلف هذه المعجزة عن المعجزة اليابانية ، فهي مستمرة ولا تزال تواصل السير وإن في خطى بطيئة، ولا تحتاج إلاّ لرافعة الإقتصاد العراقي ليتحول العراق الى مركز هام لكل أنواع الإبداع الثقافي والعلمي المنتظر منه.

لقد تم صرف الملايين وبذلت جهود جبارة لحرف الشيوعيين عن الطريق الذي تم تحديد ملامحه الأساسية مع ملامح الحداثة العراقية في النصف الأول من القرن العشرين ، من خلال المؤتمر الوطني الأول للحزب. ولا تزال مثل هذه الجهود مستمرة في نفس الإتجاه، أي لتغييب الحزب واسمه من التداول في السياسة العراقية والمنطقة عموماً. ولا نحتاج الى ذكاء غير عادي للتأكد من هذه الحقيقة، فهل سيقدم الشيوعيون على تحقيق هذه الأماني التي ينتظرها العديد من أعداء الحياة والتقدم والسلام والتطور المدني والحضاري الذي نسعى جميعاً لتحقيقه في العراق ؟

أن تغيير الإسم يعني ببساطة تغيير النهج، تغيير النظر الى المشاكل التي تواجه العراق والمنطقة والعالم، تغيير الفكر والمصالح المرتبطة به، وكذلك القوى الإجتماعية التي يقع عليها مثل هذه التحولات، ولهذا فالإسم ليس معزولاً عن الجسم أوالمظهر عن الجوهر، إذا أردنا إستخدام المفاهيم الفلسفية، فهل يطلب الأخوة تغير الإسم من دون أن يغير الحزب من أهدافه وسياسته ونظرته العامة لمجمل القضايا التي تأسس على أساسها؟
صحيح أن الحزب أداة وليس كعبة مقدسة ، أي أداة لتحقيق مهمة ما أو هدف معين، ويبقى ما بقي هذا الهدف الذي يملك شرعيته، وصحيح أيضاً ان على الحزب تطوير أدواته ومناهجه وخططه بين فترة وأخرى، وبناءً على المتغيرات الحاصلة داخل المجتمع نفسه، لكن هذا لا يتطلب منه أن يبدل هويته وخصائصه التي تشكل ونشأ عليها.

لننظر بطريقة أخرى، فهناك العديد من الأحزاب السياسية التي تحمل أسماء متنوعة ، مثل الحزب الديموقراطي المسيحي في المانيا وكذلك في إيطاليا، أو حزب العمال البريطاني والإشتراكي الفرنسي، فهل تعمل مثل هذه الأحزاب على نشر المسيحية مثلاً أو الإشتراكية أو تدافع حقاً عن مصالح العمال؟ ومع أن الكنيسة لم تعد سلطة مطلقة في أوربا وأنفصل الدين عن الدولة منذ الثورة البرجوازية الفرنسية، إلا اننا لا نزال نسمع بأسماء أحزاب مسيحية مختلفة ، والحال أن أوربا اكثر عرضةً للتبدلات وشعوبها (شعبها الآن ) أكثر شعوب العالم تقبلاً للتغيير ، لكننا لم نسمع يوماً عضواً في مثل هذه الأحزاب طالب حزبه أن بغير أسمه بسبب عدم تماشيه مع تطورات العالم الهائلة.

الأسم له دلالات ويحمل معه تاريخ الحركة ونضالها، أضف الى أن الشيوعيين العراقيين لم يرتكبوا من الأخطاء التي تجعلهم يفكرون بتغيير أسم الحزب، لأنه وبسبب الأخطاء مثلاً، يثير القرف أو يجرح مشاعر جهة معينة، مثل العديد من الأحزاب التي أصبحت أسماءها تثير الفزع وأرتكبت جرائم لا تغتفر بحق الشعب والوطن.

ببساطة متناهية لم تكن التبريرات التي قدمت تؤكد ضرورة تغيير أسم الحزب، ولا أعتقد أن هناك حتى داعي لذلك. لأن الواقع العراقي لم يطرأ عليه ما يستدعي مثل هذا الأمر، والشيوعيون معنيون بتفحص هذا الواقع باستمرار.

لقد تهدم أكبر حزب شيوعي في أوربا – الحزب الشيوعي الإيطالي – عندما ارتفعت أصوات مطالبة بالتجديد وتغيير إسمه، فتفككت الكتل التي كانت داخل الحزب وكانت النتيجة ما نراه اليوم في إيطاليا، مع أن رئيس الجمهورية هناك هو نابوليتانو الذي كان عضو المكتب السياسي في الحزب وممثل الجناح اليميني فيه، وهذا ينطبق أيضاً على الحزب الشيوعي الفرنسي الذي لم يغير أسمه، لكنه غير سياسته فلم يعد حزباً جماهيرياً ، نتيجةً لتغير النهج دون تغيير الأسم، ومن هنا نجد أن القضية تكمن في أساليب العمل والخطة السياسية وليس في الإسم كما يظن العديد من الحريصين على مستقبل حزبنا.
لقد اندثرت المنظومة الإشتراكية في خمس الكرة الأرضية ، مع أنها لم تترك مناسبة أو فرصة للتأكيد على النهج اللينيني، بينما التطبيق الفعلي لها كان نهجاً بوليسياً فأستحقت حقد الجماهير التي تركت المنظومة وأصحابها يلاقون مصيرهم الطبيعي، ولم تقف النقابات والمنظمات الجماهيرية أو المهنية ولا حتى مخابرات هذه الأنظمة التي كانت تكتم أنفاس الناس وأصطفت مع ما كانت تطالب به القوى المعادية للإشتراكية عموماً ، اما الحزب الشيوعي السوفياتي – العظيم – فقد أصبح أثراً بعد عين و اختفي كما لم نسمع عن الجيش الأحمر العقائدي شيئاً يوحي بحركة أوتذمر لما كان يجري امامه.

وامامنا التاريخ في عرضه وطوله لنتفحض مصائر الحركات الكبرى فيه، وما جرى لها بعد ان تخلى أصحابها عن نهجها مع تمسكهم باسمائها،. العبرة إذن في السلوك وطريقة التعامل مع التطورات وليس بتغيير شكلي .

ليلتف الديموقراطيون واليساريون النجباء حول الحزب ويدعموا جهوده في توحيد صفوفهم وتركيز العمل على إنقاذ العراق من دوامة الظلام والإحتلال والتخلف والفساد، ومن اجل حياة حرة ديموقراطية تؤمن بحق العراقيين في العيش كسائر البشر دون قسر أو إكراه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟