الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انكفاء عربي عن المشهد الاقليمي

جهاد الرنتيسي

2009 / 9 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


لان الزمن سلسلة من الحلقات المترابطة ، ولان احداثه ممتدة تلد بعضها ، ولا تعيد نفسها ، تأخذ شكل المقدمات احيانا ، ليستدل على المقبل بالراهن ، ويقرأ الماضي بادوات بلورتها مجريات احداث الحاضر .

يكتسب تأمل هذه الفكرة بعض الالحاح ، لدى الاقتراب من اية محاولة ، لقراءة الواقع السياسي العربي ، بعيدا عن الرغائبية ، وديماغوجية الشعارات التعويضية المستهلكة ، اوالاستناد الى جدران مائلة ، كما يقول المثل الشعبي .

وفي العلاقة الجدلية بين القضية الفلسطينية والواقع العربي ـ تأثرها به وتأثره بها على مدى العقود الماضية ـ ما يبرر التعامل معها باعتبارها واحدة من المرايا القادرة على ايصال الصورة الاوضح .

ففي بعض تفاصيلها ، كانت القضية " المركزية "ساحة للصراع ، وتصفية الحسابات ، وتصدير الازمات العربية المركبة .

ولم يكن الاذى الذي يلحق بهذه القضية واردا في حسابات الباحثين عن اوراق سياسية يمكن توظيفها في نزاعاتهم الداخلية و مساوماتهم مع اطراف اقليمية و دولية .

كما بقيت قضية الشعب الفلسطيني على الدوام اداة خداع تستخدمها اطراف النظام الرسمي العربي في التعاطي مع شارعها المجروح في كرامته وانسانيته .

ولا تخرج في راهنها من هذه الزاوية ، وان كانت بفعل ديناميكية الاحداث ، وثورة الاتصالات ، اكثر قدرة على تعرية عجز هذا النظام امام شارعه .

فالسياسات التي يتبعها بعض اطرافه تساهم في تكريس حالة الانقسام التي تهدد بنشوء كيانين فلسطينيين على الارض .

وبشكل او بآخر تساعد هذه السياسات على توفير مناخات التهرب من استحقاقات عملية السلام لحكومة اليمين الاسرائيلي .

الا انها تعجز في المقابل عن ايجاد رافعة حقيقية لردع سياسة فرض الامر الواقع الاسرائيلية المتمثلة في مواصلة الاستيطان ومصادرة الاراضي .

وفي معادلة تكريس الانقسام ، والعجز عن المواجهة ، ما يساعد على توفير المناخات الملائمة ، لمراوغة حكومة اليمين الاسرائيلي ، واجتيازها محطة التسوية المقبلة ، وفق شروطها التي لا تضمن الحد الادني من الاستحقاقات المطلوبة .

الى جانب الخلل المتراكم في اداء النظام الرسمي العربي ـ على الصعيدين الداخلي والخارجي ـ تتجه المؤشرات الى تهميش القضية الفلسطينية ، من خلال افقادها مركزيتها بين القضايا والازمات العربية المتفاوتة في درجات خطورتها ، وهناك اكثر من نموذج قضية ، يمكن معاينته في اطار البحث عن شواهد .

ففي تعقيداته وتداخلاته مع قضايا المنطقة والعالم ، نتيجة للموقع الجغرافي ، والثروة النفطية ، ودخوله الى دوامة التطرف الديني ، والفرز المذهبي من اوسع ابوابه تحول الملف العراقي الى ابرز الملفات العربية والاقليمية والعالمية من حيث منافسة القضية الفلسطينية على مركزيتها .

فالعملية السياسية العراقية التي يجري التعويل عليها تحولت الى ما يشبه حقنة المورفين التي يعيد انتهاء مفعولها الى الاذهان حقيقة الالم الذي ينهش الجسد العليل .

ولا تقتصر هشاشة العملية السياسية العراقية على الخلافات الداخلية ، وتباين وجهات النظر بين مكونات الشعب العراقي، فقد تجاوزت الاجتهادات التعبير عن المحاصصة الطائفية ، لتصل الى اثارة الزوابع حول امكانية تعايش الطوائف والعرقيات ، الامر الذي يبقي على اشباح التقسيم .

كما يلعب فساد الحكم العراقي دورا موازيا في تغذية الازمات واعادة انتاجها وتسليط الضوء على غياب الطبقة السياسية القادرة على اعادة الاعتبار لمفاهيم النزاهة والامن والاستقرار والقدرة على ادارة البلاد استنادا الى اسس مختلفة ، بعيدة عن الطائفية .

ولدى الحديث عن الاسباب الموازية في تأزيم الوضع العراقي يحضر الى الواجهة بقوة النفوذ الايراني الذي لا يرى في العراق سوى ساحة مواجهة شبيهة بساحات عربية واقليمية اخرى .


تعقيدات الوضع العراقي لا تقل في اثارها عن الاسئلة الملتبسة التي يواجهها صانع القرار السوري.

وفي هذا السياق جاء طلب تشكيل المحكمة الدولية الذي تقدمت به الحكومة العراقية الى الامم المتحدة واحاله الامين العام بان كي مون الى مجلس الامن الدولي .

فالطلب الذي اضيف الى طلب سابق تقدمت به الحكومة اللبنانية ، للتحقيق في استشهاد الرئيس رفيق الحريري ، ويفتح الباب على طلبات اخرى مشابهة ، من ساحات خاض فيها النظام السوري حروب الاستحواذ على اوراق اضافية تقوي مواقفه ، يضع دمشق في دائرة الاتهام ، رغم اجواء التهدئة التي تخيم على العلاقة مع واشنطن .

ومن شان التحقيق في هذه الاتهامات التي ترفضها القيادة السورية ان يفتح على دمشق بوابات ازمات حادة مع المجتمع الدولي الذي يظهر حساسية مفرطة تجاه عمليات الاغتيال والتفجير .

كما يبقي احتفاظ المجتمع الدولي بهذه الملفات ، وملفات اخرى ، من بينها الوضع الداخلي السوري ، ووجود مكاتب حماس والجهاد في دمشق القيادة السورية تحت عصا الطاعة ، الامر الذي ينعكس على طريقة استخدامها للاوراق التي بحوزتها ، ومن بينها اوراق الانقسام الفلسطيني ، والازمة اللبنانية ، والوضع العراقي .

ورغم تعاطيها العقلاني والهادئ نسبيا مع الاحداث التي تشهدها المنطقة ، والتحولات الكونية، لعواصم الاعتدال العربية نصيبها في دائرة الازمة .

فالحفاظ على الاعتدال ، في ظل فرض سياسة الامر الواقع الاسرائيلية ، وما يقابلها من تطرف ديني وقومي في العالمين العربي والاسلامي ، يحتاج الى اداء مختلف ، قد لا يتفق مع السياسات التي تتبعها الانظمة العربية المعتدلة .

وقد يكون اول المتضررين من ادخال تغييرات على سياسات قوى الاعتدال خطابها السياسي المعرض للانكماش .

فالهامش الذي تتحرك فيه قوى الاعتدال العربية سواء كانت انظمة او تيارات او افراد آخذ بالتقلص لصالح القوى المغامرة والعدمية الامر الذي يعني توسيع خيارات العنف والدمار والموت المجاني .

واللافت للنظر ان سلبية الادارة الاميركية في التعاطي مع تطورات الاوضاع في المنطقة تغذي مثل هذه الخيارات .

مع تفاقم ازمة النظام الرسمي العربي بخطابيه "المعتدل" و"الانفعالي الموجه" تجد العواصم غير العربية فرصة سانحة للتحول الى اقطاب اقليمية تلعب دورا مؤثرا في التحولات التي تشهدها المنطقة .

فمن ناحيتها تسعى طهران للافلات من ازماتها الداخلية ، وتعويم مأزقها مع المجتمع الدولي ، بانجاز مشروعها النووي .

وبموازاة الدور الايراني المحتمل تبلوره،في حال حصول ايران على القنبلة النووية ، تطفو تركيا على سطح الاحداث شريكا محتملا في تحديد مستقبل المنطقة .

ففي الاشهر الماضية امتلكت انقرة مصداقية القيام بدور الوسيط بين سوريا واسرائيل ، وقبل اسابيع قامت بوساطة بين بغداد ودمشق ، في محاولة منها لانهاء تداعيات اعتداءات الاربعاء الدامي التي خلفت العشرات القتلى في العاصمة العراقية .

وفي حال تنفيذ حكومة اليمين الاسرائيلي رؤيتها للتسوية السياسية سيكون مثل هذا النجاح فاتحة لدور اسرائيلي اكبر في الاستراتيجية الكونية .

قد يكون النظام الرسمي العربي الاكثر تأثرا من نهوض اطراف اقليمية جديدة ، لكنه ليس المتضرر الوحيد .

فالتطرف الديني الاخذ في الاستشراء توازيه حالة من انكفاء الشارع السياسي العربي الاخذ في الارتداد عن خوض معارك مصيرية كبرى الى معارك متواضعة تليق بالمهزومين .

وتتجلى مظاهر هذه الردة في الشعارات التي تنطوي على نعرات اقليمية ، وجهوية ، ومناطقية ، يرفعها متساقطو المراحل ، ويلتقطها الجمهور المحبط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحلة مؤثرة تتهافت عليها شركات صناعة السيارات العالمية | عالم


.. عريس جزائري يثير الجدل على مواقع التواصل بعد إهداء زوجته -نج




.. أفوا هيرش لشبكتنا: -مستاءة- مما قاله نتنياهو عن احتجاجات الج


.. مصدر لسكاي نيوز عربية: قبول اتفاق غزة -بات وشيكا-




.. قصف إسرائيلي استهدف ساحة بلدة ميس الجبل وبلدة عيترون جنوبي ل